حكم الانتقاد في الإسلام
16 مايو، 2025
منبر الدعاة
بقلم الكاتب والباحث الصوفى الكردى الدكتور : عبدالكريم فتاح أمين
جامعة الحلبجة كلية نريية الشهزور قسم تنمية البشرية
قبل الدخول في جواب ذلك السؤال بايجاب أو نفي اقول: إن ذكر الغير ينقسم إلى قسمين:
اولا: ما يسمى بالغيبة، وهو ذكر الناس بما يكره سواء كان المذكور حاضرا أو غائباً، ولاريب ذلك القسم يجري غالبا بظهر الغيب ولهذا تسمى بهذا الإسم.
والذي يبدو لنا أن ذلك القسم محرم قطعا ولا يلجأ إليه إلا لمواضع معدودة محددة، وليس ذلك الحكم مستنبط من الاجتهاد بل مستبط في معرض النص قرآنا وحديثا، أما القرآن فقوله سبحانه: ﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)الحجرات.
وأما الحديث: فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقومٍ لهُمْ أَظْفَارٌ من نُحاسٍ ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ ، فقُلْتُ : مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذينَ يأكلونَ لُحُومَ الناسِ ، ويَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ .
فالغيبة صادرة من الجهة الخاصة إلى الجهة الخاصة، من شخص أو أشخاص يذكر شخصاً أو أشخاصا، إن تلك الصفة الذميمة النتنة تهزم من يقوم به قبل أن تهزم المذكور به بالسوء، وبالبداهة تفتح باب جحيم العداوة الشرسة بين الطرفين: المغتابين.
ومن جانب آخر: فالمذكور المغتاب يدور وراء سبب يتشبث به لكسر هيمنة الذاكر المغتاب، ويخسر آنذاك الإنصاف والعدالة والأخوة والوئام.
فالإنسان العاقل الرشيد قبل إصلاح غيره لابد أن يصلح نفسه ، وذلك بإعادة النظر إلى نفسه في كل المجالات دينيا ودنيويا تلوا بعد التلو ولذلك يقول رسول رب العالمين – صلى الله عليه وسلم: (( طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس))
ثانياً: الانتقاد، وهذا الصنف كذلك نوع من ذكر الناس سواء كان حاضراً أو غائبا ولكن ليس عبارة عن القسم الأول من حيث المقصد والمرام بل له أحكام وانواع خاصة يتميز به، ولذا أشير كالخطوة الأولى إلى تعريفه: (( النقد هو بناء حكم على الصفات السلبية أو الإيجابية لشخص أو شيء ما))
بعض الانتقاد يبني الإنسان الكامل ويخرجه من دائرة النقص والبساطة إلى الكمال النسبي ويزيل عنه ما يشينه ماديا ومعنويا، وهذا يسمى ب(الانتقاد البناء)
فمقولة سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من هذا القبيل: (( عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي) وكان يسأل سلمان عن عيوبه، فلما قدم عليه قال: ما الذي بلغك عني مما تكرهه.
فالإنسان الذي تنبهه تجاه مخاطره ومشاكله العويصة كادت أن تقضي عليه يشكرك من الأعماق ولا يسكر خاطرك، بل علاوة على هذا يفديك بروحه وبكل ما كان عنده ثميناً ، لأنك قمت بإعلامه عن أشياء لا يدريها ولا يشعر بها.
ولكن إذا دخل الناقد إلى حرم من وجه إليه الانتقاد من باب غير مأهول فهو يعتبر في حق هذا الشخص متعديا ومتحديا وليس ناقدا ومخلصا وهذا يسمى ب( الانتقاد الهدام)
واحد من الأصحاب – رضي الله عنهم- قام بتوجيه نقد إلى أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: أعفني يا أمير المؤمنين فألح عليه، فقال: بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل.
قال: وهل بلغك غير هذا؟ قال: لا، قال: أما هذان فقد كفيتهما.
فاستمع أمير المؤمنين رضي الله عنه أولا ثم أجاب برحابة الصدر جوابا رافع الإشكال والارتباك، وهذا يعتبر قانوناً جارياً ومعمولا به لدى العادلين العالمين العاملين في كل الأعصار والأزمان.
فالناقد الحقيقي يوجه انتقادات دقيقة منسقة بعد التعمق والتأني، فالنقد الذي يصدر من العجالة والبساطة لا يفيد البتة بل من قبيل صب الزيت على النار، فهو يخطو نحو الاشتعال الأكثر والأكبر، فينبغي على الناقد قبل توجيه نقده أن يراعي شيئين:
الأول: الإخلاص وصفاء النية لله تعالى.
الثاني: النصح والوعظ لمن يرميه إذ هو عبارة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما يقول سيد الثقلين- صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم.
وقلنا في القسم الأول أنه يصدر من الجهة الخاصة إلى الجهة الخاصة ولكن الانتقاد في اليوم فلأكثر يتوجه إلى مشاريع والمؤسسات ومسئولي الدولة فهو أمر لابد منه، ولا يتخلى عنه إلا الشعوب والمجتمعات المتخلفة النائية عن الوعي والثقافة.