خطبةُ الجمعةِ القادمةِ ( السلامُ رسالةُ الإسلامِ ) للدكتور أيمن الحداد
30 يونيو، 2025
خطب منبرية

خطبةُ الجمعةِ القادمةِ ( السلامُ رسالةُ الإسلامِ )
للدكتور: أيمن الحداد
نص الخطبة
الحمد لله رب العالمين هو الأول فلا شىء قبله وهو الآخر فلا شىء بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله شرح الله له صدره ووضع عنه وزره أرسله ربه رحمة للعالمين وجعل دينه سلاماً للناس أجمعين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: إن نور السلام يشع في كل تعليمات الإسلام، ونشر السلام بين الناس جميعاً هو الهدف الأعظم والأسمى لشريعتنا الغراء؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾(البقرة: ٢٠٨)، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه» رواه البخارى.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «المسلمُ من سلم الناسُ من لسانه ويدهِ، والمؤمنُ من أمنه الناسُ على دمائهم وأموالهم» رواه النسائى.
والسلام من أسماء الله الحسنى ومن صفاته العظمى؛ قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾(الحشر: ٢٣)
ولفظ السلام معناه: صاحب السلامة من كل ما لا يليق أو صاحب السلام على عباده في الجنة.
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثًا، وقال: «اللَّهمَّ أنتَ السَّلامُ ومنْكَ السَّلامُ تبارَكتَ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ» رواه مسلم.
وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند رؤية الكعبة المشرفة: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ»
عباد الله: لقد أرسى الإسلام مبادئ السلام، وهذه بعض الشواهد الدالة على ذلك؛
– الشاهد الأول: خطاب سيدنا رسول الله ﷺ عند دخول المدينة المنورة؛ فعن زرارة بن أوفى رضى الله عنه قال: حدثني عبدالله بن سلام قال: لما قدم النبي ﷺ المدينة انجفل الناس قبله وقيل قدم رسول الله ﷺ فجئت في الناس لأنظر فلما تبيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول شىء سمعته تكلم به أن قال: «أيُّها النَّاسُ أفشُوا السَّلامُ وأطعِموا الطَّعامَ وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ تدخلوا الجنَّةَ بسلامٍ» رواه بن ماجة.
فدل ذلك أن السلام من صميم رسالة الإسلام وأن الأقرب من الله هو الأسبق لغيره في بذل السلام وافشائه؛ فعن أبى أمامة رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّ أولى الناس باللهِ؛ من بدأَهم بالسلامِ» رواه أبو داود.
وإذا أمعنت النظر تجد أن كلمة السلام وردت في القرآن الكريم إحدى وأربعين مرة بينما وردت كلمة حرب أربع مرات فقط.
– الشاهد الثاني: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾؛ فإن من أعظم وأبرز القواعد الإسلامية الدالة على أن الإسلام دين السلام عدم الإكراه في الدين؛ روى الطبري في تفسيره أن أبا الحصين أحد الانصار جاء إلى النبي ﷺ وقال: يا رسول الله إن لي ابنان نصرانيان وقد أبيا إلا النصرانية أفلا استكرهما؟ فنزل قول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(البقرة: ٢٥٦)،
إن الإسلام لا يكره أحداً على الدخول فيه ولا يكره أحداً على ترك دينه فكان بحق دين السلام الذى رسخ مفهوم التعايش السلمى بين الناس؛ قال تعالى: ﴿أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(الحجرات: ١٣)،
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ» أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء، والبيهقي في شعب الإيمان.
– الشاهد الثالث: صحيفة المدينة؛ لقد كانت صحيفة المدينة المنورة بمثابة دستور للتعايش السلمى بين الناس جميعاً.
لقد أرسى سيدنا رسول الله ﷺ دعائم الإخوة، وأمن اليهود على دينهم وأموالهم وعاهدهم على الحماية والنصرة فكتب ﷺ كتاباً بين المهاجرين والأنصار ووادع اليهود.
قال ابن القيم رحمه الله: «وادع رسول الله من بالمدينة من اليهود وكتب بينه وبينهم كتاب وبادر حبرهم عبدالله بن سلام فدخل في الإسلام» زاد المعاد.
وهذا خير شاهد على أن الإسلام دين السلام الذى استوعبت تشريعاته كل الملل والنحل الأخرى فجعل للإنسان حقوقاً فاقت كل ما أنتجه الفكر البشرى في مجال حقوق الإنسان، فالناس على اختلافهم إخوة في الإنسانية تنشأ بينهم علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية قوامها التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والمنافع وهذا ما تضمنته صحيفة المدينة المنورة.
– الشاهد الرابع: كتاب النبي ﷺ لنصارى نجران؛
لقد وفد نصارى نجران على سيدنا رسول الله ﷺ بالمدينة المنورة فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم فقال: «دعوهم» فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم وكتب لهم النبي ﷺ عهداً وقال فيه: «لنجران وحاشيتها وسائر من ينتحل دين النصارى في أقطار الأرض جوار الله وذمة محمد رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير أن احمى جانبهم وأذب عنهم وعن كنائسهم وبٍيعهم وبيوت صلواتهم؛ أن لهم ما على المسلمين وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم» زاد المعاد.
ولم يكن هذا مجرد ميثاق لا حظ له في أرض الواقع بل طبق سيدنا رسول الله ﷺ ذلك عملياً وخلفاؤه فلم يهدموا كنيسة ولا صومعة بل صانوا جميع أماكن العبادة واحترموها.
فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه لما كان في طريقه إلى الشام رأى معبداً لليهود قد غيبه الرومان بالتراب فأخذ يزيل عنه التراب حتى يتمكن اليهود من معاودة العبادة فيه مرة أخرى.
– الشاهد الخامس: موقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه عند فتح بيت المقدس عام ١٥ هجرياً؛
لقد كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأهل إيلياء عهد أمان عرف بالعهدة العمرية فأعطاهم أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وبرهم وبحرهم وأن لا ينتقص من ذلك شىء.
وكذلك فقد رفض أمير المؤمنين رضي الله عنه أن يصلى داخل الكنيسة لئلا يتخذها المسلمون مسجداً مبررين ذلك بقولهم هنا صلى عمر وصلى خارجها وبجوارها بنى مسجد عمر بن الخطاب ولا يزال قائم إلى يومنا هذا ليكون خير شاهد على أن الإسلام دين السلام؛ قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(الممتحنة: ٨)،
وعمرو بن العاص رضى الله عنه وأرضاه لما فتح مصر أحسن إلى القبط ورد الأنبا بنيامين إلى كنيسته وأعطاه أماناً لأهل ملته بعدما كان القبط مضطهدون من إخوتهم في الدين النصارى الرومان، فساد السلام أرض مصر وجميع الأراضي التي فتحها المسلمون.
– الشاهد السادس: صيانة الإسلام للدماء والأعراض؛ لقد صان الإسلام النفس الإنسانية أياً كان صاحبها وحرم إراقة الدماء ظلماً وعدواناً حتى جعل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعاً؛ قال تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾(المائدة: ٣٢)،
كما أكد سيدنا رسول الله ﷺ على حرمة الدماء تأكيداً بالغاً فى حجة الوداع؛ فعن أبى بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه: أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ فَقالَ: «ألَا تَدْرُونَ أيُّ يَومٍ هذا قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، فَقالَ: أليسَ بيَومِ النَّحْرِ قُلْنَا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: أيُّ بَلَدٍ هذا، أليسَتْ بالبَلْدَةِ الحَرَامِ قُلْنَا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، وأَبْشَارَكُمْ، علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، ألَا هلْ بَلَّغْتُ قُلْنَا: نَعَمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فإنَّه رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ لِمَن هو أوْعَى له فَكانَ كَذلكَ، قالَ: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» رواه البخارى.
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «مَن قَتَلَ مُعاهَدًا لَمْ يَرِحْ رائِحَةَ الجَنَّةِ، وإنَّ رِيحَها تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أرْبَعِينَ عامًا» رواه البخارى.
فدل هذا على مدى عناية الإسلام بحرمة الدماء والأعراض باعتبار أن في ذلك سلام وأمن وأمان لكل الناس.
ولكى ينعم الناس بالسلام والأمن فقد شرع الله عز وجل القصاص والعقوبات الرادعة؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(البقرة: ١٧٨-١٧٩)،
ولقد توعد الله تعالى من يقتل مؤمناً عمداً بسوء المصير؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(النساء: ٩٣)، وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لزوال الدنيا جميعاً أهون على الله من دمٍ سفك بغير حق» رواه البيهقي.
– الشاهد السابع: حرم الإسلام الغدر والخيانة؛
لقد أوصى سيدنا رسول الله ﷺ قادة جيوشه قائلاً: «اغزوا بسم الله في سبيل الله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً» رواه البخاري.
وتنفيذاً لتلك الوصية الكريمة أنصف القضاء أهل سمرقند؛ ففي عهد أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه خرج قتيبة بن مسلم أحد القادة الفاتحين فوصل إلى قرب حدود الصين فدخل مدينة سمرقند دون أن يقدم لذلك بالدعوة إلى الإسلام فشكا أهل سمرقند قتيبة بن مسلم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قائلين ظلمنا قائد جيوشك ودخل بلادنا عنوة فكتب عمر بن عبد العزيز إلى القاضي لينظر في الأمر فحكم القاضي بخروج قتيبة وجيشه من سمرقند فلما رأى أهل سمرقند عدالة وإنصاف الإسلام أعلنوا دخولهم في الدين عن طواعية.
فهل رأَت الدنيا، وسمِ:عَ التاريخُ بمثل ما جاءَ به الإسلام؟!
فاتقوا الله عباد الله وكونوا دعاة سلام بأخلاقكم وكونوا قدوة عملية وصورة معبرة عن سماحة دينكم.
أقول قولي هذا واستغفر الله لى ولكم.
الخطبة الثانية
الحمدلله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: إن الإسلام دين السلم والسلام والأمن والأمان والبر والإحسان لذلك رسخ لجميع القيم النبيلة التي تحقق السلام الدائم والعادل للفرد والمجتمع والدول، وتأكيداً على تحقيق السلام بين الناس جميعاً جعل الله عز وجل جزاء من سعى في تطبيقه الجنة؛ قال ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾(إبراهيم: ٢٣)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما خطبنا رسولُ اللهِ ﷺ إلَّا قال: «لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له» رواه أحمد.
ولقد حرص الإسلام على السلام حتى في حالة الحرب؛ قال تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾(الأنفال: ٦١)،
وفى ميدان الدعوة إلى الله كان الهدف هو نشر السلام بين الناس جميعاً فهذا على بن أبى طالب رضى الله عنه أعطاه سيدنا رسول الله ﷺ الراية فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال ﷺ: «أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لئن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» متفق عليه.
ولقد بين سيدنا رسول الله ﷺ منذ فجر الإسلام أن السلام والأمن والأمان والاستقرار سوف يعم ويسود مع انتشار الإسلام؛ فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: «شَكَوْنَا إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا له: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قالَ: كانَ الرَّجُلُ فِيمَن قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فِيهِ، فيُجَاءُ بالمِنْشَارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُشَقُّ باثْنَتَيْنِ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ويُمْشَطُ بأَمْشَاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ مِن عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمْرَ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعَاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخَافُ إلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رواه البخارى.
ومن هنا كان السلام هو صمام الأمان في المجتمعات ترتفع به دعائمه ويعيش أفراده في استقرار، ولقد دعانا الله إلى نشر السلام؛ قال تعالى ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾(النور: ٦١)، وفى المقابل فقد نهى الله عز وجل عن كل ما من شأنه تعكير صفو السلام النفسي والمجتمعي؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ (الحجرات: ١١-١٢)، وكذلك دعت السنة النبوية المشرفة إلى سلامة الصدر من كل الأحقاد والآفات التي من شأنها أن تضر بالسلام النفسي والمجتمعي؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «لا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَناجَشُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا» رواه مسلم.
ولا يخفى على أحد أن سلامة الصدر من الأحقاد كانت سبباً في دخول رجل الجنة لأنه كان ينام في سلام لا يحمل شىء في صدره تجاه أي إنسان فكانت هذه هي التي سبقت به؛ فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ. قَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا. فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلَاثُ لَيَالٍ وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺُ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟! فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ؛ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ» رواه عبد الرزاق وغيره.
اللهم اجعل مصر أمناً أماناً وسلماً سلاماً وسائر بلاد المسلمين، واجعلنا من أهل السلام الذين يدخلون الجنة بسلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة.