خطبة بعنوان ( العشر ذى الحجة ) لفضيلة الشيخ ايهاب توفيق عبد الفتاح

خطبة بعنوان ( العشر ذى الحجة )
لفضيلة الشيخ : ايهاب توفيق عبد الفتاح


لتحميل الخطبة pdf اضغط أدناه
إيهاب توفيق عبد الفتاح. فضائل العشر من ذي الحجة

الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لِعِبَادِهِ أَيَّامًا فَاضِلَةً، وَمَوَاسِمَ خَيْرٍ مُتَكَرِّرَةً، لِيَزْدَادُوا فِيهَا قُرْبًا، وَيَرْفَعُوا فِيهَا دَرَجَاتِهِمْ، وَيُكَفِّرُوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ وَالعِتْقَ مِنَ النَّارِ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَيْرُ مَنْ عَبَدَ رَبَّهُ فِي اللَّيَالِي وَالنَّهَارِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْخَاطِئَةَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللهِ، فَهِيَ الزَّادُ وَالرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَهِيَ سَبِيلُ الفَلَاحِ وَالنَّجَاةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

ها قد أظلّتْنا أيامٌ عظيمةٌ، ونفحاتٌ ربانيةٌ، وفرصةٌ لا تُعَوَّض… إنّها أيام العشر من ذي الحجة، أيامٌ عظّمها الله، ورفع قدرها، وأقسم بها في كتابه الكريم، فقال:
﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر:1-2]،
قال ابن عباس – رضي الله عنهما –: «هي عشر ذي الحجة».

والنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَنَا إِلَى قِيمَةِ هَذِهِ الأَيَّامِ فَقَالَ:
(ما مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ…) [رواه البخاري].

يعني يا جماعة الخير، أيّ عملٍ صالحٍ في الأيام ديّ، مهما كان بسيط، له عند الله وزن عظيم ما يتكررش باقي أيام السنة.

قال الإمام ابنُ حجر – رحمه الله -:
«وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ سَبَبَ افْتِضَالِ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ: اجْتِمَاعُ أُمَّهَاتِ العِبَادَاتِ فِيهَا، وَهِيَ: الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالحَجُّ، وَلَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا».

يعني ربنا سبحانه وتعالى جمع لك في عشر أيام، كل أنواع العبادات!
تصلي، تصوم، تذبح، تتصدق، تحج، تذكر ربك، تكبر، تهلل… ده موسم شامل، ومغنم كامل!

يا أهل الطاعات، يا عشّاق الجنات:

العاقل من يستعدّ لهذه العشر من قبل دخولها، يخطط ليها زي ما بيخطط الواحد لأهم صفقة في عمره، أو لامتحان مصيري، ليه؟ عشان ده موسم يتقرر فيه مصيرك الأخروي.

– عايز تمشي على الصراط زي البرق؟
– عايز تلقى الله وهو راضٍ عنك؟
– عايز تموت ولسانك رطب من ذكر الله؟
ابدأ من دلوقتي واشتغل على قلبك.

يا من أثقلته الذنوب، يا من تعب من معاصيه، يا من قلبه مكسور… دي فرصتك!

قال بعض السلف:
“المحروم من حُرم في هذه العشر، والمطرود من لم يغتنمها”

اترك الملهيات، وأقبل على الله، فإنها عشرٌ لا تُعوّض، ولا تدري هل تعود عليك مرة أخرى أم تكون آخر عهدك بالدنيا!

يا مسلمون، من أعظم ما يُستحب في هذه العشر:

1. الصِّيَام: خاصّة يوم عرفة؛ يوم المغفرة العظيم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والتي بعده) [رواه مسلم].
يعني بصيام يوم واحد، ربنا يغفر لك ذنوب سنتين!

2. التكبير والتهليل:
قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج:28]،
وهي أيام العشر. وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبّر الناس بتكبيرهما.

فكَبِّرُوا يا أحباب: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.

3. الصدقة: تصدّق حتى لو بالقليل، دينار في العشر دي ممكن يُوزن عند ربنا بأطنان من الذهب في غيرها.

4. بر الوالدين، وصلة الرحم، وقيام الليل، وقراءة القرآن، والدعاء، والإكثار من الاستغفار.

أحِبَّتي في اللهِ، اسأل نفسك سؤال صدق:

لو دي آخر عشر تعدي عليك قبل موتك… هتضيعها؟
هتفضل مشغول بالدنيا وتفوت النفحة؟!
ولا هتكون من الّلي سمعوا النداء واستجابوا، وأقبلوا بقلبٍ محبّ، ونفسٍ طامعةٍ في الرحمة؟

فيا من ترجوا الجنة، ويا من تخشى النار، ويا من تشتاق لرضا الله: اغتنم العشر، واستعدّ للقرب، فإنها عشرة أيام فقط… ولكنها تصنع العمر كله!

الدُّعَاء نِهَايَةَ الخُطْبَةِ:

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الْمُقْبِلِينَ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ فِينَا مَحْرُومًا، وَلَا شَقِيًّا، وَلَا مَطْرُودًا.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا، وَلِأَهْلِنَا، وَمَنْ أَحَبَّنَا فِيكَ، وَاجْمَعْنَا عَلَى طَاعَتِكَ، وَارْزُقْنَا حُسْنَ الخَاتِمَةِ.

آمِينَ، آمِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

أُجَدِّدُ لَكُمْ وَلِنَفْسِي الوَصِيَّةَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا سَبِيلُ كُلِّ خَيْرٍ، وَسُلَّمُ كُلِّ نَجَاةٍ.

يا أحباب رسول الله، يا أهل لا إله إلا الله:

اتكلمنا في الخطبة الأولى عن فضل العشر، عن عظمتها، عن الأعمال اللي لازم نستغل فيها كل لحظة…
لكن عاوز أقول لك حاجة تانية مهمة جدًا:

العشر دي مش بس فرصة لزيادة الحسنات، دي فرصة كمان إنك تصفي قلبك، وتصلّح حالك، وترجع لربنا وتفتح صفحة جديدة.

الناس كتير بتمر علينا بوشوش مبتسمة، بس قلوبها مليانة هموم، ذنوب، تعب… وبتقول يا رب نفس أرجع… العشر دي فرصتك ترجع.

اسمعوا الكلام ده بقلوبكم:

ربنا سبحانه وتعالى بيحبّك، مستنيك، وبيفتح لك أبواب الرحمة والمغفرة في العشر دي، وبيقولك:

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53]

يعني حتى لو ذنوبك مليّا السما… ما تيأسش، تعالى، وربك هيستقبلك بالرحمة والمغفرة.

يا شباب:

العشر دي فرصة نبدأ نغيّر، نبدأ مشوار جديد مع ربنا، نترك صحبة السوء، نبتعد عن الشهوات، نترك الأغاني، والمواقع اللي بتبعدنا عن ربنا، ونقرب من القرآن، من الصلاة، من السكينة اللي كانت قلوبنا مفتقداها.

يا رجال ويا نساء:

اغتنموا كل لحظة:
– اتصدقوا، حتى لو بجنيه.
– زُوروا مريض، خُدوا بإيد يتيم.
– صِلُوا أرحامكم اللي قاطعينها من سنين.
– سامحوا، وابدأوا من جديد.
– كبّروا الله في قلوبكم وبيوتكم.

وتعالوا نفكر في قمة العشر:

يوم عرفة!

اليوم اللي ربنا بيُباهي فيه ملائكته بعباده، يوم يُغفَر فيه الذنب، ويُعتَق فيه الرقاب، يوم تُجاب فيه الدعوات، وتُرفَع فيه الحاجات،
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة).

وده مش بس للحجّاج! لأ، ده لينا كلنا، لو صمت يوم عرفة، ورفعت إيديك، وبكيت وقلت: يا رب… ربنا هيغفر ويُكرم ويرفعك!

رسالة أخيرة:

اللي هينجح في العشر دول… هو اللي هياخد بعدها شهادة تقوى من ربنا،
هيحسّ إنه شخص تاني… أنضج، أنقى، أقرب، وأهدى قلبًا.
هيودّع العشر، وقلبه مليان رضا، ولسانه بيسبّح، وعينه بتدمع فرحًا إنه عرف الطريق أخيرًا.

فيا أهل لا إله إلا الله:

اغتنموا ما بقي من العشر، وخُذوا من صحتكم لمرضكم، ومن شبابكم لهرمكم، ومن حياتكم لموتكم.

قال الحسن البصري رحمه الله:
“يا ابن آدم، إنما أنت أيّام، إذا ذهب يومك، ذهب بعضك”

فخُدّ بالك من اليوم اللي بيعدّي، لأنّه عمر بيضيع ومش بيرجع.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي هَذِهِ العَشْرِ مِنْ عُتَقَائِكَ مِنَ النَّارِ، وَمِمَّنْ غَفَرْتَ ذُنُوبَهُمْ، وَسَتَرْتَ عُيُوبَهُمْ، وَأَجَبْتَ دَعْوَاتِهِمْ، وَرَفَعْتَ ذِكْرَهُمْ.

اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا يَوْمَ عَرَفَةَ وَنَحْنُ فِي أَحْسَنِ حَالٍ، وَاجْعَلْنَا فِيهِ مِنَ الْمُخْلِصِينَ، الْخَاشِعِينَ، الْمُتَقَبَّلِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمًا تَتَغَيَّرُ فِيهِ أَحْوَالُنَا إِلَى أَفْضَلِ الْأَحْوَالِ، وَاخْتِمْ لَنَا بِرِضَاكَ، وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

وصلّى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً