خطبة بعنوان ( عمران الحياة بالزرع والإتقان )لفضيلة الدكتور محمد جاد قحيف

خطبة بعنوان ( عمران الحياة بالزرع وإلاتقان )
لفضيلة الدكتور : محمد جاد قحيف

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه

omran alard

 

الحمد لله تقدست ذاته سبحانه عن الند والمثال ، وتسامت صفاته عن التغيير والزوال ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ، تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال،

ولا إله إلا هو الكبير المتعال.. وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده وزينه بأشرف الخصال، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين ، وبعد :

فإن الله بحكمته أجل من أن يخلق هذا الكون بلا غاية ولا حكمة ، ولم يخلق شيء في هذا الكون الفسيح عبثا ، بل خلق الله السموات السبع وما فيها من أسرار ، والأراضين السبع وما فيهن من كنوز وخيرات ، والجبال بدقتها ورفعتها ، واختلاف ألوانها ، والبحار و أمواجها ، والأنهار وأعماقها ، والنباتات وأشكالها ، والحيوانات وصنوفها، وجعل الإنسان ثمرة هذه المخلوقات وغايتها . وجعل الهدف من خلقه للإنس والجن العبادة بمفهومها الشامل للدارين ..

قال تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍۢ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ) سورة الذاريات ٥٧/٥٦.

وطالب المولى سبحانه وتعالى الإنسان بتحقيق خلافته في الأرض ، وعمران الأرض بالعبادة والعمل بنوعيه الديني والدنيوي ، وقد جمع الله تعالى بين العبادة والعمل لعمران الحياة في قوله جل شأنه: ﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾ سورة هود آية رقم: ٦١.

يقول الشيخ الشعراوي في بيان معنى قوله تعالى{هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها} ساعة ترى الألف والسين والتاء فاعلم أنها للطلب، وهكذا يكون معنى كلمة (استعمر) هو طلب التعمير. ومن الخطأ الشائع تسمية البلاد التي تحتل بلاداً أخرى: ب ( دول الاستعمار).

أقول: إن ذلك خطأ، لأنهم لو كانوا دول استعمار، فهذا يعني أنهم يرغبون في عمارة الأرض، ولكنهم في حقيقة الأمر كانوا يخربون في الأرض؛ ولذلك كان يجب أن تسمى( دول الاستخراب). {واستعمركم فِيهَا} أي: طلب منكم عمارتها . ينظر خواطر الشيخ الشعراوي حول الآية ٦١ من سورة هود ..

ويشتمل هذا المقال على ما يلي :

العنصر الأول : الزرع والنبات من آيات الله في الكون :

ففي القرآن الكريم آياتٌ كثيرةٌ تحدثت عن آيات الله وأسراره في الكون و الزرع والإنبات ، وبينت أن الزارع والمنبت للزرع هو الله الخالق سبحانه وتعالى، ومن هذه الآيات قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } [الواقعة: 63، 64].

عن أبي هريرةَ قالَ رسولُ اللَّهِ: لا يقولنَّ أحدُكم زرعتُ، ولَكن ليقُلْ: حرَثتُ، قالَ أبو هريرةَ: (ألم تسمعوا إلى قولِ اللَّهِ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) صحيح ابن حبان .

أي أن الفلاح أو الزارع يحرث الأرض ويضع البذر ، والرعاية ويترك النتائج على الله سبحانه وتعالى فهو الزارع والمنبت للزرع والشجر والثمر في الحقيقة .
وقوله سبحانه وتعالى:{وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)}.وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [ سورة ق: 9 – 11].
وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ) سورة فاطر آية رقم ٢٧.

وقوله تقدست ذاته :(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ‌إِلَى ‌طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢) ).
الآيات: من 24 إلى 32.

وقوله تعالت صفاته : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ ، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

وقوله جل في علاه : ( وَفِى ٱلْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَٰوِرَٰتٌ وَجَنَّٰتٌ مِّنْ أَعْنَٰبٍۢ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍۢ يُسْقَىٰ بِمَآءٍۢ وَٰحِدٍۢ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍۢ فِى ٱلْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ ) سورة الرعد آية رقم ٤.

وغيرها من الآيات الكثير التي تبين قدرة الخالق سبحانه وتعالى ووجوده ووحدانيته ، على الرغم من اختلاف أشكال وألوان الزرع و الشجر ، بل الطعم والثمر ، و منطقة الأرض الواحدة يزرع فيها بساتين متجاورة بشكل واحد ، أو باشكال مختلفة ، هذا حلو وهذا حامض ، و هذه خضروات وهذه فواكه ، هذا قمح وهذا شعير ، بل طبق الفاكهة قد تجد فيه فواكه مختلفة في اللون والطعم ، مختلف في اللون والطعم ، والماء واحد ، والأرض واحدة، والزارع واحد ، فسبحان الخالق الواحد .

فضلا عن هذا أن الله جل فى علاه مهد الأرض ، وسخرها لنا وأعدها للزراعة ، وأنه وحده هو الذي خلق الأسباب ، وهيئها ووشق فيها الأنهار ، وذلل حفر الترع والأبار ،كما جاء في سورة الملك: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا ‌فَامْشُوا ‌فِي ‌مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ آية: 15.

ويذكر الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا”، (أي سهلة تستقرون عليها، والذلول المنقاد الذي يذل لك، والمصدر: الذل، وهو اللين والانقياد …وقيل: أشار إلى التمكن من الزرع و الغرس وشق العيون والأنهار وحفر الآبار )؛ لأن الله مهدها وسهلها وأعدها لكل هذا .

ومن المظاهر الدالة على وجود الخالق جل شأنه ووحدانيته.
قال تعالى (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (60) سورة النمل .

وقدرة الخالق التامة و إحيائه الأرض الميتة بالزرع والنبات..
قال تعالى : (( فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) الروم(50) .

وهذا دليل من الأدلة الخمس المتنوعة المنتشرة في القرآن الكريم عن إحياء الموتى كالاستدلال بالخلق الأول ، والخلق الأكبر خلق السموات والأرض ، ومراحل خلق الإنسان ، والاستدلال بخلق الضد من الضد ، ( ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ) سورة يس آية رقم ٨٩.
وإحياء الأرض الميتة ، أي كانت هامدة ميتة لاشيء فيها من النبات، فأنزل الله تعالى عليها الماء ، فتحركت الأرض حركة خفيفة ، وزاد فيها البركة ، وأنبت فيها من كل زوج بهيج .

قال تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [ سورة فصلت: 39] .

و يتضح الحكمة من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن عقيدة من قام بغرس النخل ؛ لأنه بنيته الصالحة تتحول العادات إلى عبادات ؛ لذا يدعوه لاحتساب أجره فيما غرس وزرع وبشره بالثواب بمقدار كل ما خرج من الثمر ، و كل من أكل من هذا الزرع سواء أكان إنسان أو حيوان أو طير .

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أمِّ مبشر الأنصارية في نخلٍ لها، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟”. فقالت: بل مسلم. فقال: “لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلاَ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ” .

وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام البخاري عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ).

وهذه الصدقات الجارية الرائعة كزراعة النخيل والأشجار وسائر أنواع الزرع والنبات ، التي تفيد الإنسان ، ويتعدى نفعها إلى المجتمع بأسره ، يأخذ المزارع أجرا عليها وكذلك مالك الأرض ، كما جاء في الرواية الأولى وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أم مبشر الأنصارية أو أم معبد عن الزارع للشجر ، و الروايتين بتمامهما في صحيح الامام مسلم عن جابر بن عبد الله .

كما أن الأجر على كل ما يخرج من الزرع من ثمار وغيره حتى لو سرق أو اختطفه السباع وكل ما ينقص منه .

كما جاء في صحيح الإمام مسلم أيضا عن سيدنا جابر بن عبد الله (ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إلَّا كانَ ما أُكِلَ منه له صَدَقَةً، وما سُرِقَ منه له صَدَقَةٌ، وما أكَلَ السَّبُعُ منه فَهو له صَدَقَةٌ، وما أكَلَتِ الطَّيْرُ فَهو له صَدَقَةٌ، ولا يَرْزَؤُهُ أحَدٌ إلَّا كانَ له صَدَقَةٌ).

ومن هنا يتبين مدى اهتمام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بأمر الزراعة والنبات ، ومن بديع ما ذكر في السنة الصحيحة أن الزراعة مستمرة حتى في الجنة كما قال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( إنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّة اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِي أُحِبُ أَنْ أَزْرَعَ، قَالَ: فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، فَيَقُولُ اللَهُ: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَهُ لا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ، فَقَالَ الأعْرَابِيُ: وَاللَّه لا تَجِدُهُ إِلا قُرَشِيًَا أَوْ أَنْصَارِيًَا، فَإِنَهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَبِيُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَمَ )، رواه الإمام البخاري ..

العنصر الثاني : الغرس والزراعة أهم أسس الاقتصاد وعمران الحياة ..
إن الغرس و زراعة الأرض واستصلاحها أهم أسس الاقتصاد
وعمران الحياة ..
الزراعة هي صمام الأمان لأي أمة من الأمم في كل زمان وآوان ، وهي أساس الاقتصاد الصناعي والتجاري والتنموي ، وشتى مجالات الحياة ، وفي تاريخ مصر القديم كانت سببًا في نجاة مصر وما حولها من الفقر والقحط الشديد، أبان فترة تولى نبي الله يوسف عليه السلام مسئولية رعاية خزائن مصر ، فقال وصدق الزمان ما قال: ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف 47-49].

و لما فتحت خيبر وكانت في أطراف المدينة ، فكانت منطقة ذات حصون ومزارع أفاض الخير بسببها على المسلمين ، كما روى الإمام البخاري في صحيحه عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ، قُلْنا: الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ . وأخرج الإمام البخاري أيضا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : ” مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ “.

وما أجمل أن يأخذ المسلمون بوصية رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ)) مسند أحمد، وبنصيحة زراعة أشجار النخيل ، ولنجعلها ثمرة هذه الخطبة عملا بفقه جزء من آية كريمة من سورة الكهف (وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا )( الآية/ ٣٢. )

ولما فيها من فوائد عديدة ، البلح والتمور والرطب بكافة أنواعها وألوانها ، والجريد وجذع النخيل ، حتى الخوص والمكانس اليدوية ، شجر النخيل كله فوائد ، ولا يضر ما حوله من زرع ؛ لذلك شبه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بالشجرة لا يسقط ورقها .

ففي صحيح الإمام البخاري عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي» فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله قال: «هي النخلة». لذلك كان أستاذنا الدكتور محمد أبو زيد (رحمه الله) (أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف )كثيراً ما يدعونا للاهتمام بهذا المشروع وزراعة الشجر المثمر وشجر النخيل بصفة خاصة لما فيه من منافع وفوائد عديدة، وكان يقول زراعة شجرة مثمرة أولى من خطبة عصماء لا منفعة من ورائها ، ولا أثر لها .

ولأهمية الزراعة عمل بها بعض الأنبياء ، كأبينا آدم عليه السلام ، بعد ما هبط إلى الأرض ، ونبي الله إبراهيم عليه السلام ، بالإضافة إلى مهنة البناء ورفع قواعد البيت الحرام ، ونبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وكذلك بعضا من صحابة رسول الله كان لهم مزارع وعيون وآبار يسقى منها النخيل ، وهذا “عبدالرحمن بن عوف رغم غناه كان يمسك المسحاة بيده، ويحول بها الماء ، وطلحة بن عبيدالله كان أول من زرع القمح في مزرعته بالمدينة، وكان يزرع على عشرين ناضحًا، وينتج ما يكفي أهله بالمدينة سنتهم، حتى استغنوا عمَّا يستورد من بلاد الشام “. ينظر مدونة العلوم الإسلامية نقلا عن تاريخ دمشق لابن عساكر ٧/٣٠. ٢٥/١٠٢ .

وفي قصة سيدنا ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة بعد أن شرح الله صدره للإسلام و (…بشَّره رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَره أنْ يعتمرَ فلمَّا قدِم مكَّةَ قال له قائلٌ: صبَوْتَ ؟ قال: لا، ولكنْ أسلَمْتُ مع محمَّدٍ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلا واللهِ لا تأتيكم مِن اليمامةِ حبَّةُ حِنطةٍ حتَّى يأذَنَ فيها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ) . صحيح ابن حبان .

نعم إن أهم أسس تقدم المجتمعات الإصلاح الاقتصادي ، و إصلاح الإنتاج الزراعي ، والصناعة والتجارة تقومان عليها في الغالب الأعم . ونجاح المشاريع الزراعية مسئولية مشتركة على الحكومات والأفراد ، والاهتمام بإصلاحِ وسائل الري وتنظيفها، وبناء السدود ، وشق العيون والاتصال بالآبار، وتصحير الترع ، وتبطينها وتطهير القنوات والأنهار ..

العنصر الثالث : آداب وأخلاقيات الإسلام في عمران الحياة ..
١- الإخلاص والنية الصالحة
فقد اهتم الإسلام بنية الزارع والصانع والمنتج ، وأمر أن تكون نية العامل حسنة ، فهو يخرج من بيته يطلب الرزق من ربه سبحانه ،
فالأعمال بالنيات ، ولكل امريء ما نوى ، وقد تتحول العادات إلى عبادات بالنية الخالصة لوجه الله ، وابتغاء مرضاته .
عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ : ” إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى .. “(متفق عليه) .
٢- نفع الناس على قدر الطاقة .
قالَ ﷺ”مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ. ” أخرجه الإمام مسلم ..
وهذا القولُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإنْ كان في قصة الرُّقيةِ، إلَّا أنَّه يَتعدَّى إلى كلِّ ما فيه نفعٌ وخيرٌ للمسْلمِ.الدرر السنية..
٣ – الإتقان والجودة :
لقد وضع الإسلام أساس معايير الجودة ومعالم الصلاحية في قول النبي ﷺ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلاً أَن يُتقِنَهُ» (رَوَاهُ البَيهَقِيُّ وسنده صحيح) .
ومعني الحديث يعنى أداء جميع الأعمال الزراعية والصناعية على الوجه الكامل دون نقص أو خلل .
والله تعالى يحب إتقان العمل ؛ لأن كل ما خلق الرحمن خلق بدقة وإتقان ..
قال تعالى : ( وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ) سورة النمل آية رقم ٨٨ .
“الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء ” (( أَتْقَنَ )) أحكم ” كُلَّ شَيْءٍ ” صنعه وشرعه ..
وقال عزوجل :(ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍۢ طِبَاقًا ۖ مَّا تَرَىٰ فِى خَلْقِ ٱلرَّحْمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٍۢ ۖ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍۢ) سورة الملك /٣ ..
لقد كان السلف الصالح – رضي الله عنهم – يهتمون بإتقان الزراعة والصناعة وتجويدهما!! يقول الإمام الغزالي – رحمه الله -: ” والغش حرام في البيوع والصنائع جميعاً، ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجه، لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه، بل ينبغي أن يحسن الصنعة ويحكمها، ثم يبين عيبها إن كان فيها عيب، فبذلك يتخلص.
هل سألنا أنفسنا سؤالا لماذا يتهافت الناس على الأدوات والصناعات الأجنبية ويتركون الصناعات المحلية ؟!
الإجابة لأنها صانعها قد صنعها بأمانة وإتقان وفق الآداب التي دعا إليها دين الإسلام ..
٤- الأمانة في الحراسة والعمل: فقد روي أنه ” في أحد الأيام كان هناك حارس بستان، دخل عليه صاحب البستان وطلب منه أن يحضر له رمانة حلوة الطعم فذهب الحارس وأحضر حبة رمان وقدمها لسيد البستان، وحين تذوقها الرجل وجدها حامضة، فقال صاحب البستان: قلت لك أريد حبة حلوة الطعم، أحضر لي رمانة أخرى، فذهب الحارس مرتين متتاليتين وفي كل مرة يكون طعم الرمان الذي يحضره حامضاً، فقال صاحب البستان للحارس مستعجباً: إن لك سنة كاملة تحرس هذا البستان، ألا تعلم مكان الرمان الحلو ؟!! فقال حارس البستان: إنك يا سيدي طلبت مني أن أحرس البستان لا أن أتذوق الرمان،كيف لي أن اعرف مكان الرمان الحلو؟!! فتعجب صاحب البستان من أمانة هذا الرجل، وأخلاقه، فعرض عليه أن يزوجه ابنته، وتزوج هذا الرجل من تلك الزوجة الصالحة، وكان ثمرة هذا الزواج هو: عبد الله ابن المبارك الزاهد العابد”(وفيات الأعيان).
٥-عدم الاستغلال
يحرم الإسلام الاستغلال بجميع أنواعه وصوره ، كالاستغلال عند الشراء ، أو انقاص الكيل والموازين في شراء السلع و المواد الخام من أصحابها وكلامها والاحتكار وحبس السلع.
قال تعالى : “ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” الأعراف/ ٨٥ .
فعقيدة الإسلام تدعو لإحياء الضمائر ، فضلا عن متابعتهم من قبل الحاكم ، أو من ينوب عنه من الأجهزة الرقابية لمراقبته ،
كذلك يحرم الإسلام استغلال القوى العاملة ، و شروط العمل المجحفة التي لا تحقق عدالة الأجر ومماطلة العمال في الحصول على حقوقهم .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بسند حسن ..

العنصر الرابع : قصة الحياة الدنيا أشبه بالزرع والنبات
إن قصة الحياة الدنيا أشبه بالزرع والنبات تماما كما صورها القرآن الكريم . بداية من زرع البذر فينبت ،ثم يخضر ، ثم يزهر ، ثم يثمر ، ثم يصفر ، ثم يصير حطاما أو هشيما تذروه الرياح . وهكذا الإنسان يبدأ ضعيفا ثم يقوى في سن الشباب ثم يكون ضعيفا في مرحلة الشيخوخة ، ثم يموت فيصير ترابا لكن الفرق أن في الآخرة حساب للبشر ، عذاب ومغفرة من الله ورضوان .
قال الله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ سورة الحديد آية رقم ٢٠.
وقال تعالى (وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّيَٰحُ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ مُّقْتَدِرًا) سورة الكهف آية رقم ٤٥.
وربما يموت الإنسان قبل سن الشيخوخة كما ينتهى النبات الأزهر أو الأخضر فيأكله الناس أو الدواب كما في قوله جل شأنه : ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ سورة يونس: 24].
عجبا للناس لو فكروا وحاسبوا أنفسهم وابصروا
عجبت للإنسان في فخره وهو غدا في قبره يحشر
لا فخر إلا فخر أهل التقى غدا إذا ضمهم المحشر .
ًوالنبي صلى الله عليه وسلم قد رفع من شأن الغرس والزراعة حتى آخر لحظات الحياة وأهوال الآخرة ، ولم يوجد مثل هذه الدعوة في أي ملة من الملل ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ) .
رواه الإمام أحمد وغيره بإسنادٍ صحيحٍ.

العنصر الخامس : ضرورة إخراج زكاة الزروع وسائر أنواع الزكاة .
إخوة الإسلام يجب على المزارع إخراج زكاة الزروع لا سيما ونحن في موسم حصاد القمح وغيره عملا بقول الله جل في علاه : (وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنشَأَ جَنَّٰتٍۢ مَّعْرُوشَٰتٍۢ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍۢ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُۥ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍۢ ۚ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِۦٓ إِذَآ أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُۥ يَوْمَ حَصَادِهِۦ ۖ وَلَا تُسْرِفُوٓاْ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ) سورة الأنعام آية رقم ١٤١. الإسراع الإسراع بإخراج زكاة الزروع والثمار يوم الحصاد كما أمر الرحمن سبحانه وتعالى ، معاونة للفقراء والمساكين والمحتاجين ، وتقدر زكاة الزروع والثمار بنصف العشر لما يسقى بالآلة ، ونصاب الزكاة خمسة اوسق (خمسون كيلة بالميكال المصري) عليها زكاة : كلتين ونصف . والحذر كل الحذر من البخل وعدم إخراج الزكاة ؛ لأن منعها سبب لعدم البركة في الدنيا ، والوبال وعذاب الله في الآخرة .

قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة آل عمران آية رقم ١٨٩.

وسع الله ارزاقكم ، وبارك في اقواتكم وأبدانكم وأولادكم..

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك واكفنا بفضلك عمن سواك ، اللهم عليك بالصهيانة المعتدين ، اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم هدفا ولا غاية ، واجعل بلدنا مصر آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين ، وارزقنا فيها وأولادنا من الخيرات والبركات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *