خطبة بعنوان (الوطن ليس حفنة من تراب) لفضيلة الدكتور : أيمن حمدى الحداد
نص الخطبة : الحمد لله الملك الحق الديان الذى أودع في القلوب حب الأوطان وغرس الحنين إليها في فطرة الإنسان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنعم المنان، واشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله المؤيد بالحق والبرهان اللهم صلّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين، ومن أتبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: إن حب الأوطان والحفاظ عليها فطرة إنسانية أكدها الإسلام لذا كان تراب الوطن الذى تطؤه برجليك عديلاً لنفاسة روحك التي بين جنبيك؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾ (النساء: ٦٦)، فجعل الله عزّ وجل مفارقة الروح للبدن كمفارقة الإنسان لوطنه.
– ومما يدل على أن حب الوطن فطرة إنسانية أكدها ديننا الحنيف لوعة فراق سيدنا رسول الله ﷺ لمكة المكرمة؛ فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ لما أُخرج من مكة المكرمة خاطبها قائلاً: «ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ» رواه الترمذي. – ولما استقر سيدنا رسول الله ﷺ بالمدينة المنورة دعا ربه قائلاً: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا في صَاعِهَا ومُدِّهَا، وانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ» متفقٌ عليه.
– وعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ: «كانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، فَنَظَرَ إلى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ، أوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وإنْ كانَ علَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا؛ مِن حُبِّهَا» رواه البخاري.
– وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء طائفة من محبوباته ﷺ فقال: «كان يحب عائشة ويحب أباها ويحب أسامة ويحب سبطيه ويحب الحلواء والعسل ويحب أحد ويحب وطنه». – إن حب الأوطان دعت إليه جميع الشرائع السماوية فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يدعو لوطنه قائلاً: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾(إبراهيم: ٣٥)،
– وكليم الله موسى عليه السلام يأخذه الشوق والحنين إلى وطنه مصر فبمجرد أن قضى الأجل الذى كان بينه وبين نبي الله شعيب عليه السلام عاد مسرعاً بكل شغف، وحب للبلد الذى ولد فيه، وتربى على أرضه.
ولله در أمير الشعراء حيث جسد حقيقة حب الوطن والحفاظ عليه وبذل النفس رخيصة من أجله فقال: بلاد مات فتيتها لتحيا وزالوا دون قومهم ليبقوا وقفتم بين موت أو حياة فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا وللأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق ومن يسقى ويشرب بالمنايا إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا ولا يبنى الممالك كالضحايا ولا يدنى الحقوق ولا يحق ففي القتلى لأجيال حياة وفى الأسرى فدى لهم وعتق وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق
أيها المسلمون: لقد حُقَ لكل مصرى أن يفتخر بانتمائه لوطنه، لأن ربنا تبارك وتعالى كرم مصر فجعلها أرضاً للأنبياء فعلى أرض مصر وُلد نبي الله إدريس وعاش الخليل ابراهيم ويعقوب ويوسف وعيسى وموسى وهارون ولقمان عليهم السلام.
– ولقد دعا سيدنا نوح عليه السلام لمصر وأهلها؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: دعا نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام – وهو أبو مصر الذي سميت مصر على اسمه – فقال: «اللهم إنه قد أجاب دعوتي فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض الطيبة المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد ونهرها أفضل أنهار الدنيا واجعل فيها أفضل البركات وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم وقوهم عليها»
– وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما: لما قسم نوح عليه السلام الأرض بين ولده جعل لحامٍ مصر وسواحلها والغرب وشاطئ النيل فلما قدم بيصر بن حام وبلغ العريش قال: «اللهم إن كانت هذه الأرض التي وعدتنا على لسان نبيك نوح وجعلتها لنا منزلًا فاصرف عنا وباها وطيب لنا ثراها واجمع ماها وأنبت كلاها وبارك لنا فيها وتمم لنا وعدك إنك على كل شيء قدير وإنك لا تخلف الميعاد»، وجعلها بيصر لابنه مصر وسماها به،، كتاب النجوم الزاهرة في من ملك مصر والقاهرة ابن تغرى بردى (813 هـ – 874)، وابن الكندي في فضائل مصر المحروسة، والمقريزي في المواعظ والاعتبار.
– ولعظيم مكانة مصر ورد ذكرها في القرآن الكريم في عدة مواضع؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾(يوسف: ٢١)، وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ﴾(يوسف: ٩٩)، وقال تعالى: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾(الزخرف: ٥١)،
– وعلى أرض مصر ضرب موسى عليه السلام بعصاه فانفلق الحجر له ماءً وانشق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم؛ قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾(البقرة: ٦٠)، وقال تعالى:﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾(الشعراء: ٦٣)،
– وفي مصر: جبل الطور الذي ذكره الله في كتابه العزيز، قال تعالى: ﴿وَطُورِ سِينِينَ﴾(التين: ٢)، قال كعب الأحبار وغير واحد: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام،ورجح ذلك ابن القيم رحمه الله.
– وفيها الوادي المقدس طوى، والوادي المقدس هو الذي كلم الله فيه نبيه موسى عليه السلام أثناء خروجه من مدين عائدًا إلى مصر وكان معه أهله؛ قال تعالى: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾(طه: ١٢)،
– ولقد وصف ربنا تبارك وتعالى أرض مصر بالخيرات والبركات؛ قال تعالى: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾(الدخان: ٢٥-٢٨)،
– ولقد بَشّر سيدنا رسول الله ﷺ أصحابه بفتح مصر وجعل الإحسان إلى أهلها وصية له فقال ﷺ: «إنَّكم ستفتَحونَ أرضًا يُذكَرُ فيها القيراطُ فاستَوْصوا بأهلِها خيرًا فإنَّ لهم ذمَّةً ورحِمًا» رواه مسلم.
– ولقد شهد بفضائل مصر وأهلها كثير من أصحاب سيدنا رسول الله ﷺ من ذلك؛ – شهادة عبدالله بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه حيث قال: أهل مصر أكرم الأعاجم كلها وأوسعهم يداً وافضلهم عنصراً واقربهم رحماً بالعرب عامة وبقريش خاصة.
هذا ما شهد به عبدالله بن عمرو لأهل مصر، يؤيد هذا ما حدث فى عام الرمادة، حين أصاب القحط مدينة سيدنا رسول الله ﷺ فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص والى مصر يطلب منه الغوث؟ فأرسل إليه عمرو بن العاص قائلا: لأرسلن إليك بقافلة أولها عندك وآخرها عندي فأرسل إليه بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينه تحمل الدهن، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة أمده بذلك كله فمصر هي التي أغاثت أصحاب سيدنا رسول الله ﷺ. – شهادة أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حيث قال: أهل مصر الجند الشداد ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته.
– شهادة كعب الأحبار حيث قال: مصر بلد معافاة من الفتن من أرادها بسوء أكبه الله على وجهه..
مصر الكنانة الله يحرسها عطفاً و يرعها نسألك يا رب أن تحمى مرابعها فالشمس عين لها والليل نجواها والسنبلات تصلى في مزارعها والعطر تسبيحها و القلب مرعاها مآذن النور في آفاقها سطعت كأنها أعين بالنور ترعاها
يارب وفق حماة الأرض أن يصلوا تاريخها بغد في الغيب يلقها
أيها المسلمون: لقد شرفت مصر بأن سكنها بعض آل بيت سيدنا رسول الله ﷺ، ودفن بعضهم بها قال تعالى:(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(الأحزاب: ٣٣)، ومن هؤلاء الذين شرفت مصر بهم: – الإمام الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه وأرضاه؛ أخرج الإمام أحمد فى مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ:« الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» وكان النبى ﷺ يصلى فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما فإذا قضى الصلاة وضعهما فى حجره ثم قال: «من احبنى فليحب هذين» رواه النسائى.
ويذكر بعض المؤرخين أن رأس الحسين بن على رضى الله عنهما نقلت إلى مصر ودفنت بالمشهد الحسينى بالقاهرة يقول الكسبانى: أن الرأس الشريف رأس الحسين نقلت إلى مصر عام ٥٤٩ هجرياً، ودفنت بها فى الجامع الذى يحمل إسمه ويقول المقريزى: نقل رأس الحسين رضى الله عنه من عسقلان إلى القاهرة يوم الأحد من جمادى الآخرة سنة ٥٤٨ هجرياً فرضى الله عنه وأرضاه.
– السيدة زينب بنت الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنها؛ بعد مقتل أخوها الإمام الحسين رضى الله عنه قصدت السيدة زينب حفيدة رسول الله ﷺ مصر هى وأختها السيدة سكينة بنت على بن أبى طالب والسيدة فاطمة بنت الإمام الحسين رضى الله عنه فلما وصلت مصر استقبالها المصريون بالترحاب وكان استقبلاً هائلاً عظيماً فكان على رأس مستقبلها والى مصر مسلمة بن مخلد وكان ذلك فى شهر شعبان سنة ٦١ هجرياً كما كان فى استقبالها هى ومن معها من آل بيت رسول الله ﷺ الأعيان والكبراء ولقد كان لأهل البيت الكرام الطيبين الطاهرين منزلة ومكانة كبيرة فى قلوب المصريين الذين سعدوا بقدوم السيدة زينب بنت على بن أبى طالب رضى الله عنها فاكرموها وبالغوا فى ذلك حتى أنزلها والى مصر مسلمة بن مخلد فى داره ولقد عبر الشاعر عن ذلك بقوله: لما رجعت من الشام ليثرب من بعد فاجعة الإمام الحسين طلبوا إليك الظعن للبلد الذى تستوطنه خارج الحرمين فأخذت مصر فرحبت بك وانشبت تهتز من شرف على الكونيين
ولقد عرفت السيدة زينب بكرمها فسمها الناس أم هاشم كجدها الذى كان يهشم الخبز ليصنع الثريد فيطعم الحجيج بمكة قبل الإسلام كذلك عرفت السيدة زينب بزهدها وكثرة عبادتها وتبتلها فسماه الناس بأم العزائم لشدة عزيمتها فى العبادة والطاعة لله رب العالمين قصدها العلماء والولاة والوجهاء وعقدوا مجالسهم فى دارها فعرفت بصاحبة الشورى ورئيسة الديوان فلقد كانت بحق صاحبة علم ورأى وورع وتقى وزهد، ولقد شرفت مصر والمصريين باقامتها بينهم فاجلوها واكرموها لقدرها وشرف نسبها وحباً فى جدها ﷺ
– السيدة الطاهرة سكينة بنت الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنها؛ كانت تسمى آمنة على إسم جدتها آمنة بنت وهب أم النبى ﷺ لقيت بسكينة العلم وقيل سميت بسكينة لأن النفوس كانت تسكن إليها وهى أخت الإمام الجليل على زين العابدين بن الحسين رضى الله عنه وكما ذكرنا أنها دخلت إلى مصر مع عمتها السيدة زينب بنت الحسين عاشت بمصر حتى وافتها المنية ودفنت بها
– السيدة نفيسة رضى الله عنها؛ هى نفيسة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسين بن على رضى الله عنهم أجمعين دخلت مصر المحروسة فاكرمها المصريون واسكنها الوالى فى قصره مكثت بمصر فلما أرادت العودة إلى المدينة المنورة تجمهر المصريون ورفضوا خروجها وتمسكوا ببقاءها ونزلوا على رغبتهم بقيت بمصر ولقد كانت تتحلى السيدة نفيسة رضى الله عنها بالعلم والورع فعرفت بنفيسة العلوم حفرت داخل دارها قبرا لنفسها وختمت القرآن الكريم مرات كثيرة وكانت تصلى فيه حتى وافتها المنية ودفنت بمسجدها الذى يحمل إسمها فرضى الله عنها وأرضها.
– السيدة عائشة رضى الله عنها؛ هى عائشة بنت الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين عاشت بمصر وماتت سنة ١٤٥ هجرياً ودفنت بالقاهرة فى مسجدها المشهور بمنطقة السيدة عائشة التى تحمل إسمها، وقيل أنها ماتت صغيرة السن بكراً لم تتزوج، ولكنها لقبت بالسيدة من قبيل الاجلال والاعظام فرضى الله عنها وأرضها.
ومن هنا تبوأت مصر مكانتها المرموقة، فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على مصر، واعملوا من أجل رفعتها، ورقيها، أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم.
الخطبة الثانية الحمدلله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: هذه دلائل شريعة الإسلام تكتنفها فطر وعقول الأنام في حب الأوطان والسعي إلى جعلها ديار سلام وأمن وأمان واستقرار فتذكروا عباد الله نعمة الله عليكم؛ قال تعالى:﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(الأنفال: ٢٦)،
فحماية الأوطان وحفظها من الاضطرابات والغوائل وسلامة أمنها واستقرارها من أهم ما دعت إليه شريعتنا الغراء، فكل واحد منا مسؤول عن حفظ الوطن وألا يؤتى من قبله، واعلموا أن أخطر ما يواجه الأوطان هو أن يتحول أمنها واستقرارها إلى خوف، فالأمن والأمان من أعظم نعم الله على خلقه؛ قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾(العنكبوت: ٦٧)، وبالأمن والأمان تنعم الأوطان وتزدهر، ولقد امتن الله عزّ وجل على أهل مكة بتلك النعمة قال تعالى: ﴿لإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾،
ويقول النبي ﷺ: «من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا» الأدب المفرد البخاري.
ولقد ضرب الرسول ﷺ أروع الأمثلة في حماية الأوطان والذود عنها فلما فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ فانطلقَ الناسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلهُمُ النبيُّ ﷺ قد سَبَقَ الناسَ إلى الصَّوْتِ وهوَ يقولُ لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وهوَ على فَرَسٍ لِأَبي طلحةَ عُرْيٍ ما عليهِ سَرْجٌ في عُنُقِهِ سَيْفٌ فقال لقدْ وجَدْتُهُ بَحْرًا أوْ إنَّهُ لَبَحْرٌ ) متفقٌ عليه.. ولقد بشر سيدنا رسول الله ﷺ من بات يحرس في سبيل الله بالنجاة من النار فقال:«عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله» رواه الترمذي..
فعلى الجميع أن يدرك قيمة الوطن وأمنه وأن يتكاتف الجميع من أجل الحفاظ على مقدرات الوطن وحمايته من كل ما يحاك له. حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء ووفق ولاة أمورها إلى ما فيه خير البلاد والعباد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة كتبه راجى عفو ربه أيمن حمدى الحداد الجمعة ١٧ من ذى الحجة ١٤٤٦ هجرياً الموافق ١٣ من يونيو ٢٠٢٥ ميلادياً