طالب العلم: الحلقة الأضعف في مجتمعنا بين الإهمال والتطاول
1 ديسمبر، 2024
العلم والعلماء

بقلم الدكتور الشيخ / محمد سعيد صبحي السلمو ( البابي الحلبي )
#من_وحي_الواقع
طالب العلم: الحلقة الأضعف في مجتمعنا بين الإهمال والتطاول
قبل أن تحلّ الأزمة ببلادنا، وقبل أن يُجبرنا النزوح والهجرة على مغادرة ديارنا، كان طالب العلم يعاني من نظرة مجتمعية ظالمة، جعلته الحلقة الأضعف في التركيبة الاجتماعية. لم يكن يُنظر إليه كرمز للعلم أو الأخلاق، بل كإنسان بسيط ودرويش، يستحق الفتات الذي يتصدقون به عليه. كان يُعامل وكأنه شخص بلا مكانة، لا وزن له في المواقف ولا هيبة له في أعين الناس.
في مجتمعاتنا، كانت هناك دائمًا حسابات دقيقة تُراعى عند حدوث الخلافات بين الأفراد. إذا اختلف شخص مع جاره أو قريبه، كان يفكر ألف مرة قبل أن يتخذ خطوة تصعيدية، خوفًا من عواقب المشاكل وتأثيرها على العلاقات. بل إن بعض الناس كانوا يدارون أراذل القوم ويتجنبون غضبهم، حرصًا على سلامتهم. ولكن، إن كان طرف الخلاف طالب علم، كانت هذه الحسابات تختفي فجأة. كان يُعامل بازدراء، ويتجرأ عليه الجميع وكأنه الشخص الوحيد الذي لا يخشى أحد الدفاع عنه.
المفارقة الكبرى تكمن في تعامل هؤلاء الناس مع الغرباء. قد يأتيهم شرطي غريب، أو موظف ذو سلطة، يذلهم ويهين كرامتهم، فينحنون له بخشوع، ويردّدون له كلمات الطاعة والتذلل، قائلين: “أمرك على رأسي”. لكن إذا ما حصل أدنى خلاف مع طالب العلم، انقلب الحال تمامًا. يتجرؤون عليه برفع أصواتهم بالشتائم، ويتطاولون عليه وعلى علمه وعمامته. قد يصل الأمر إلى التعدي الجسدي، وسحب الأسلحة البيضاء، بل وحتى التجمع ضده واستعراض القوة بشكل جماعي.
في هذا السياق، كان طالب العلم الحلقة الأضعف في جميع الأحوال. حتى الجهات الأمنية والمسؤولين كانوا يتعاملون معه بنفس الازدراء. لم يكن هناك من يدافع عنه، ما جعل الجميع يدركون أنه شخص بلا حماية، فتمادوا عليه دون أي رادع.
قد يأتي من يقول: “لكننا كنا نحترم أهل العلم”. نعم، ربما كان ذلك صحيحًا في أوقات الرخاء والهدوء. لكن ما إن يظهر خلاف أو صدام، حتى يتبدد هذا الاحترام. يتحول طالب العلم إلى هدف للنقد والإهانة، يُشتم دون اعتبار لمكانته، ولا يُراعى ما يحمله من علم أو ما يمثله من قيم. حتى في الخلافات الأسرية أو نزاعات الأقارب، غالبًا ما يُحمَّل طالب العلم أو الشيخ القريب المسؤولية كاملة، ليُترك في مواجهة الجميع وكأنه الحلقة الأضعف دائمًا.
إن هذا السلوك لم يكن مجرد إهانة لشخص طالب العلم، بل كان جرحًا عميقًا في هيبة العلم والدين ذاته. مع الوقت، تراجعت مكانة العلماء في أعين المجتمع. وبهذا التطاول على أهل العلم، ساهم الناس في فتح الباب أمام كل ضال وفاجر وعاهر ليعبث بالدين والقيم. أصبح من الطبيعي أن يتجرأ أهل الباطل على تغيير دستور البلاد، والعبث بمصيرها، دون أن تكون للعلماء كلمة مسموعة أو مكانة يُحسب لها حساب.
إن الواقع الذي نعيشه اليوم هو نتيجة مباشرة لهذه النظرة الظالمة. حينما كانت الفرصة سانحة لاحترام أهل العلم وتقدير مكانتهم، أُهينوا وطُعنوا. فلا يلومنّ أحدٌ سوى نفسه حينما يجد أهل الفساد والضلال يتحكمون في مصير البلاد والعباد. وما لنا من مخرج إلا العودة إلى الله، فهو الوحيد القادر على كشف هذا الواقع المؤلم.