خطبة بعنوان «العشر الأول من ذي الحجة» لفضيلة الدكتور أيمن حمدي الحداد

خطبة بعنوان «العشر الأول من ذي الحجة»
لفضيلة الدكتور : أيمن حمدي الحداد

لتحميل الخطبة pdf اضغط أدناه
fadael alasr alhadad

عناصر الخطبة:
♦أولاً: فضائل العشر الأول من ذى الحجة.
♦ثانياً: الاجتهاد فيها بالعبادة، والطاعات.
♦ثالثاً: التزود منها بتقوى الله عز وجل.

نص الخطبة
الحمد لله الواحد الأحد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الفرد الصمد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله أفضل من وحد الله وعبد اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً دائمين باقيين إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد فاضل ربنا تبارك وتعالى بين الأيام والأزمان، فجعل بعض الأيام مواسم للخيرات، وهي بالنسبة لغيرها من الأيام كالنفحات؛ قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ﴾(القصص: ٦٨)، لقد اختار الله عز وجل أيام العشر الأول من ذى الحجة على ما سواها واصطفاها واجتباها، والموفق السعيد من اغتنم خيرها وعمرها بالطاعات وعمل الصالحات، وحديثا عن العشر الأول من ذي الحجة سوف يندرج تحت العناصر التالية؛

♦أولاً: فضائل العشر الأول من ذى الحجة؛ لقد فضل الله عزّ وجل العشر الأول من ذى الحجة على سائر الأيام وكرمها فأقسم بها فى كتابه الكريم؛ قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾،
– والذى عليه جمهور المفسرين أن المراد بالليالى العشر: العشر من ذى الحجة وربنا سبحانه وتعالى إذا أقسم بشيء تبين لنا عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم.
– العشر الأول من ذى الحجة هي أيام الحج؛ قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾(البقرة: ١٩٧)،
– العشر الأول من ذي الحجة هي الأيام المعلومات؛ قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾(الحج: ٢٨)،
– وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، وهو قول: ابن عمر وابن عباس.

– ولقد كان عبدالله بن عمر وأبوهريرة رضي الله عنهما، يخرجان إلى الأسواق طوال الأيام العشر من ذي الحجة يكبرون الله ويهللون ويحمدون والناس تكبر وراءهم،، فينبغى للمسلم أن يجعل لسانه طلقاً بالتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد.

– أجر العمل الصالح أفضل من أجر الجهاد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ» رواه البخاري.
فدل هذا على أن كل عمل صالح يعمله المسلم فى هذه الأيام أحب إلى الله تعالى من أى عمل صالح في غيرها ودل أيضاً على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة فيها تضاعف من غير استثناء شيء منها.
قال ابن رجب الحنبلي: إن الله يضاعف الأعمال في هذه الأيام العشر أكثر ما يضاعف في رمضان.
– يوم التاسع من ذي الحجة؛ يوم الوقوف بعرفة، وهو أكثر يوم يعتق الله فيه الرقاب من النار.
– يوم العاشر من شهر ذي الحجة أعظم الأيام، قالﷺ: «إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ» رواه أبودواد وأحمد.

ألا يا باغي الخيرات أقْبِل
إلى ذي الحجَّة الشهر الحرام
به العشر الأوائل حين هلت
أحب الله خيراً للأنام بها النفحات
من فيض ونور وعرفات
فَشَمِّرْ للصيام بها النحر
الذي قد قال فيه إله العرش
ذكرا للأنام بها الميلاد
يبدأ من جديد إذا ما القلب
طُهر من سقام وبالحسنات
فرج كل ذنب إذا شئت
الوصول إلى المرام
ألا يا باغيَ الخيرات
أقبل فإن الشهر شهرٌ للكرام
إذا استهواك شيطانٌ فأدبر
ولا تركنْ إلى الفعل الحرام.

♦ثانياً: الاجتهاد فيها بالعبادة والطاعات؛
عباد الله: لما كانت هذه هي فضائل العشر الأول من ذى الحجة، كان لزاماً على المسلم أن يجتهد
فيها بالعبادة، والطاعات والبر بشتى أنواعه ومن ذلك؛
– الذكر والتكبير؛ فإن ذكر الله عز وجل من أعظم الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركات ويبدأ من أول دخول الشهر، فيبدأ المسلم بالتكبير في أيام هذه العشر ولياليها، ويكثر من التكبير فيقول: «الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، الله اكبر، ولله الحمد» يكرر هذا ويرفع به صوته، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يرفعون أصواتهم بالتكبير في هذه الأيام العشر، وهذا مما اختصت به العشر، ويسمي هذا بالتكبير المطلق بالليل والنّهار.
ويستحب كذلك للمسلم الإكثار من ذكر الله عزّ وجل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» رواه أحمد.
ولقد كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها؛ وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.

ولقد أمر الله عز وجل المؤمنين بكثرة ذكره؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًاوَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾(الأحزاب ٤١-٤٤)،

قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العُذْر، غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه، فقال: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾(النساء١٠٣)،

أى: بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وفي كل حال.

 

وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ:
«أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم ، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟!، قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ اللهِ» رواه الترمذي.
وأهل الجنة يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس،
وهذه طائفة من أحوال الصالحين مع ذكر الله عزّ وجل؛
لقد كان لأبي هريرة خيطٌ فيه ألفا عُقدة، فلا يُنام حتّى يُسبِّحَ به.
وكان الحسن البصري كثيراً ما يقول إذا لم يُحدث، ولم يكن له شغل: «سبحان الله العظيم» فذكر ذلك لبعض فقهاء مكة، فقال: إنَّ صاحبكم لفقيه.
وكان عامةُ كلام ابن سيرين: «سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده».
وهذا أبو حفص النَّيْسابوري إذا ذكر الله تغيَّرت عليه حالُه حتى يرى ذلك جميع من عنده، وكان يقولُ: ما أظن محقاً يذكر الله عن غير غفلة، ثم يبقى حياً إلا الأنبياء، فإنَّهم أيدوا بقوَّة النبوَّة وخواصِّ الأولياء بقوَّة ولايتهم.
إذا سمِعَتْ باسمِ الحَبيبِ تَقعقعت
مَفاصِــلُها مِنْ هَولِ ما تَتذَكَّرُ

ولقد نام أحدهم عند إبراهيم بن أدهم قال: فكنتُ كلَّما استيقظتُ من الليل، وجدتُه يذكر الله، فأغتمّ، ثم أُعزِّي نفسي بهذه الآية: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء﴾
– ومن الأعمال الصالحة الصيام؛ فإنه من أفضل الأعمال وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره؛ فقال سبحانه في الحديث القدسي: «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصومَ، فإنه لي وأنا أجزي به» متفق عليه.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «من صامَ يومًا في سبيلِ اللهِ زحزحَ اللَّهُ وجْهَهُ عنِ النَّارِ بذلِكَ اليومِ سبعينَ خريفًا» رواه النسائي.

هذا وفى بيان جزاء الصائمين يوم الظمأ يقول النبى ﷺ: «مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، نُودِيَ مِن أبْوَابِ الجَنَّةِ: يا عَبْدَ اللَّهِ هذا خَيْرٌ، فمَن كانَ مِن أهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِن بَابِ الصَّلَاةِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِن بَابِ الجِهَادِ، ومَن كانَ مِن أهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِن بَابِ الرَّيَّانِ» رواه البخارى.

وعليه فيسن للمسلم أن يصوم التسع ذي الحجة، لأن الصيام يدخل فى عموم العمل الصالح.
ولقد ذهب إلى استحباب صيامها الإمام النووي وقال: صيامها مستحب استحباباً شديداً.

فعن حفصة أن رسول الله ﷺ: «كان يصوم هذه العشرة» رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به،
وأما ما قالته عائشة رضي الله عنها: «أن النبيﷺ لم يصم هذه العشر»،

هذا نفي، وحفصة حديثها فيه إثبات والمثبت مقدم على النافي، فحفصة أثبتت أن رسول الله ﷺ كان يصوم، وعائشة نفت وهذا في حدود علمها فتكون حصفة علمت شيئاً لم تعلمه عائشة رضي الله عنها.

– ومن الأعمال الصالحة الصدقة؛ ولقد حث الله عباده المؤمنين عليها؛ قال تعالى: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(البقرة٢٥٤)، وقال ﷺ: «ما نقصت صدقة من مال» رواه مسلم.

والصدقة من أعظم أسباب بركة المال، وزيادة الرزق، وإخلاف الله على صاحبها بما هو أحسن، قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: «يا ابن آدم أَنفقْ أُنفقْ عليك» رواه مسلم.
والصدقة من أعظم أسباب نماء المال قال تعالى؛﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾(سبأ؛ ٣٩)،

ولقد وعد الله عزّوجل بمضاعفة العطاء للمنفقين بأعظم مما أنفقوا أضعافاً كثيرة، فقال سبحانه:﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(البقرة: ٢٤٥)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «ما تصدَّقَ أحدٌ بصدَقَةٍ منْ طيِّبٍ، ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيبَ، إلَّا أخذَها الرحمنُ بيمينِهِ، وإِنْ كانتْ تَمْرَةً، فتربُو في كفِّ الرَّحمنِ حتى تَكونَ أعظمَ مِنَ الجبلِ، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ أوْ فَصيلَهُ» رواه مسلم.

كما أن الصدقة تدفع عن صاحبها المصائب والبلايا، وتنجيه من الكروب والشدائد؛ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ «صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ والآفاتِ والهلكاتِ، وأهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ» رواه الحاكم.

ولقد فهم أسلافنا أن في الصدقة شفاء من الأسقام ووقاية من ميتة السوء. لذا كان التصدق أسلوباً علاجياً يقاومون به الأوجاع؛ لقد جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك يشكو إليه قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين، فجرب أنواعاً من العلاج وسأل الأطباء فلم ينتفع بشيء. فقال له: اذهب فاحفر بئراً في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين، ويُمسك عنك الدم، ففعل الرجل، فبرأ پإذن الله تعالى.
ولقد قدم زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم نموذجاً يُحتذى في صدقة السر والإنفاق في جنح الظلام. فكان يحمل الدقيق والطعام ليلاً على ظهره ويضعه أمام بيوت الفقراء، ثم ينصرف ولسان حاله يردد: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب»، وظل على هذه الحال إلى أن وافته المنية، فلما غسّلوه وجدوا آثار ذلك على ظهره، فقالوا: ما هذا ظهر حَمال؟!

فحدث أهلُه الناسَ بصنيعه رضى الله عنه وأرضاه.

ويكفى الصدقة فضلاً أنها من أحب الأعمال إلى الله عزّ وجل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: «وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ المدينةِ- شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ» رواه الطبرانى فى الأوسط.

والصدقة ترفع صاحبها، حتى توصله أعلى المنازل، قال رسول الله ﷺ: «إنَّما الدنيا لأربعة: رجل آتاه الله مالًا وعلمًا، فهو يتَّقي الله في ماله، ويعرف الله في حقّه، فهو في أحبِّ المنازل إلى الله» رواه الترمذى.
– ومن الأعمال الصالحة الأضحية؛ فإنها إحدى الشعائر الإسلامية التي يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل، لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾(الحج: ٣٢)،

ويسن للمسلم إذا كان يريد الاضحية ألا يقص أظفاره وألا يأخذ من شعره ولا بشرته حتى يضحي بعد دخول شهر ذى الحجة؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ فأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه ولا من بشَرِه شيئًا» رواه مسلم.
وهذا خاص بصاحب الاضحية وأما إذا كان لا يضحي فلا شيء عليه، يقص في عشر ذي الحجة.
والأضحية سنة مؤكدة يثاب فاعلها.

فاتقوا الله عباد: واعلموا صالحاً فى هذه الأيام المباركات وسارعوا إلى الخيرات تفوزوا برضى رب البريات.
أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: إن الله تبارك وتعالى فضل العشر الأول من ذى الحجة على سائر الأيام ففيها الأجور العظيمة والعطايا الكثيرة فعلى المسلم أن يتزود منها بخير الزاد ليوم المعاد؛ قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾(البقرة: ١٩٧)،

♦ثالثاً: التزود من أيام العشر بتقوى الله عز وجل؛ فإنه الزاد الذي لا غنى للعبد عنه ليقدم على ربه آمنا وإلا ندم يوم لا ينفع الندم؛
إذ أنت لم ترحل بزاد من التقى
ولاقيت يوم الحشر من تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله
وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

ولقد كان من دعاء سيدنا رسول الله ﷺ: «اللهم آتِ نفسي تقواها أنت خيرُ مَن زكَّاها»

قال سفيان بن عيينة: لا يُصِيبُ عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتى يجعلَ بينهُ وبينَ الحرامِ حاجزاً مِنَ الحلالِ وحتّى يَدَعَ الإثمَ وما تَشَابهَ مِنْهُ.

وقال ابن القيم: «التقوى ثلاثُ مَرَاتب؛ حِمْيَةُ القلب والجوارح عَنِ الآثام والمحرمات، ثم الحمية عن المكروهات، ثم الحمية عن الفُضُول وما لا يعني»،

ومما يتزود به العبد فى هذه العشر المباركات قراءة القرآن وتعلمه ـ والاستغفار ـ وبر الوالدين ـ وصلة الأرحام والأقارب ـ وإفشاء السلام وإطعام الطعام ـ والإصلاح بين الناس ـ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وحفظ اللسان والإحسان إلى الجيران ـ وإكرام الضيف وإماطة الأذى عن الطريق وكفالة الأيتام ـ وزيارة المرضى ـ وقضاء حوائج المسلمين، وصلة أصدقاء الوالدين ـ والدعاء للمسلمين بظهر الغيب ـ وأداء الأمانات والوفاء بالعهد وغض البصر عن محارم الله، وإسباغ الوضوء، والدعاء بين الآذان والإقامة والمحافظة على الصلاة وذكر الله عقب الصلوات.
هذا فى الجانب الإيجابى، وأما فى الحانب السلبى فعلى المسلم أن يتخلى عن كل قولٍ أو فعلٍ محرم من شأنه أن يؤذى الآخرين؛

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: ٥٨)، ومن الأذى المحرم ما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾(الحجرات: ١١)،

قال يحيى بن معاذ: لِيَكُن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرِحه فلا تغمَّه، وإن لم تَمدحه فلا تذمَّه٠
وقال الربيع بن خُثيم: الناس رجلان مؤمنٌ فلا تُؤذوه، وجاهل فلا تُجَاهِلْه٠

وقال ابن رجب: تضمَّنَت النصوص أن المسلم لا يحل إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه؛ مِن قول أو فعل٠
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: صَعِد رسول الله ﷺ على المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: «يا معشر مَن أسْلَمَ بلسانه ولم يُفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين، ولا تُعَيِّرُوهم، ولا تتَّبِعُوا عوراتهم؛ فإنه مَن تتبَّع عورة أخيه المسلم؛ تتبَّع الله عورته، ومَن تتبَّع الله عورته يفضحْهُ ولو في جوف رحله» رواه الترمذى
قال سفيان الثوري: إِنَّكَ إِنْ تَلْقَى اللهَ عَزَّوَجَلَّ بِسَبْعِيْنَ ذَنْبَاً فِيْمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ مِنْ أَنْ تَلْقَاهُ بِذَنْبٍ وَاحِدٍ فِيْمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ العِبَادِ.

هذا وقد يقع الأذى بكثرة فى الطرق والأماكن العامة لذا شدد سيدنا رسول الله ﷺ على حفظ الجوارح؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى الطُّرُقَاتِ، فَقالوا: ما لَنَا بُدٌّ، إنَّما هي مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ» رواه البخارى.

قال الحسنُ رضي الله عنه: مَا ضَرَبْتُ بِبَصَرِي وَلَا نَطَقْتُ بِلِسَانِي وَلَا بَطَشْتُ بِيَدِي وَلَا نَهَضْتُ عَلَى قَدَمِي حَتَّى أَنْظُرَ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً تَقَدَّمْتُ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةٌ تَأَخَّرْتُ٠
وبهذا يكون العبد قد تزود بتقوى الله عزوجل بمعناها الصادق إذا تخلى عن الآثام والخطايا وتحلى بالطاعات فى هذه العشر المباركات؛

فاتقوا الله عباد: واغتنموا هذه الأيام فى العبادة والطاعة وصدق التوبة والأوبة تفوزوا بالأجور الكثيرة وتحظوا برضى ربكم الرحمن الرحيم.

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وأقم الصلاة.

كتبه راجى عفو ربه
أيمن حمدى الحداد
الجمعة ٣ من ذى الحجة ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ٣٠ من مايو ٢٠٢٥ ميلادياً

اترك تعليقاً