خطبة بعنوان «العشر الأول من ذي الحجة»
لفضيلة الدكتور : أيمن حمدي الحداد
لتحميل الخطبة pdf اضغط أدناه
fadael alasr alhadad
عناصر الخطبة:
♦أولاً: فضائل العشر الأول من ذى الحجة.
♦ثانياً: الاجتهاد فيها بالعبادة، والطاعات.
♦ثالثاً: التزود منها بتقوى الله عز وجل.
نص الخطبة
الحمد لله الواحد الأحد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الفرد الصمد، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله أفضل من وحد الله وعبد اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وأصحابه صلاة وسلاماً دائمين باقيين إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد فاضل ربنا تبارك وتعالى بين الأيام والأزمان، فجعل بعض الأيام مواسم للخيرات، وهي بالنسبة لغيرها من الأيام كالنفحات؛ قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ﴾(القصص: ٦٨)، لقد اختار الله عز وجل أيام العشر الأول من ذى الحجة على ما سواها واصطفاها واجتباها، والموفق السعيد من اغتنم خيرها وعمرها بالطاعات وعمل الصالحات، وحديثا عن العشر الأول من ذي الحجة سوف يندرج تحت العناصر التالية؛
♦أولاً: فضائل العشر الأول من ذى الحجة؛ لقد فضل الله عزّ وجل العشر الأول من ذى الحجة على سائر الأيام وكرمها فأقسم بها فى كتابه الكريم؛ قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾،
– والذى عليه جمهور المفسرين أن المراد بالليالى العشر: العشر من ذى الحجة وربنا سبحانه وتعالى إذا أقسم بشيء تبين لنا عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم.
– العشر الأول من ذى الحجة هي أيام الحج؛ قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾(البقرة: ١٩٧)،
– العشر الأول من ذي الحجة هي الأيام المعلومات؛ قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾(الحج: ٢٨)،
– وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة، وهو قول: ابن عمر وابن عباس.
– ولقد كان عبدالله بن عمر وأبوهريرة رضي الله عنهما، يخرجان إلى الأسواق طوال الأيام العشر من ذي الحجة يكبرون الله ويهللون ويحمدون والناس تكبر وراءهم،، فينبغى للمسلم أن يجعل لسانه طلقاً بالتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد.
– أجر العمل الصالح أفضل من أجر الجهاد؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ» رواه البخاري.
فدل هذا على أن كل عمل صالح يعمله المسلم فى هذه الأيام أحب إلى الله تعالى من أى عمل صالح في غيرها ودل أيضاً على أن العامل في هذه العشر أفضل من المجاهد في سبيل الله الذي رجع بنفسه وماله، وأن الأعمال الصالحة فيها تضاعف من غير استثناء شيء منها.
قال ابن رجب الحنبلي: إن الله يضاعف الأعمال في هذه الأيام العشر أكثر ما يضاعف في رمضان.
– يوم التاسع من ذي الحجة؛ يوم الوقوف بعرفة، وهو أكثر يوم يعتق الله فيه الرقاب من النار.
– يوم العاشر من شهر ذي الحجة أعظم الأيام، قالﷺ: «إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ» رواه أبودواد وأحمد.
ألا يا باغي الخيرات أقْبِل
إلى ذي الحجَّة الشهر الحرام
به العشر الأوائل حين هلت
أحب الله خيراً للأنام بها النفحات
من فيض ونور وعرفات
فَشَمِّرْ للصيام بها النحر
الذي قد قال فيه إله العرش
ذكرا للأنام بها الميلاد
يبدأ من جديد إذا ما القلب
طُهر من سقام وبالحسنات
فرج كل ذنب إذا شئت
الوصول إلى المرام
ألا يا باغيَ الخيرات
أقبل فإن الشهر شهرٌ للكرام
إذا استهواك شيطانٌ فأدبر
ولا تركنْ إلى الفعل الحرام.
♦ثانياً: الاجتهاد فيها بالعبادة والطاعات؛
عباد الله: لما كانت هذه هي فضائل العشر الأول من ذى الحجة، كان لزاماً على المسلم أن يجتهد
فيها بالعبادة، والطاعات والبر بشتى أنواعه ومن ذلك؛
– الذكر والتكبير؛ فإن ذكر الله عز وجل من أعظم الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركات ويبدأ من أول دخول الشهر، فيبدأ المسلم بالتكبير في أيام هذه العشر ولياليها، ويكثر من التكبير فيقول: «الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، الله اكبر، ولله الحمد» يكرر هذا ويرفع به صوته، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يرفعون أصواتهم بالتكبير في هذه الأيام العشر، وهذا مما اختصت به العشر، ويسمي هذا بالتكبير المطلق بالليل والنّهار.
ويستحب كذلك للمسلم الإكثار من ذكر الله عزّ وجل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» رواه أحمد.
ولقد كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها؛ وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً. وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.
ولقد أمر الله عز وجل المؤمنين بكثرة ذكره؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًاوَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾(الأحزاب ٤١-٤٤)،
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال العُذْر، غير الذكر فإن الله لم يجعل له حدّاً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على تركه، فقال: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾(النساء١٠٣)،
أى: بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وفي كل حال.