دَفعُ وَهمٍ
23 أبريل، 2025
منهج الصوفية

بقلم الشيخ / مصطفى القاضى
يُورِدُ بَعضُ النَّاسِ الحَدِيثَ القُدسِيّ:” مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَد آذَنتُهُ بِالحَرب”، كُلَّمَا رَدَدتَ عَلَى خَطَأِ شَيخٍ يَعتَقِدُونَ بِهِ الوِلَايَةَ لِتَخوِيفِ النَّاسِ مِنْ رَدِّ خَطَئِه، وَهَذَا وَهمٌ أَو إِيهَامٌ مِنهُم، وَإِيرَادٌ لِلحَدِيثِ فِي غَيرِ مَحَلِّه..
فَـ عَلَى فَرَضِ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الشَّيخِ المَردُودِ عَلَيهِ = فَإِنَّ الرَّدَّ عَلَى خَطَأٍ صَدَرَ مِنهُ لَيسَ مُعَادَاةً لَهُ وَلَا مَمنُوعًا، بَل إِنَّ بَيَانَ الصَّوَابِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ يَعرِفُه..
وَقَد تَكَلَّمَ عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ الله تَعَالَى عَنهُم فِي الحَدِيثِ المَذكُور، وَبَيَّنُوا مَعنَى مُعَادَاةِ الوَلِيِّ وَأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِمُعَادَاتِهِ لِأَجلِ وِلَايَتِهِ وَقُربِهِ مِنَ الله تَعَالَى، وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَى خَطَئِه، أَو مُطَالَبَتُهُ بِحَقّ، أَو كَشفُ غَامِض، فَلَيسَ مِنْ مُعَادَاتِهِ فِي شَيء..
قَالَ سَيِّدي الإِمَامُ ابنُ حَجَرٍ العَسقَلَانِيُّ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنهُ فِي الفَتح:” قَولُه:” عَادَى لِي وَلِيًّا”، أَيِ اتَّخَذَهُ عَدُوًّا، وَلَا أَرَى المَعنَى إِلَّا أَنَّهُ عَادَاهُ مِنْ أَجلِ وِلَايَتِه، وَهُوَ وَأَنْ تَضَمَّنَ التَّحذِيرَ مِنْ إِيذَاءِ قُلُوبِ أَولِيَاءِ الله لَيسَ عَلَى الإِطلَاق، بَل يُستَثنَى مِنهُ مَا إِذَا كَانتِ الحَالُ تَقتَضِي نِزَاعًا بَينَ وَلِيَّينِ فِي مُخَاصَمَةٍ أَو مُحَاكَمَةٍ تَرجِعُ إِلَى استِخرَاجِ حَقٍّ أَو كَشفِ غَامِض، فَإِنَّهُ جَرَى بَينَ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ مُشَاجَرَة، وَبَيْنَ العَبَّاسِ وَعَلِيّ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الوَقَائِع”..
وَفِي فَتحِ المُبِينِ لِسَيِّدِي الإِمَامِ ابنِ حَجَرٍ الهَيتَمِيِّ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنه:” وَالكَلَامُ فِيمَن عَادَى وَلِيًّا مِنْ أَجلِ وِلَايَتِهِ وَقُربِهِ مِنَ الله تَعَالَى لَا مُطلَقًا، فَلَا تَدخُلُ مُنَازَعَتُهُ فِي مُحَاكَمَةٍ أَو خُصُومَةٍ رَاجِعَةٍ لِاستِخرَاجِ حَقٍّ أَو كَشفِ غَامِض، لِجَرَيَانِ نَوعٍ مِنَ الخُصُومَةِ بَينَ أَبِي بَكرٍ وَعُمَر، وَعَلِيٍّ وَالعَبَّاس، وَكَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رِضوَانُ الله تَعَالَى عَلَيهِم، مَعَ أَنَّ الكُلَّ أَولِيَاءُ الله تَعَالَى”..
فَلَا حُجَّةَ لِمَن يُوهِمُ مُعَادَاةَ الأَولِيَاءِ بِسَبَبِ رَدٍّ عَلَى ضَلَالَةِ شَيخِهِ أَو خَطَئِه، بَل إِنَّ الوَلِيَّ لَا يَرضَى أَنْ يُسكَتَ عَنْ خَطَأٍ صَدَرَ مِنه، وَإِنَّ رَدَّكَ عَلَى خَطَئِهِ يُفرِحُهُ وَيُسعِدُ