آيات الحج (5)

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

يقول الله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}ورميتم جمرة العقبة ونحرتم وطُفتم طواف الإفاضة، واستقررتم بمنى للراحة والاستجمام أن تكثروا من ذكر الله تعالى عند رمي الجمرات، وعند الخروج من الصلوات ذكراً مبالغاً فيه على النحو الذي كانوا في الجاهلية يذكرون فيه مفاخر آبائهم وأحساب أجدادهم{فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ}فإذا أديتم عباداتكم على وجهها، فاملئوا قلوبكم بثمرتها، وهي ذكر الله دائما وعمارة القلوب به، فهو غاية العبادة ومرماها{أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}بل أشد ذكراً من ذكركم آبائكم.

وبعد أن بين سبحانه وتعالى ما يجب على الناس أن يذكروه عقب أداء مناسك الحج، وأن يذكروه ذكرا كثيرا، بين أقسام الناس وأنواع رغباتهم: فطائفة تريد أهواء الدنيا فقط{فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا} وحَذْف المفعول للفعل (آتنا) يدل على تعميم مطالب الدنيا لا فرق عندهم بين المصالح النافعة والمهالك المحرمة، فهمهم الدنيا وغايتهم زخرفها، وليس لهم في الآخرة رغبة ولا إرادة ؛ ولهذا كان جزاؤهم{وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}أي نصيب، والخلاق نكرة في سياق النفي فتعم نفي كل حظ أو نصيب.

والطائفة الثانية من الناس تريد الدنيا والآخرة{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} كل ما يستحسنه الإنسان منها من: صلاح الحال وراحة البال والرزق الحلال{وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً} وهي النجاة من سخط الله والفوز برضوانه؛ وعليه لا يذم الإنسان على طلب حسنة الدنيا حسنة الآخرة والسعي إليهما، ولم تذكر الآية قسماً ثالثاً وهو طلب الآخرة فقط دون الدنيا؛ لأن الإسلام لَا يرضى للمسلم أن ينسى حظه من الدنيا.

{وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}وهذا الدعاء من أجمع الدعاء وأكمله؛ ولهذا كان أكثر دعاء صلى الله عليه وسلم: “اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”{أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا}، فلهم نصيب مما طلبوا من دنياهم، ونصيب مما طلبوا من أخراهم، وهذا النصيب مأخوذ مما كسبوه من أعمال، وفي التعبير عن نصيبهم بما كسبوا إشارة إلى أن دعاءهم كان مقرونا بإِرادة قوية عاملة متجهة إلى تحقيق ما يريدون؛ لأن الدعاء وحده ليس بمستحق جزاء إن كان العمل ينافيه{وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} فلا يشغله حساب أحدٍ عن أحد بل يحاسب الجميع كنفسٍ واحدة.

{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}وهي أيام التشريق الثلاثة بعد عيد الأضحى، فالذكر فيها مطلقاً ومقيداً؛ ومما يدخل تحت ذكر الله تعالى في هذه الأيام: النحر، ورمي الجمار، والطواف والسعي{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ}فرمى اليوم الأول والثاني، وأنهى حجه وسافر{فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}؛ وعليه فلا يجوز التعجل في اليوم الحادي عشر؛ لأن المتعجل فيه يكون متعجلاً في يوم لا في يومين{وَمَنْ تَأَخَّرَ}إلى اليوم الثالث؛ لرمي الجمرات في الأيام الثلاثة{فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}وهذا من سعة الله تعالى وفضله، وتيسيره على عباده في التخيير بين التعجل والتأخير{لِمَنِ اتَّقَى}فليتق الحاج ربه في تعجله أو تأخره، فمن ترك واجباً أو فعل محرماً فإن عليه إثم معصيته ولا يطهره منها إلا التوبة؛ ولذا أمرهم بتقواه عز وجل{وَاتَّقُوا اللَّهَ} ونبههم إلى مصيرهم الحتمي{وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}انتهاء رحلة الحياة كانتهاء رحلة الحج، فمن حشركم في الحج باختياركم، قادر على أن يحشركم بغير اختياركم يوم القيامة.

اترك تعليقاً