بلوغ المرام في صلة الأرحام

بقلم د.إيمان إبراهيم عبد العظيم
مدرس بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر – واعظة بوزارة الأوقاف

(صلة الرحم)
صلة الرحم باب عظيم من أبواب الرزق الخفية.

تعتبر ” صلة الأرحام” من مفاتيح الرزق، وأسبابه، التي يُسْتَنزل بها الرزق من الله عز وجل، حيث يقول النبيﷺ : “من سره أن يبسط الله له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه”، وفي رواية: “من سره أن يُعظم الله رزقه، وأن يمد في أجله، فليصل رحمه”، و روي عن النبي ﷺ أنه قال: «الرحم متعلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله »

كما روي عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما -أن رسول الله ﷺ قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها.» وقد كان السلف قبلنا يحافظون على صلة الرحم، فيكافأون على ذلك، بأن تنمو أموالهم، ويكثر عددهم إذا تواصلوا، وما تجد أهل بيت يتواصلون فيحتاجون.

وقد حث الإسلام على صلة الأرحام حتى مع الكافرين، فمن كان له أقارب كفار فإنه يؤمر بالإحسان إليهم، كما دل على ذلك قوله تعالى: “لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”. (الممتحنة:٨).

ويذكر أن سبب نزول هذه الآية، أن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- جاءتها أمها المشركة ترغب في صلتها، فسألت النبيﷺ فقالت: “إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم صلي أمك”، فالإنسان يصل رحمه، ولو كانوا كافرين، أو عصاة، مع دعوتهم إلى الإنابة، وإلى الطاعة بقدر استطاعته، ومع ذلك لا يكف عن صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب، عسى أن يعودوا للطريق المستقيم. أيضا يبسط الله الرزق لمن يصل رحمه حتى لو كان عاصيا، فالرسول ﷺ يقول: “إن أعجلَ الطاعة ثواباً لَصِلَةُ الرحم، حتى أن أهل البيت ليكونوا فَجَرة، فتنموَ أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا”.

فضل صلة الأرحام :

١- صلة الرحم من الإيمان :
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله ﷺ :
” من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ” رواه البخاري.

فهذه الأمور الثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول ﷺ هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .

٢- صلة الرحم سبب خفي و عظيم للبركة في الرزق والعمر :
فكل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .

عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ :
” من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه ” . رواه البخاري.

وعن علي- رضي الله عنه -عن النبي ﷺ قال:” من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه ” . رواه البزار والحاكم.

٣- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
عن عائشة -رضي الله عنها- ، عن النبي ﷺ قال :” الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله ” . رواه مسلم.

وقد استجاب الله الكريم سبحانه لذلك، فمن وصل أرحامه وصله الله بالخير و الإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب الوجلة من خشية الله تعالى أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .

٤- صلة الرحم من أسباب دخول الجنة :

فعن النبي ﷺ قال : ” يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام ” رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

أما من الناحية الاجتماعية: فصلة الرحم تثير العاطفة الإنسانية في القلوب و يترتب عليها المحبة والوفاء والأخوة والصفاء ، وتميت الحقد والجفاء و الكراهية و البغضاء ، لهذا شرع الله تعالى صلة الرحم بالزيارة والألفة ، و بالإحسان والمودة و بالمواساة والرحمة، وصلة الرحم، لا تنحصر في صلتهم بالمال فقط، بل مفهومها أوسع من ذلك، فإنها تكون بإيصال الخير ما أمكن ، كالمال، وبالعون على الحاجة، وبدفع الضرر أو الشر ما أمكن، وبابتسامة الوجه، و بالدعاء، و من صور صلة الرحم أيضاً: الإحسان إلى الأقربين ممن يرتبط بهم الإنسان بعلاقة نسبٍ أو مصاهرةٍ، ومعاملتهم برفقٍ ولينٍ،و إظهار العطف عليهم، وتفقّد أحوالهم، ورعاية شؤونهم، حتى إن ابتعدت محال إقامتهم، أو أظهروا سوءاً في المعاملة، ومن باب الدفع بالتي هي أحسن.

اترك تعليقاً