آيات الحج (2)

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} بأركانهما وشروطهما وسننهما، فلا ينبغي للحاج أن يزهد في إتمام النسك أو في شيء من السنن؛
والمعنى الثاني: الإنشاء والإقامة، أي أقيموا الحج والعمرة وأدوهما، كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]
ولا مانع من إرادة المعنين؛ لأنه خلاف بينهما، ولكن على المعنى الأول العمرة واجبة كالحج، وعلى المعنى الثاني لا تكون العمرة واجبة لعدم قيام الدليل على وجوبها{لِلَّهِ}خالصة من الرياء والسمعة

{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ}أي منعتم عن إتمامهما، والفعل المبني للمفعول يدل على عموم كل إحصار ومانع من إتمام النسك، فيجوز التحلل به، وعليه الهدي

{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي تيسر، وفي هذا حث للمكلف على أن يطلب اليسير السهل الذي يؤدي من غير كلفة ومشقة، والمراد بالهدي: الشرعي، وهو ما كان ثنياً مما سوى الضأن، لحديث “لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن”، وبهذا يختلف نفل الحج والعمرة عن نفل غيرهما في وجوب الإتمام، ووجوب الهدى حتى مع المانع وهو الإحصار

{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}أي يوم حلوله وهو يوم العيد، أو المعنى: حتى يذبح الهدي؛ وتكون الآية فيمن ساق الهدي؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم سئل ما بال الناس حلوا ولم تحل من عُمرتك؟ فقال: “إني لبدت رأسي، وقلَّدت هديي، فلا أحل حتى أنحر الهدي”، فلا يتحلل المُحصر من إحرامه حتى يذبح ما تيسر له من الهدى، فإن ذبح تحلل بحلق رأسه، ويطلق المَحِلّ أيضاً على المكان، وهو فيه أظهر، وأقرب ورودًا للخاطر من الزمان، وبه قال الحنفية: إن المَحِل هو البيت الحرام، لقوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: 33]، والنهي عن الحلق عام يشمل كل الرأس وبعضه، فلو حلق بعضه وقع في المحظور{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ}

وعبر سبحانه بالفدية دون الكفارة؛ لأنها بلَا ذنب ولا اعتداء، والكفارة إنما تكون من الإثم،{مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}قال صلى الله عليه وسلم لمَن يؤذيه هوام رأسه: “احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو تصدق بِفَرَقٍ بين ستة مساكين، أو انسك ما تيسر”، ومحل الإطعام والنسك في مكان فعل المحظور؛ لأن الفورية تقتضي ذلك؛ أما الصيام فيصح في كل مكان، والفورية فيه أفضل{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}التمتع أن يحرم بعمرة في أشهر الحج ثم يتحلل ويبقي في مكة ينتظر الحج في اليوم الثامن من ذي الحجة فإذا تمَّ حجه

{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} شكراً لله على نعمة التحلل، ومن لم يتحلل من عمرته لا يسمى متمتعاً بل هو قارن، وإن كان يسمى متمتعاً في لسان الصحابة… .

اترك تعليقاً