الفَنَاءُ عند سيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه
12 يونيو، 2025
منهج الصوفية

من مذكرات سيدي برهان الدين أبو الإخلاص رضي الله عنه
يقدمها لكم : الشيخ السيد محمد البلبوشي
خويدم الطريقة الإخلاصية – خطيب بوزارة الأوقاف
قَالَ اللهُ تَعَالَى :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾.
( مَنْزَعٌ ) حَقِيقَةُ الفَنَاءِ مَحْوٌ وَاضْمِحْلَالٌ ، وَذَهَابٌ عَنْكَ وَزَوَالٌ ، وَإِن شِئْتَ قُلْتَ :” فَنَاءُ المُرِيدِ طَهَارَةُ النَّفْسِ مِنَ التَّدْنِيسِ ، وَفَنَاءُ المُرَادِ تَخَلُّقُهُ بِأَوْصَافِ التَّقْدِيسِ ” ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : “فَنَاءُ السَّالِكِ عَنِ السُّكُونِ إِلَى الأَنْوَارِ ، وَفَنَاءُ العَارِفِ عَنْ شُهُودِ لَمْحَةِ الأَغْيَارِ ” ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ :” الفَنَاءُ مَحْوُ النِّيَّةِ ، وَذَهَابُ الإِنِيَّةِ ” ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : ” الفَنَاءُ التَّخَلِّى لِنُورِ التَّجَلِّى “.
( مَشْرَعٌ ) فَنَاءُ عَوَامِّ الطَّرِيقِ بِمَحَبَّةِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ ، فَإِنْ حَصَلَتْ لَهُم العِنَايَةُ سَلَكَتْهُم مَسْلَكَ الهِدَايَةِ .
( مَنْزَعٌ ) فَنَاءُ المُحِبِّ بِمَحَبَّةِ الحَبِيبِ ، وَفَنَاءُ المَحْبُوبِ بِالوُصْلِ عِنْدَ غَيْبَةِ الرَّقِيبِ .
( مَشْرَعٌ ) اجْتَازَ قُوْمٌ بِبَعْضِ طُرُقِ الفَنَا ، وَلَمْ يَحْصُل لَهُم مَا طَلَبُوا مِنَ المُنَى ، وَإِنَّمَا حُرِمُوا الرَّشَادَ لِعَدَمِ الاسْتِرْشَادِ .
( مَنْزَعٌ ) أَهْلُ الصِّدْقِ فِي الإِرَادَةِ فِى بَابِ الأَعْمَالِ فَانُونَ أَدَبَاً مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَاللهُ خَلَقَكُم وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ ، وَأَهْلُ المَعْرِفَةِ فَنَاؤُهُم فِى حَضْرَةِ الصِّفَاتِ وَالأَسْمَا ، وَذَلِكَ لَهُم أَسْمَى ، تَحْقِيقَاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى ﴾.
( مَشْرَعٌ ) فَنَاءُ المُرِيدِ بِشُهُودِ التَّوْحِيدِ ، وَفَنَاءُ المُرَادِ بِالخُرُوجِ عَنِ المُرَادِ ، وَفَنَاءُ العَارِفِ بِشُهُودِ الأَحَدِيَّةِ فِى حَضْرَةِ الوَاحِدِيَّةِ .، وَفَنَاءُ الفَرْدِ بِتَجَلِّى الأَحَدِ بِالغَيْبَةِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ .
( مَنْزَعٌ ) كَوْنُ مَشْهَدِ الحِسِّ هُوَ مَحَلُّ جَرَيَانِ الشَّمْسِ ، إِذَا اسْتَوَتْ شَمْسُكَ عِنْدَ الزَّوَالِ أَفْنَتْ مَا كَانَ مَوْجُودَاً مِنَ الظِّلَالِ ، فَاحْرِصْ عَلَى اسْتِواءِ شَمْسِكَ بِذَهَابِ ظِلِّ غَمَامَةِ حِسِّكَ .
كَانَ لِى ظِلُّ رُسُومٍ فَاسْتَوَتْ شَمْسٌ فَزَالَا
عِشْتُ بِالمَحْبُوبِ حَقًّا بَعْدَ مَا كَانَتْ خَيَالَا
( مَشْرَعٌ ) أَفْنَى التَّائِبُ المُهْلِكَاتِ ، وَأَفْنَى السَالِكُ العَادَاتِ ، وَأَفْنَى المُسَلِّكُ القَوَاطِعَ ، وَأَفْنَى العَارِفُ المَطَامِعَ ، وَأَفْنَى الوَاصِلُ الأَ كْوَانَ ، وَأَفْنَى المُوَصِّلُ مَا سِوَى حَضْرَةِ الإِحْسَانِ .
( مَنْزَعٌ ) إِذَا غَلَبَ الفَنَاءُ بِشُهُودِ التَجَلِّى عِنْدَ صِدْقِ التَّخَلِّى ، لَاْ تَرَى الأَ كْوَانَ إِلَّا كَالخَيَالِ فِى حَضْرَةِ هَذَا المِثَالِ .
إِنَّمَا الكَوْنُ خَيَالٌ وَهُوَ فِى حَقِّ الحَقِيقَةِ
كُلُّ مَن يَشْهَدُ هَذَا حَازَ أَسْرَارَ الطَّرِيقَةِ
( مَشْرَعٌ ) فَنَاءُ الفَنَاءِ أَعْلَى مِنَ الفَنَاءِ لِأَنَّهُ دِهْلِيزُ البَقَا عِنْدَ أَهْلِ التُّقَى ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَقِفَ مَعَ بِدَايَةِ الفَنَا فَتَقَعَ فِى الخَلْطِ وَالدَّعْوَى وَتُخَالِفَ أَهْلَ الأَدَبِ وَالتَّقْوَى ، انْظُرْ حَالَ الحُسَيْنِ الحَلَّاجِ لَمَّا قَنَعَ وَوَقَفَ عِنْدَ أَوَائِلِ الفَنَا ، كَيْفَ وَقَعَ فِى العَنَا بِقَوْلِهِ هَا هُوَ أَنَا ، وَمِنْ أَيْسَرِ أَقْوَالِهِ مَا أَعْرَبَ بِهِ عَنْ بَعْضِ أَقْوَالِهِ بِقَوْلِهِ :
عَجِبْتُ مِنْكَ وَمِنِّى أَفْنَيْتَنِى بِكَ عَنِّى
أَدْنَيْتَنِى مِنْكَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَنِّى
قَوْلُهُ :” حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَنِّي ” فِيهِ شُعُورٌ بِأَدَبِ فَنَاءِ الفَنَا ، لَكِنَّهُ لَمْ تَكْمُلْ لَهُ حَقِيقَةَ هَذَا المَعْنَى ، إِذْ لَوْ كَمُلَتْ لَتَخَلَّصَ مِنْ غِلَظِ البَشَرِيَّةِ ، وَتَأَدَّبَ بِكَمَالِ الأَدَبِ مَعَ الرُّبُوبِيَّةِ .
يَانُزْهَتِى فِى حَيَاتِى وَرَاحَتِى بَعْدَ دَفْنِى
مَالِى بِغَيْرِكَ أُنْسٌ إِذْ كُنْتَ خَوْفِى وَ أَمْنِى
( مَنْزَعٌ ) الفَانِى المُحَقِّقُ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ ، مَنْ شَعَرَ بِوُجُودِهِ عِنْدَ الغَيْبَةِ وَالحُضُورِ ، وَعِلْمِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ فِى ظُلْمَةِ فَنَاءِ ذَلِكَ الدَّيْجُورِ ، أَلَاْ تَرَى أَنَّ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَاشْتَغَلَ بَصَرُهُ بِنُورِ شُهُودِهَا ، لَا يُنْكِرُ بَقَاءَ نُورِ الكَوَاكِبِ وَإِنْ لَم يَنْظُرْ حَقِيقَةَ وُجُودِهَا ، كَذَلِكَ الفَانِى إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ شُهُودُ أَنْوَارِ الحَقِّ ، اسْتَشْعَرَ وُجُودَهُ وَوُجُودَ الخَلْقِ ، فَذَلِكَ سُلُوكُ الكُمَّلِ الأَنْبِيَاءِ وَالسَّادَاتِ الأَتْقِيَاءِ .
( مَشْرَعٌ ) قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِى الفَنَاءِ : ( أَنَا ) ، وَفِى البَقَاءِ قَالُوا : ( أَنْتَ ) ، فَقِيلَ : ” يَافَانِى فِى الأَوَّلِ مَا كَذَبْتَ وَلَكِنْ فِى الثَّانِى أَحْسَنْتَ ” .
( مَنْزَعٌ ) مَقَامُ الفَنَا بِهِ الوُصُولُ إِلَى المُنَى ، كُلَّمَا تَوَالَى عَلَى صَاحِبِهِ دَنَا وَاصْطَلَمَهُ السَّنَا فِى المَقَامِ الأَسْنَى .
وَيَزِيدُنِى تَلَفَاً فَأَشْكُرُ فِعْلَهُ كَالمِسْكِ تَسْحَقُهُ الأَ كُفُّ فَيَعْبِقُ
( مَشْرَعٌ ) الفَنَا هُوَ أَسَاسُ الطَّرِيقِ ، وَبِهِ يُتَوَصَّلُ إِلَى مَقَامِ التَّحْقِيقِ ، وَمَن لَمْ يَجُدْ بِمَهْرِ الفَنَا لَمْ يَسْتَجْلِ طَلْعَةَ الحَسْنَا ، وَلَيْسَ لَهُ فِى غَدٍ وَاليَوْمِ نَصِيبٌ مَعَ القَوْمِ .