أحب التصوف… ولكن!
25 يونيو، 2025
منهج الصوفية

بقلم الشيخ : عبدالله قدري سعد
كثيرةٌ هي العبارات التي تُقال، لكن قليلٌ منها ما يُفضحُ فيه المخبوء من دخائل النفوس.
وإحدى هذه العبارات التي تُكرَّر على مسامعنا، خاصة من بعض طلاب العلم، أو من شمَّ رائحة المعرفة، هي:
“أحب التصوف، ولكن لا أكون في طريقة.”
عبارةٌ قد تبدو في ظاهرها دليلَ تفتحٍ وفهم، ومحبةٍ للصفاء والروح، ولكنها – عند التحقيق – ليست إلا ستارًا يُخفي وراءه العقل كبرياءه، والنفس هواها.
فمن قال: “لا أنتمي لطريق”، فليس لعدم قناعةٍ بالتصوف، بل لأنه يأنف أن يخضع، ويستنكف أن يُسلّم، ويريد السلوك على هواه: يختار ما يعجبه من الذكر، ويترك ما يثقل عليه من الأدب، يتبع من الأقوال ما يوافق طبعه، ويطوي ما يعارض مشربه.
ولكن، كيف يُسار إلى الله بالهوى؟
وكيف يُنتقل من النفس إلى الحق، دون شيخٍ يدلّ، ويهدي، ويأخذ بيدك حين تضلّ الطريق؟
في مدرسة أهل الله، أسرع الطرق إلى الله: نفي الوجود.
لا وجود لك ولا لعلمك ولا لعملك، أمام حضرةٍ لا يرى فيها السالكون إلا الله.
وهذا النفي لا يُنال بالكلام، ولا بالدعوى، ولا بدراسة الفلسفة الروحية، بل بالتسليم، فالتحكيم، فالفناء.
فكيف تنتفي، وأنت لا تزال تُجادل، وتفاصل، وتُقيِّم الشيخ، وتختبر الطريق؟
كيف تفنى، وأنت تُبقي لنفسك سلطان النظر والتقرير؟
نعم، تستطيع أن تبقى مع وجودك، تدرس وتتأمل وتكتب، لكن لا توهم نفسك أنك سالك!
فالوجودين لا يجتمعان: وجودك ووجود الحق.
هذا هو توحيد الشهود، لا مجرد توحيد العقائد.
القرآن نفسه قرّر هذا الفارق:
“منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة”
لكن قليلٌ من يريد الله، لا الدنيا ولا الآخرة، بل الله وحده.
إن كنت تحب التصوف، فاعلم أنه ليس مذاقًا تتذوقه، بل طريقٌ تسلكه، وأدبٌ تتأدب به، وتسليمٌ لذاتٍ طوتك تحت جناحها، حتى تفنى، ثم تُبعث.
التصوف ليس كلمات روحانية على أطراف اللسان، ولا ترفًا روحيًّا نلجأ إليه حين تضيق الحياة.
التصوف: موتٌ اختياري قبل الموت الحقيقي، وبعثٌ على عين شيخٍ نَظَر فربّى، وشهد فأدلى.
فاختر: إما أن تبقى مع وجودك، أو تُلقيه على باب الشيخ، فترى وجه الله.