ما فضل العشر الأوائل من ذي الحجة ؟وما مفهوم العمل الصالح ؟ وما صوره في هذه الأيام المباركة؟ وما هيالأعمال التي تعدل الحج؟ وكيف يكون قضاء الحوائج أولى من حج النافلةمع ذكر صور من حياة الصالحين ؟
أيام الصالحات الأولى على العام :
فالوقت يمرُّ مرَّ السحابِ ويجرِى جرىَ الرياحِ، فالأيامُ تمرُّ، والأشهرُ تجرِى وراءَهَا تسحبُ معها السنينَ وتمرُّ خلفَهَا الأعمارُ وتُطْوَى حياةُ جيلٍ بعدَ جيلٍ، ثم بعدَهَا يقفُ الجميعُ بين يدي الكبيرِ.
وقال رحمَهُ اللهُ: ما مِن يومٍ ينشقُّ فجرُهُ إلا وهو ينادى بلسانِ الحالِ يا بنَ أدمَ أنا خلقٌ جديدٌ وعلى عملِكَ شهيدٌ فاغتنمنِي، فإنِّي لا أعودُ إلى يومِ القيامةِ.
يقول عمر بن عبد العزيز:” إِنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَعْمَلَانِ فِيكَ( يؤثران )، فَاعْمَلْ فِيهِمَا”. أي إن الليل والنهار يعملان فيك ضعفا في بدنك، وانحناء في ظهرك، وشيبا في رأسك، وضعفا في قوتك، وعشى في بصرك، وثقلا في سمعك، إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما…
ومن بديع ما ذكره شاعرنا الحكيم أمير الشعراء :
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له***إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفعْ لنفسِكَ بعدَ موتكَ ذكرَهَا ***فالذكرُ للإنسانِ عُمرٌ ثاني
اغتنم في الفراغ فضل ركوع ***فعسى أن يكون موتك بغته
وقف الحسن البصري على جنازة رجلٍ فقال لصاحب له يعظه: تُرى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟! قال: يكثر من الطاعات؛ قال له الحسن: قد فاتته فلا تفتك أنت!!
وقال تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ ﴿المدثر 38﴾
يقول تعالى يوم القيامة : ” يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ؛ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ “( مسلم ).
اليك هذا البحث الهام فخذ ما يكفيك في حدود ما يسمح به وقتك ..
عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟. قال: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ)(رواه البخاري واللفظ لأبي داود) ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ ﷺ: “أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا الْعَشْرُ– يَعْنِي: عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ- قِيلَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ عَفَّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ)) رواه البزار وابن حبان وصححه الألباني..
وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ الدَّهْرِ نَفَحَاتٌ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ نَفْحَةٌ فَلَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا)(المعجم الكبير والأوسط)، وقالَ:” افْعَلوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وتَعَرَّضُوا لِنَفَحاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فإنَّ للهِ نَفَحاتٍ من رحمتِهِ، يُصِيبُ بِها مَنْ يَشَاءُ من عبادِهِ، وسَلوا اللهَ أنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وأنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ“( أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني بسند صحيح).
ومن تلك الأيام المباركات؛ العشر الأول من شهر ذي الحجة التي تتمتع بمكانة سامية، ومنزلة عالية بين الشهور والأيام في الإسلام…
قوله : “العَمَلُ الصَّالِحُ” :في التعريفِ بألِ الجنسيةِ عموميةٌ وعدمُ تخصيصٍ وفي هذا تربيةٌ على الإكثارِ مِن الأعمالِ الصالحةِ، كما أنَّ فيه بُعدًا تربويًّا لا ينبغِي إغفالُهُ يتمثلُ في أنِّ تعددَ العباداتِ وتنوعَهَا يغذِّي جميعَ جوانبِ النموِّ “الجسميةِ والروحيةِ والعقليةِ …إلخ” وما يتبعُهَا مِن جوانبَ أُخرى عندَ المسلمِ، ألَا فليحرصْ العاقلُ ألًّا يفوتهُ أيَّ بابٍ مِن أبوابِ الخيرِ وحتى ولو كانً مَن حولَهُ يتغافلُ عنهُ فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» (مسلم)
سبب فضلها أنها تجمع أمهاتُ العباداتِ:
والسرُّ في فضلِ هذه الأيامِ كما قال ابنُ حجرٍ: أنّها تجتمعُ فيها أمهاتُ العباداتِ، فلا يجتمعُ الحجُّ مع الصلاةِ إلّا في هذه الأيام، ولا تجتمعُ الزكاةُ مع الحجِّ إلّا في هذه الأيامِ، ولا يجتمعُ الصومُ مع الحجِّ إلّا في هذه الأيامِ. فهذه الأيامُ والليالي.. معدودةٌ محدودةٌ.. ساعاتٌ قليلةٌ.. الأجرُ فيها مضاعفٌ.. والإثمُ فيها مضاعفٌ..
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلـــةٌ له * إنّ الحياةَ دقـــــائقٌ وثوان
وإذا أقسمَ اللهُ بشيءٍ دلَّ هذا على عظمِ مكانتهِ وفضلهِ، إذ العظيمُ لا يقسمُ إلَّا بالعظيمِ، قال تعالى: { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ }، والليالِي العشرُ هي عشرُ ذي الحجةِ، وهذا ما عليه جمهورُ المفسرين، كما قال بذلك ابنُ عباسٍ وابنُ الزبيرِ ومجاهدٌ وقتادةٌ والضحاكُ وغيرُهُم.
ذكرها بأنها أيام معلومات :
قال تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } ( الحج : 28) ، وعن جابرٍ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ ﷺ قال:” أفضلُ أيامِ الدنيا أيامُ العشرِ – يعني عشرَ ذي الحجةِ – قيلَ: ولا مثلهنَّ في سبيلِ اللهِ؟ قال: ولا مثلهنَّ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجلٌ عفرَ وجهَهُ بالترابِ”( أخرجه البزار وابن حبان بسند حسن)، فأيامُ العشرِ مِن ذي الحجةِ أفضلُ مِن أيامِ العشرِ من رمضانَ لاشتمالِهَا على يومِ عرفةَ ويومِ النحرِ ويومِ الترويةِ، والليالِي العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ أفضلُ مِن ليالِي عشرِ ذي الحجةِ لاشتمالِهَا على ليلةِ القدرِ.
ذكرها في أربعينَ موسَى عليه السلامُ:
وهي جملةُ أربعينَ موسَى عليه السلامُ المذكورةُ في قولِهِ تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ( الأعراف: 142) ، قال ابنُ كثيرٍ: ” الأكثرونَ على أنَّ الثلاثينَ هي: ذو القعدةِ وعشرُ ذي الحجةِ، قال بذلك مجاهدٌ ومسروقٌ وابنُ عباسٍ وغيرُهُم. وعن جابرٍ رضي اللهُ عنه قالَ:{وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} قال: هي عشرُ الأضحَى. وعن مجاهدٍ قال: هي العشرُ التي أتممَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ لموسَي عليه السلامُ.” أ.ه
ذكرها في الأشهر المعلومات:
التي تؤدى فيها مناسك وشعائر فريضة الحج، قال تعالي: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:197]، فعن نافع، عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قَالَ: (شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةَ)(المستدرك للحاكم)، وهذا ما عليه صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجمهور العلماء..
معنى أشهر حرم :
ومعنى كلمةُ حرمٍ أيْ أنَّ هذه الأشهرَ الحرمَ لها حرمةٌ ومكانةٌ وقداسةٌ وعظمةٌ عندَ اللهِ، لذلك تضاعفُ فيها الحسناتُ كما تضاعفُ فيها السيئاتُ، لحرمةِ هذه الأشهرِ، ، قال تعالي: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[التوبة:36].. فيجبُ علي المسلمِ تعظيمُ الحرماتِ في هذه الأشهرِ الحرمِ. يقولُ الإمامُ القرطبيُّ – رحمه اللهُ – ” لا تظلمُوا فيهنَّ أنفسَكُم بارتكابِ الذنوبِ.
وجودها في أشد الأشهر حرمة:
ألا وهو شهر ذي الحجة، ومعنى ذلك أن حرمتها شديدة عند الله عزّ وجلّ، وأن المعاصي والسيئات فيها عقابها مضاعف.
وأن بها أحرم الأيام ألا وهو يوم عرفه:
فعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع: (أَلَا إِنَّ أَحْرَمَ الْأَيَّامِ يَوْمُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ الشُّهُورِ شَهْرُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ الْبَلَدِ بَلَدُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟). قالوا: نعم. قال: (اللَّهُمَّ اشْهَدْ) (رواه ابن ماجه)…
يوم غفران الذنوب، وستر العيوب، يوم إجابة الدعاء، ألا وهو يوم عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة؟ يوم أقسم الله به فقال تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج:1ـ3]،فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (اليَوْمُ المَوْعُودُ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَاليَوْمُ المَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الجُمُعَةِ…)(رواه الترمذي)، وعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، أن رجلا، من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: أي آية؟. قال: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة:3]. قَالَ عُمَرُ: (قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ)(رواه البخاري)..
بها يوم النحر ويليه يوم القر:
اليوم العاشر من ذي الحجة، وما أدراك ما يوم النحر؟
عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ ( إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ )رواه أبو داود والنسائي… يوم القر يطلق على ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، وهو ضمن أيام التشريق التي هي اليوم الحادي عشر من ذي الحجة والثاني عشر والثالث عشر، فـ يوم القر يوافق اليوم الأول من أيام التشريق، ونهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن صيام هذه الأيام، عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ»..
لماذا سمى يوم القر بذلك:
وسمي يوم القر بذلك لأن الناس يقرون أي يستقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من طواف الإفاضة والنحر واستراحوا، و«القرّ» بفتح القاف وتشديد الراء.
فضل الدعاء في يوم القر:
ويستجاب الدعاء في يوم القر وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يذكر به الناس في خطبته الملقاة يوم النحر، فكان يقول: «بعد يوم النحر ثلاثةُ أيام، الّتي ذكَرَ الله الأيامَ المعدودات لا يُردّ فيهن الدعاء، فارفعوا رغبتكم إلى الله عزّ وجل».
قال صلى الله عليه وسلَّم: (الحجَّاج والعمَّار وفد الله عز وجل وزوَّاره، إن دعوه استجاب لهم وإن استغفروه غفر لهم، وإن سألوه أعطاهم، وإن شفعوا شُفعِّوا)(النسائي عن ابي هريرة رضي الله عنه)، وقال صلى الله عليه وسلَّم: (من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)(متفق عليه من حديث ابي هريرة رضي الله عنه)….
2-صيام أيامها التسع:
فعن بعض نساء النبي (صلى الله عليه وسلم)(رضي الله عنهن): (أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَتِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ)(سنن النسائي)، فمن استطاع أن يصوم التسعة كاملة فبها ونعمت، فإن لم يستطع؛ فعليه بصوم أغلبها، فإن لم يستطع فليحرص على صيام الاثنين والخميس منها، فإن لم يستطع فلا يعجز عن صيام يوم عرفة فإنه يكفر سنتين من الذنوب الصغائر المتعلقة بحق الله عزّ وجلّ، يكفر سنة قبله، وسنة بعده، فعن أبي قتادة (رضي الله عنه)، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (…صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ…)(رواه مسلم)..وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:«مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» سنن الترمذى(1624) صحيح الجامع (6333).
3-الإكثار من الدعاء:
فالدعاء هو العبادة، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ)(رواه الترمذي)، وصدق الشاعر حينما قال:
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(رواه الترمذي).
4-تجهيز الأضحية:
قال سبحانه: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وقال عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، والنُّسُك هنا هو الذبح تقرُّبًا إلى الله سبحانه وتعالى… قال الإمام النووي في “المجموع” (8/ 385): «مَذْهَبنا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَلا تَجِبُ عَلَيْهِ »…
ومن حكمها إحياء سنة إمام الموحِّدين إبراهيم الخليل عليه السلام؛ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلًا عنه، قال تعالى: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 107]. ولا يحزَنَنّ مَن لم يستطِعْ شراءَ أضحيةٍ لحاجتِه أو فقرِه، إذ يكفيه شرفًا وأجرًا أنْ ضحّى عنه خيرُ البريّة…وهى لمن قدر على ذلك ووجد سعة، بداية من اليوم العاشر يوم النحر، فعن أنس (رضي(الله عنه) قال: (ضَحَّى النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا)(متفق عليه)، وعن البراء بن عازب (رضي الله عنهما) قال: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ)(متفق عليه)..
فضلها :
فهى تقرب الى الله وإحياءً لسنةِ أبينَا إبراهيمَ عليه السلام، ولفعلِ وقولِ نبيِّنَا ﷺ كما في حديثِ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- أنّها قالت: قال رسولُ اللهِ ﷺ: مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدِّمَاءِ؛ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا.. في الحديث : (يا فاطمة قومي إلى أُضحيتك فاشهديها فإن الله يغفر لك عند أول قطرة تقطر من دمها كل ذنبٍ فعلتيه)(رواه البزار)…وهذا يكون للمضحي وزوجه وأهل بيته لهم مثله أجمعين فضلاً من رب العالمين عز وجل….. يقول : (لكم بكل صوفة حسنة وبكل قطرة من دمها حسنة).
ومن حكمها أيضًا إشاعة الفرحة بين الفقراء والمساكين لما يتصدق عليهم منهم، ومن حكمها شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 36، 37].
روى البيهقيُّ أنه ﷺ قال: (ضَحُّوا وطَيِّبُوا أنفسَكُمْ فإنَّه مَا مِنْ مُسلِمٍ يستقبِلُ بِذَبيحَتِه القبلةَ إلَّا كانَ دَمُهَا وَفَرْثُهاوَصُوفُها حَسَناتٍ في ميزانهِ يومَ القيامة).
للمزيد من المعلومات انظر بحث الاضحية …
5-الإكثار من ذكر الله عزّ وجلّ:
فتلك الأيام المباركة هي أيام لذكر الله، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ)(مسند أحمد).
وما يؤدي في تلك الأيام من عبادات وطاعات المقصود الأول منه إقامة ذكر الله كالحج ومناسكه وشعائره، وذبح الهدي والأضاحي، قال تعالى: { … ٍلِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ}[الحج : 28 ]، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي العشر الأول من ذي الحجة، وقال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ … }[البقرة: 200]، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[البقرة:203]، وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}[الحج:34]، وعن أبي هريرة، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرَ به وهو يغرس غرسا، فقال: (يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا الَّذِي تَغْرِسُ؟). قلت: غراسا لي، قال: (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا؟). قال: بلى يا رسول الله، قال: (قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ)(رواه ابن ماجه)….وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ،وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ،وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِه وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ ،وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ» صحيح البخارى (843).
6-التكبير :
قال مجاهد: كان أبو هريرة، وابن عمر رضي الله عنهما يَخْرجان أيام العشر إلى السوق فيُكبِّران، فيُكبِّر الناس معهما، لا يأتيان السوق إلا لذلك ، وعن ثابت البناني قال: كان الناس يُكبِّرون أيام العشر حتى نهاهم الحَجّاج، والأمر بمكة على ذلك إلى اليوم يُكبِّر الناس في الأسواق في العشر ، وعن مجاهد أنه كره القراءة في الطواف أيام العشر، وكان يستحب فيه التسبيح، والتهليل، والتكبير، ولم يكن يرى بها بأسًا قبل العشر ولا بعدها ، وعن مسكينٍ أبي هريرة: سمعت مجاهدًا، وكَبّر رجل أيام العشر، فقال مجاهد: أفلا رفع صوته؛ فلقد أدركتهم وإن الرجل ليُكبِّر في المسجد فيَرْتَجّ بها أهل المسجد، ثم يخرج الصوت إلى أهل الوادي حتى يبلغ الأبطح، فيَرْتَجّ بها أهل الأبطح، وإنما أصلها من رجل واحد..
ويستحب للمسلم أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام، ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي؛ حيث لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبر كل واحد بمفرده.
وقد اتفق العلماء على مشروعية هذا التكبير، وصحَّ فِعله عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم….ومَن كبَّر في أيام عشر ذي الحِجَّة الأُوَلِ ويوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وأيَّام التشريق فإنَّه يُكبِّر لوحده، وأمَّا التكبير الجماعي مع الناس بصوت متوافق في ألفاظ التكبير بحيث يبتدئون وينتهون سويًّا، فلا يُعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم..
وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما.
وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً.
وكان ابن عمر يكبر بمني تلك الأيّام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيّام جميعاً.
ثالثاً : شهادة رسول الله ﷺ لها بأنها أفضل أيام الدنيا : فعن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:” أفضل أيام الدنيا أيام العشر – يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب” أخرجه البزار وابن حبان.
وقال ﷺ “ أفضل أيام الدنيا أيام العشر” ولذلك فإن العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى منه في بقية العام..
يُسَنُّ للرجال والنساء، الكِبار والصغار، تكبيرُ الله ــ عزَّ وجلَّ ــ: “الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد” في سائر الأوقات، ويبدأ هذا التكبير مِن بعد غروب شمس آخِر يوم مِن أيَّام شهر ذي القَعدة، ويستمر إلى آخِر يوم مِن أيَّام التشريق قبل غروب شمسه، ثُمَّ يُقطع.
وأمَّا التكبير الذي يكون بعد السلام مِن صلاة الفريضة فيبدأ وقته: مِن صلاة فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر مِن آخِر أيَّام التشريق، ثم يُقطع.
والمشهور في كتب المذاهب الأربعة: أنَّه يكون بعد السلام مِن صلاة الفريضة على الفور، وقبل أذكارها.
ورد عن السلف أن بعضهم كان يذكِّر بعضاً، فيكبر كل واحد لما يسمع بالتكبير من غيره، يذكِّر هذا هذا، وليس المقصود أن ابتداءهم وانتهاءهم معا في وقت واحد.
ولذلك يشرع للمسلم ان يكبر منفردا ليسمعه الناس، فيتذكروا فيكبروا بتكبيره، فهكذا يكون إحياء السنة.
وأما التكبير الجماعي بصوت واحد ففيه مشابهة لأهل البدعة الذين يجتمعون على أذكار جماعية بصوت واحد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لم يفعلوا ذلك.
قال ابن الحاج -رحمه الله-: ثم إنهم يمشون على صوت واحد يعني في التكبير، وذلك بدعة؛ لأن المشروع إنما هو أن يكبر كل إنسان لنفسه ولا يمشي على صوت غيره.
قال الشاطبي في الاعتصام: ومِن البدع التزام الكيفيات والهيئات المعينة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد أيضا، هذا احذروا منه.
صيغة التكبيرفي العشر ذي الحجة:
اختلف العلماء في صفة التكبير في العشر الأولى من ذي الحجة على أقوال:
الأول: “الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله ، الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد”
الثاني: “الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله ، الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد”
الثالث: “الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله ، الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد .”
والأمر واسع في هذا لعدم وجود نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد صيغة معينة.
الإكثار من الأعمالٌ التي تعدل الحج والعمرة:
أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء:
شرع الله لنا أعمالاً تعدل أجر الحج والعمرة ، لكن لا تغنيه هذه الأعمال عن حج الفريضة إذا بلغ حد الاستطاعة؛ وهذه الأعمال لا تكلفك تأشيرةً ولا مالاً ولا سفراً، وقد جمعتها لكم مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي:-
أولاً: المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى الشروق ثم صلاة ركعتين:
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامةتامة” ( أخرجه الترمذي بسند صحيح )
ثانياً: حضور صلاة الجماعة والمشي إلى صلاة التطوع:
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من مشي إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهى كحجة، ومن مشي إلى صـلاة تطوع فهي كعمرة نافلة . وفي رواية : ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر “ـ(صحيح الجامع)
ثالثاً: حضور مجالس العلم في المساجد:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قَالَ:”مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ”. (أخرجه الطبراني بسند صحيح)، فضلاً عن السكينة والرحمة والمغفرة، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”
رابعاً: الأذكار بعد الصلاة:
فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : ” أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، ولهم فضول أموالهم يحجون ويعتمرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤته من يشاء.”
خامساً: عمرة في رمضـان:
فقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان:”ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: ناضحان كان لأبي فلان – تعنى زوجها – حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، قال صلى الله عليه وسلم : فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معى”. والناضح: الجمل .
سادساً: بـرُّ الوالـديـن:
فقد أخرج أبو يعلي بسند جيد: ” أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد”.
سابعاً: صدق النية مع الله :
جاء أول حديث في البخاري ” إنما الأعمال بالنيات “. فإذا كان الحج قد فاتك فإن أفعال الخير لا تفوتك فتلحق بركب الحجيج ، وما أجمل مقولة أحد السلف: ” من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، ومن لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إليه من حبل الوريد”.
الواجب علينا :
عباد الله * من فاته في هذا العام القيام بعرفه فليقم لله بحقه الذي عرفه.
* من عجز عن المبيت بمزدلفة فليبت عزمه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه.
* من لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف فليقم لله بحق الرجاء والخوف
* من لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المنى
* من لم يصلى إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فأنه أقرب الى من دعاه من حبل الوريد
* من لم ينب في هذا اليوم فمتى ينيب ، ومن لم يجب في هذا الوقت فمتى يجيب
* ومن لم يتعرف بالتوبة فهو غريب يا همم العارفين بغير الله لا تقنعي
* يا عزائم الناسكين لجمع أنساك السالكين اجمعي؛ يا أسرار المحبين بكعبه الحب طوفي واركعي؛ وبين صفاء الصفا والمروة أسعى واسرعي؛ وفى عرفات الغرفات قفي وتضرعي؛ ثم إلى مزدلفة الزلفى فادفعي؛ ثم إلى منى نيل المنى فارجعي؛ فإذا قرب القرابين فقربى الأرواح ولا تمنعي. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: اذكروا اللهَ يذكركُم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون . وأقم الصلاة.
استغلال أيام الصالحات في علاج الإفلاس :
افلاس المال معروف ..لكن هناك أنواع وصور ، أخرى من الفلاس ، وإنَّ هذه العشرَ فرصةٌ لتزكيةِ النفسِ وطهارتِهَا مِن الأمراضِ القلبيةِ المختلفةِ حتى تستقبلَ أنوارَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفيوضاتِ الإلهِ ؛إذ التخليةُ قبلَ التحلِيةِ قالً تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾، ومن صور الإفلاس :
1-افلاس الظالم : حيث ياتى يوم القيامه وقد شتم هذا وضرب هذا …. الخ الحديث .
2-افلاس الجاهل الذى يعبد الله على هواه بلا علم ، ولو ظل يصلى عمره بصلاته لقى الله بلا صلاه ..
3-افلاس المستهزئ بالصغائر حتى تصير كبائر ، ولا يعرف أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها ، ورجلا غل الشملة ، ورجلا استعار ابرة فلم يؤديها حتى مات .. وفى الحديث اياكم ومحقرات الاعمال … وقوله تعالى ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ….
4-افلاس المرائى ، وقد حذرنا الله أن نبطل صدقاتنا بالمن والأذى ..حيث لا يجد المرائى له عملا في الصحيفه ويقال له يوم القيامه خذ اجرك ممن كنت تعمل لهم
قضاء الحوائج أولى من حج النافلة:
فلو حج الشخص واعتمر مرارا وتكرارا، ومن عادته الحج والعمرة كل عام، ففي هذه الحالة لو رجعنا إلى فقه الأولويات لوجدنا أن مساعدة الفقراء والمساكين واليتامي والأرامل وذوي الحاجات أولى من الحج والاعتمار كل عام، وحسبنا أن نذكر هنا بما جاء على لسان الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عندما قال: «يكثر الناس فى آخر الزمان من الحج بلا سبب يهون عليهم السفر ويبسط لهم فى الرزق، فيهوى بأحدهم بعيره بين الرمال والقفار، يضرب فى الأرض وجاره إلى جنبه مأسور لا يواسيه».
فالفقيرُ والمحتاجُ في أمسِّ الحاجةِ إلى العونِ والمساعدةِ والعطفِ وتفريجِ الكربِ ولا سيّمَا في هذه الأيامِ المباركةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم). قال الإمامُ النوويُّ: ” فيهِ فضلُ قضاءِ حوائجِ المسلمين ونفعهِم بما تيسرَ مِن علمٍ أو مالٍ أو معاونةٍ أو إشارةٍ بمصلحةٍ أو نصيحةٍ وغيرِ ذلك، وفضلُ السترِ على المسلمين، وفضلُ إنظارِ المعسرِ.” (شرح النووي على مسلم)..
الاكثار من التوبة والاستغفار:
فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة، ففيها فلاح للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور31) وها هو إمام التائبين وسيد المستغفرين (صلى الله عليه وسلم)، يقول كما في “صحيح مسلم”: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّة”. فإذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله (سبحانه وتعالى) ويتوب إليه مرات ومرات، فما بالنا نحن بمعاصينا وغفلتنا، أفلا نستغفر آناء الليل وأطراف النهار دون عدد ولا حساب..
البعدُ عن المعاصِي:
لأنَّ ارتكابَ المعاصِي في هذا الشهرِ الحرامِ ظلمٌ للنفسِ، قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ: ” نهَى اللهُ تعالى عن الظلمِ في الأشهرِ الحرمِ، وإنْ كانَ في جميعِ السنةِ منهيًّا عنهُ، إلَّا أنَّه في الأشهرٍ الحرمِ آكَدُ، ولهذا قال: { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [التوبة: 36]، وقال في الحرم: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }. [الحج: 25] .”أ.ه
صور من حياة الصالحين :
كان سلفُنا الصالح يُعظِّمون هذه الأيام ويُقدِّرونها حقَّ قدْرِها، قال أبو عثمان النهدي كما في لطائف المعارف: “كان السلف يُعظِّمون ثلاثَ عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحِجّة، والعشر الأول من المحرم”، وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: “كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم”، يعني: في الفضل، ورُوي عن الأوزاعي أنه قال: “بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها، ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بالشهادة”.
روى أن رجلاً جاء يودع بشر بن الحارث :
وقال : قد عزمت على الحج فتأمرني بشئ ؟ فقال له : كم أعددت للنفقة ؟فقال : ألفى درهم … قال بشر : فأي شئ تبتغى بحجك ؟ تزهدا أو اشتياقا إلى البيت وابتغاء مرضاة الله ؟قال : ابتغاء مرضاة الله ، قال نعم … قال بشر : فإن أصبت مرضاة الله تعالى ، وأنت في منزلك وتنفق ألفى درهم ، وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى : أتفعل ذلك ؟قال : نعم.. قال : اذهب فأعطها عشرة أنفس : مديون يقضى دينه ، وفقير يرم شعثه ، ومعيل يغنى عياله ، ومربى يتيم يفرحه ، وإن قوى قلبك تعطيها واحدا فأفعل ، فإن إدخالك السرور على قلب المسلم ، وإغاثة اللهفان ، وكشف الضر ، وإعانة الضعيف : أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام ! قم فأخرجها كما أمرناك ، وإلا فقل لنا ما في قلبك ؟
فقال : يا أبا نصر ! سفري أقوى في قلبي …فتبسم بشر رحمه الله ، وأقبل عليه ، وقال له : المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضى به وطراً ، فأظهرت الأعمال الصالحات ، وقد آل الله على نفسه أن لا يقبل إلا عمل المتقين !
تمت بحمد الله تعالى .. أخوكم أبو محمد الشيخ رضا ..