بقلم الدكتور : فارس أبوحبيب إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
في زمنٍ طغى فيه التنافس المادي على القيم، وانتشر فيه التسلّق على أكتاف الآخرين، برزت “الشخصية الوصولية” كأحد أخطر الأوبئة الأخلاقية التي تُدمِّر العلاقات، وتُفسد المجتمعات، وتخرب البيوت، وتُمزّق صفوف العمل والدعوة والدولة.
مَن هو الوصولي؟
الوصولي هو ذلك الشخص الذي لا يرى في الناس إلا سُلّمًا يضعه تحت قدمه ليصعد فوقه، لا يهمه إن كسر قلوبهم، أو لطّخ سمعتهم، أو طعنهم من الخلف، المهم أن “يصل”! يُظهر الحب ويُخفي الحسد، يبتسم في وجهك ويطعنك في ظهرك، يُثني عليك أمامك ويُحرّض عليك في غيابك.
صفاته وأفعاله:
– الحسد الدفين: لا يطيق أن يرى نعمةً على أحد، فإن لم يستطع سلبها، سعى لتشويهها.
– النفاق الاجتماعي: يُغيّر وجهه حسب المصلحة، فإن انتهت، انقلب عليك.
– الأنانية المفرطة: مصلحته فوق الجميع، حتى لو كان أقرب الناس إليه.
قال الشاعر: إذا المرءُ لم يُدنَس من اللؤم عرضهُ فكلُّ رداءٍ يرتديه جميلُ
خطره على المجتمع:
– يهدم الثقة بين الناس. – ينشر الفتنة والبغضاء. – يُؤخر الكفاءات ويُقدّم غير المستحقين. – يُفسد البيوت، ويشق صفوف الدعوة والعمل.
ولذلك حذّر النبي ﷺ من أمثال هؤلاء بقوله: “إن شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه” (رواه البخاري ومسلم)
من حفر حفرة لأخيه…
الوصولي لا يدري أن الحفرة التي يحفرها لغيره، قد يسقط فيها هو. قال تعالى:﴿ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله﴾ [فاطر: 43] وقال:﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾ [الأنفال: 30]
وانظر إلى نهاية هامان، الذي سعى للوصول عبر الطغيان والتسلق والتزلف، فكان مصيره الهلاك مع فرعون وجنوده.
رمز الوصولية المعاصر:
-الموظف الذي يتقرّب لمديره بالنفاق، ويُوقِع بزملائه ليصعد. – المتحدث باسم “الحق” وهو يسعى لمصلحته الشخصية على حساب الدعوة. – المنافس الذي يُحسن التملق ويُسيء الطعن.
الرد على الوصولي:
– لا تُعِرْه اهتمامًا، ولا تجاريه في خبثه. – دع له الجمل بما حمل، واعتزل شره. – تذكَّر أن كيده مردود إليه، ولو بعد حين.
وقل كما قال يعقوب عليه السلام: ﴿فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون﴾ [يوسف: 18]
وصايا تربوية:
1- ربِّ أولادك على الإخلاص لا التسلق. 2- لا تُقدّم المنافق المتلون، مهما زيّن لك صورته. 3- كن واضحًا صادقًا، فإن الحق يعلي صاحبه وإن تأخر. 4- احذر أن تكون الوصولية خلقًا فيك دون أن تشعر
الختام:
إن الوصولي قد يخدع الناس يومًا، أو يظفر بمكسب زائل، لكنه لا يخدع الله، ولا ينجو من عدله. وفي النهاية، “المواقف تُفضح الطباع”، وتُكشف الأقنعة، ويعلم الجميع أن “ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل”، “وما ربك بظلام للعبيد”.