الكلام مع ربنا

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

الراحة والطمأنينة والسكينة والهدوء والأنس والفرح والسعادة كل هذه المعاني وأكثر منها يجدها الإنسان حينما يقترب من ربه ويكلم خالقه ويحدث رازقه، ويشرح لربه ـ وهو العليم بكل شيء ـ كل تفاصيل حياته من البلاء والنعماء والرغبة والرهبة وغيرها من الأحوال.

ففي حال البلاء يكلم العبد ربه ويدعوه ويناجيه بأنه العبد الفقير الضعيف العاجز وأنه الرب الغني الكريم القادر على رفع البلاء والمصاب، كما شكا يعقوب عليه السلام لربه وقال بعد أن فقدان ابنه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف: 86].

وكلم النبي صلى الله عليه وسلم ربه في معركة بدر مع قلة عددهم وسلاحهم، حينما نظر إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، وجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعْبَدُ في الأرض، فما زال يهتف بربه، مادا يديه مستقبل القبلة؛ حتى سقط رداؤه عن منكبيه.

فالكلام مع الله تعالى ليس مجرد دعاء وطلب بل هو تحدث وشكوى ووصف للحال كما وصفت امرأة عمران حالها لربها وقالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[آل عمران: 35، 36].

ووصف إبراهيم عليه السلام حال ذريته، وهم في صحراء مكة القاحلة، وقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ…}[إبراهيم: 37].

كذلك إذا زَلَّ الإنسان ووقع في ذنب أو معصية فإنه يكلم ربه ويناجي خالقه ويطلب منه العفو والمغفرة، يجد الرحمة والمغفرة، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء: 112].

حتى في حال الفرح والسرور والسعادة فالمؤمن يسترسل في كلام ربه، ويطنب في الحديث مع خالقه لا لشيء سوى استمتاعه ورغبته في محادثته، فيخر ساجدا لله شاكرا لربه حامدا لخالقه على عطائه وفضله وكرمه ومنته، ويظهر فرحة قلبه لرازقه، حتى تكون محادثة ربه ألذ وأمتع من النعمة نفسها.

وفي حال التردد والحيرة بين أمرين أو خيارين، فالمؤمن يكلم ربه تبارك وتعالى؛ ليختار له أحسنهما ويُبْعد عنه شرهما، كما في دعاء الاستخارة، فالتحدث مع الله ليست سعادة فحسب بل هو إرشاد وهداية وتوفيق وتصحيح لمسار القلب، وضبط لبصلة الروح.

أما عن جزاء وثواب الكلام مع الله في الآخرة، فيقول صلى الله عليه وسلم: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: … ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه”، وكلم ربه خالياً فخشع قلبه لله ودمعت عيناه، فأسعده الله تعالى وآنس قلوبه في الدنيا والآخرة، وأبعد عنه شر الدنيا والآخرة.