الدعوة إلي الله بين الصُحبة و الإستعباد

بقلم / أبو عبد الله محمد العقيلي ( باحث صوفي)

دلالات البراءة و الكمال ( ١ )

الدعوة إلي الله بين الصُحبة و الإستعباد

عندما نجد أن أعظم الدعاة إلي الله و أكرمهم علي الله و أقربهم من الله ، مولانا رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .

أنه كان حاله واحدا في قومه علي تعدد و تغير أحوالهم من الكفر و النفاق و الإيمان …

كان صلى الله عليه و سلم ، أوسعهم رحبا و ألينهم جنبا ، و أكثرهم حلما وعطفاً و أقربهم رُحما و لُطفاً، ….

و كان لا حرص لديه أكثر من حرصه علي أن يهديهم و ينجيهم و يصلح ذات بينهم …

منزهٌ عن الغلظة و الفظاظة و الفجاجة و الفُحش و تعصب الجاهلية الأولى و الإنحياز إلا لله عز وجل ..

يستشيرهم و هو الذي يُوحى إليه من لدن حكيم خبير ..

وذلك ليُنمِّ الإيجابية في نفوسهم ليكونوا رجالا علي قدر المسئولية ، وكأنه يُهَيئهم لحمل مشعل الدعوة إلى الله من بعده صلى الله عليه وسلم ، فكانوا حيثما أراد واسترجى الله فيهم …

سماهم أصحاباً و قال فيهم يمتدحهم ما يفوق الوصف فضلا…

جعل حبهم سعادة و كرامة ، و بغضهم حسرة و ندامة ..

رضي الله عنهم و أرضاهم و رضي بهم عنا …

فوضع بذلك صلى الله عليه و سلم أسسا و قواعدا لعلاقة الداعي إلي الله بهؤلاء الذين يبث فيهم خطابه الدعوي المفترض أن يكون خالصا لله ، مجرداً من كل علةٍ و هوي وخطاب نفس تريد حظها فتنازع باريها في هذه الدعوة …

وهذا بذاته دليل كافٍ و وافٍ علي كمال الدعوة الإسلامية التي جاءت لتحرر الإنسان من ربقة العبودية لأخيه الإنسان …. الكل عباد مكرمون ، الأفضلية فيها بالسبق و الصدق و القرب من الله لا سواه ..

وعليه ….

فإن الإسلام بريء كل البراءة من كل دعيٍ تحت ثمة راية صوفية أو سلفية أو غيرها ، يتظاهر بالدعوة إلي الله و هو في الحقيقة يدعُ لنفسه و يدل على نفسه ، فيذيق من يدعوهم و يجرعهم كاسات الذل و الهوان ،

فيسميهم تلامذة أو مريدين …

و يحيد بهم من الصحبة الراشدة الكريمة إلي الإستعباد المقيت ، فهو بذلك جعل من نفسه صنما يريد أن يطوف به من حوله دونما يدر .. أعاذنا الله و إياكم

.

حيث تجده لا هَمَّ لديه إلا الحفاظ علي الاستكثار بهم و استعبادهم بالوقوف عند ما يستوثق به من حفظهم لولائهم له كالوقوف علي القدمين إن حضر ، و تقبيل اليدين عند مصافحته ، و الاستئذان عند كل صغيرة و كبيرة من أمور الدين و الدنيا ، حتى ولو كانت طاعةً لله ، متناسيا أنه لا استئذان في طاعة ، و غيرها من مظاهر التعظيم الواهية التي تقتل الحرية و الإيجابية في ذات الفرد ، كذلك انحيازه الفئوي وتقريبه و محاباته لطائفة دون غيرها كأهل الدنيا أصحاب المال و الجاه الذين يغدقون عليه عطاياهم و يقيمون المحافل رافعين راياته بالرعاية وهو أبعد ما يكون منها ، و لأهل العلم أو غيرهم ممن يصولون و يجولون مسبحون بحمده في تلك المحافل …، وقس على ذلك ،

بما يتنافى مع صحيح منهج سيد الدعاة صلى الله عليه و سلم الذي نزل عن رأيه أخذاً برأي الحباب بن المنذر في غزوة بدر ، و قال أنتم أعلم بشئون دنياكم في واقعة تأبير النخيل ، و تصالح في الحديبية و رجع حقنا لدماءهم ، و صبر و عفا عندما قتلوا عمه الحمزة رضي الله عنه و اتهموا عرضه الكريم المصون ، مجلسا بسبب أن رد سيدنا أبي بكر الإساءة علي من سبه ومن أبي بكر عنده ، و قال لأبي ذر و هو أمير إنك رجل فيك جاهلية من أجل بلال و هو عبد حبشي عتيق أبي بكر. رضي الله عنهم جميعا و الكثير الكثير .

.

كل ذلك دون أن يقف مع نفسه متسائلاً بم سيجب مولاه إن سأله عن هؤلاء الذين يحيطون به ، بم سيجب عن ما تسبب فيه من إساءةٍ لمنهج الدعوة و منهاجها فتسبب بعزوف ولو واحد ممن كانوا يريدون النظم في سلكها أو هجرها من سبق له النظم فيها ..

وقفوهم إنهم مسئولون

فاللهم صحوةً و نجاةً

نسأل الله العفو و العافية

اترك تعليقاً