خطبة بعنوان (الوطن ليس حفنة من التراب) لفضيلة الدكتور مسعد الشايب

خطبة بعنوان (الوطن ليس حفنة من التراب)
لفضيلة الدكتور: مسعد الشايب

الجمعة الموافقة 17 من ذي الحجة 1446هـ الموافقة 13/6/2025م

لتحميل الخطبة pdf اضغط أدناه

الوطن ليس حفنة من التراب (1)

أولا: العناصر:

1. الأدلة على وجوب حب الأوطان وأنه من كمال الإيمان.
2. بيانُ حاجةِ الدين للأوطان والبشرية والعلاقة بينهم.
3. الخطبة الثانية: (حب الوطن يحتم علينا العمل المشترك من أجله).

ثانيا: الموضوع:

الحمد لله ربّ العالمين، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك، وعزّ جاهك، ولا يخلف وعدك، ولا يهزم جندك، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عَبدُه ورسولُهُ، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد أيها الأحبة الكرام:

_ فمما تعلمناه من المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وأدبنا به، وكان من عظيم أخلاقه، حبُّ الوطن، والعمل على نهوضه، والسعي في بنائه، ووطنٌ كمصرنا الحبيبة له منزلة عالية، ومكانة سامية في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة لحريٌ وجديرٌ أن نحبَّه، ونحافظ على استقراره وأمنه، ونعمل على نهوضه، ونسعى في بنائه.

_ فحب الأوطان، والعمل على استقرارها والحفظ لأمانها وأمنها، والعمل على نهوضها، والسعي في بنائها من كمال الإيمان، فإيماننا لا يكمل إلا بذلك، وإن صورت الجماعات الضالة المارقة غير ذلك.

(1) ((الأدلة على وجوب حب الأوطان، وأنه من كمال الإيمان))

والمتأمل في كتاب الله (عزّ وجلّ)، وسنة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، ويعمل العقل والنظر يجد أدلة كثيرة ومتعددة على وجوب حب الوطن والعمل من أجله، كالتالي:

1ـ انظروا لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليلة الهجرة، فقد وقف بالحزورة (تلٌّ مشرف على مكة)، وهو على ناقته، ونظر لمكة نظرة المحبّ المفارق لحبيبه وخاطبها قائلًا: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ، مَا خَرَجْتُ) (رواه ابن ماجه)، النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول لذلك برغم محاولة قتله، وبرغم الإيذاء، والاضطهاد، والتعذيب، والقتل لبعض أصحابه، ولعل سائلًا يقول: هذه مكة، ولا يدانيها في الأوطان وطن، ولا يساميها في الشرف مكان، فلا يؤخذ كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) عليها في حبِّ جميع الأوطان.!

2ـ وهؤلاء نردّ عليهم بما روته السيدة عائشة (رضي الله عنها)، قالت: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا) (متفق عليه)، فدعاء النبي (صلى الله عليه وسلم) لنفسه ولأصحابه بحبّ المدينة، والدعاء بإصلاح هوائها، والمباركة في مدها وصاعها، مما يعلمنا حبَّ الوطن والانتماء له، وخصوصا أن المدينة قبل الهجرة إليها كانت تسمى (يثرب)، ولم يكن يعرف لها فضل.

3ـ الوطن يتكون من الأرض، والأهل، والمال، والعرض، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (رواه الترمذي).

4ـ الوطن يتكون من حرمات ومقدسات، ويتكون من حكومة وشعبًا، وقيادة ونظامًا، ونحن مأمورون بالدفاع عن الحرمات والمقدسات، قال تعالى: {…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].

_ كما أننا مأمورون أيضًا بالسمع والطاعة للحكومة والقيادة، واحترام النظام، فيقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا (أي: تأمرّ عليكم)، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ…) (رواه الترمذي).

_ ونحن مأمورون أيضًا بمخالطة الناس بالحسنى، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصي معاذ بن جبل، وأبا ذر (رضي الله عنهما): (اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ) (رواه الترمذي).

_ ونحن مأمورون بعمارة الأوطان والنهوض بها، فعمارتها جزء من عمارة الأرض، وقد أمرنا الله بعمارة الأرض على لسان نبيه صالح (عليه السلام)، فقال: {يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود:61].

5ـ قرن القرآن الكريم بين المحاربة في الدين، والإخراج من الديار، وجعلهما من أسباب المقاطعة والقتال للغير، فقال تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8]، فالإنسان الذي لا يحب وطنه ولا يألفه إنسان خالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فحب الوطن والألفة له شعورٌ داخلي يجعل المرء يعمل بحماسٍ وإخلاصٍ للارتقاء بوطنه، وللدفاع عنه.

فكلُّ ما تقدم من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة دليلٌ على حب الأوطان، وأن حبها من كمال الإيمان، ودليلٌ على وجوب العمل على استقرارها، والحفظ لأمانها وأمنها، والعمل على نهوضها، والسعي في بنائها.

(2) ((بيانُ حاجةِ الدين للأوطان والبشرية والعلاقة بينهم))

_ إن حبُّ الأوطان والألفة لها طبيعةٌ فطريةٌ، وشعورٌ غريزي، يستوي فيه الإنسان وبقية الكائنات، فكما أن الكائنات تألف أماكن عيشها، ومهما ابتعدت عنها خلال بعض فصول العام فإنها ما تلبث أن تعود إليها، فكذلك الانسان يحب وطنه، ويألف العيش فيه، ويحنُّ إليه متى غاب عنه، وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم، حيث جعل ترك الأوطان قرين قتل النفس، و بيّن أنَّ قليل من الناس من يقدر عليه، فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء:66]، فالإنسان الطبيعي كما يحب الحياة ويكره القتل يحب وطنه، ويحب البقاء فيه.

_ وبدون بشرٍ لا يقام الدين، ولا تقام شعائره، وبدون وطنٍ لا ترتفع أبدًا رايته، ولنا في الفترة المكية من تاريخ الدعوة الإسلامية دليل وشاهدٌ على ذلك، فبالله عليكم من الذي يتعبد لله، ويؤدي شعائرَ وتعاليمَ دينِه إن قمنا بالقضاء على البشرية وإفنائها؟ بالله عليكم كيف ترتفع راية الدين وأهله مستضعفون في الأرض، لا وطن لهم، ولا دولة ولا قوة.

وصدق الله إذ يقول ممتنا على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته مذكرًا لهم بفضيلة الهجرة، وآثارها العظيمة: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال:26].

_ فبالهجرة أصبح النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه وأنصاره أغلبية على أرض المدينة بعد أن كانوا في مكة أقلية، بالهجرة أصبح للمسلمين دولة وأرض بعد أن كانوا مشتتين بين مكة والحبشة، بالهجرة أصبح للإسلام جيش وقوة تدفع وترد عن المتمسكين به بعد أن كان أهله مستضعفين في الأرض، بالهجرة تبدل الجوع والحصار الاقتصادي إلى نماء ورخاء، بالهجرة تبدّل خوف النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته أمنًا، فمن أول أعمال النبي (صلى الله عليه وسلم) فور وصوله المدينة، وضع أسس ومقومات بناء الدولة الإسلامية القوية الفتية.

_ وانظروا إلى أبي الأنبياء خليل الرحمن سيدنا إبراهيم (عليه السلام) وهو يرشدنا إلى أهمية الوطن وحاجة الدين إليه، فيقول: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35]، فلو تأملنا في تلك الآية المباركة لوجدنا أن أبا الأنبياء (عليه السلام) قدّم الوطن الآمن على العبادة والتوحيد، والسرّ في ذلك أنه بدون وطنٍ آمن لا يهدأ للإنسان بالٌ، ولا يتمتع بعيشٍ، ولا يهنأ بحياةٍ، ولا يطمئن على أهلٍ أو مالٍ أو عرضٍ، ولا يتمكن من طاعة ولا عبادة.

ولذا قدّم النبي (صلى الله عليه وسلم) أيضًا نعمة الأمن على نعمة الصحة والعافية ونعمة الطعام والشراب، فقال (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها) (الأحاد والمثاني).

_ فاختلال الأوطان باختلال أمنها يؤثر على البلاد والعباد، ويؤثر على أداء الطاعات والعبادات، هذا عن حاجة الدين للأوطان والإنسانية، والعلاقة الوثيقة، والوطيدة بينهم.

عباد الله: أقول قولي هذا، واستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

(الخطبة الثانية)

((حب الوطن يحتم علينا العمل المشترك من أجله))

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أيها أخوة الأحباب: ما زال الحديث بنا موصولا مع الأوطان، ورأينا أدلة حبها… وبقي لنا في تلك الجمعة المباركة، أن أتحدث عن وجوب العمل المشترك بين أبناء الوطن الواحد لرفعته ونهضته، والأدلة على ذلك من القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، فأقول:

_ إن حب الوطن يحتم علينا العمل المشترك: لرفعة شأنه، وحمايته من كل خطر، فالوطن يتكون من ثلاثة أشياء: الحكومة، والشعب، والأرض كما تقدم، وحب الوطن يستلزم حب هذه الأشياء الثلاثة، وحب الشعب يستلزم العمل المشترك فيما بينهم لدرء كلِّ فتنة، وكلِّ خطر يهدد أمن هذا الوطن.

_ وقد دعانا الإسلام إلى العمل المشترك مع الآخرين طالما أن هذا العمل لصالح الإنسانية، ولصالح الوطن، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]، وقال تعالي: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ*يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:113ـ114]، فحينما يبين القرآن الكريم أن من غير المسلمين طائفة تسارع في الخيرات فهذه دعوة لنا نحن المسلمون لأن نتعاون ونسارع معهم في ذلك.

_ كما أن القرآن الكريم أباح لنا طعامهم، وتزوج نساءهم فهذا نوع من أنواع التعامل المشترك قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:5].

_ وعن المسور بن مخرمة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال يوم الحديبية: (…وَاللهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا…) (رواه أحمد)، ولذا قال عروة بن مسعود الثقفي لقريش يومها: (…فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِيهِ…) (رواه البخاري).

_ واستأجر النبي (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن أريقط ليكون دليله في رحلة الهجرة، وكان على غير الإسلام (المستدرك للحاكم عن عائشة)، وكان يخدم النبي (صلى الله عليه وسلم) غلام يهودي، ولما مرض زاره النبي (صلى الله عليه وسلم) ودعاه إلى الإسلام فأسلم (رواه البخاري عن أنس).

_ وعن عائشة (رضي الله عنها): (أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَارْتَهَنَ مِنْهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ) (متفق عليه)، وفي رواية عنها قالت: (تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) (رواه البخاري)، وثبت أنه (صلى الله عليه وسلم) زارعهم، وساقاهم (أحكام أهل الذمة).

_ وقبل النبي (صلى الله عليه وسلم) دعوة اليهودي للطعام فقد للنبي (صلى الله عليه وسلم) خبز شعير، وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. (إهالة) كل ما أذيب من الدهن أو الشحم. (سنخة) متغيرة الرائحة من طول الزمن. (المسند عن أنس).

وكان عمر (رضي الله عنه) يسمح لليهود والنصارى بدخول المدينة لبيع بضائعهم بعد أن أجلاهم من جزيرة العرب، ويشتري المسلمون منهم (المغني لابن قدامة)، وكان ابن عمر (رضي الله عنهم): يرسل من أضحيته إلى جاره اليهودي.

هكذا جاءت الشريعة الإسلامية بقرآنها، وسنة نبيها، وفهم الصحابة (رضي الله عنهم) تعلمنا التعامل مع غير المسلمين في كثير من مجالات التعامل، وتبين لنا أن المساحات المشتركة بيننا كثيرة وواسعة بالنظر إلى جانب الإنسانية، والبشرية، وبغض النظر عن المعتقدات، والألوان، والأجناس وصدق الله حينما قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

فاللهمّ إنّا نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.

كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب

اترك تعليقاً