الصحبة في الطريق

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : فواز الطباع الحسني
عميد رواق ودار الإمام أحمد الرفاعي رضي الله عنه بالاردن

قال الإمام الرواس رضي الله تعالى عنه :

صاحب أولي الذوق واغنم من مجالسهم      أسرار   اوقاتهم  إن كنت ذا نظر

واجعل  لقلبك  عينا  في  محاضرهم       تطوف بالصدق بين السمع والبصر

هذي  الفلاة  بها  الأحجار  طافحة        رطيبة وكمين    القدح   في   حجر

فإن  تراهم   بلمس   كلها  اتحدت         ونكتة القدح     تبدي   كامن الشرر

فاقدح بزند خشوع  في    محاضرهم          قلوبهم   لترى    جلجالة       الأثر

وإن سمعت   وما حققت   أو نظرت          عيناك وهماً جهلت    الخبر  بالخبر

كم من بعيد  رآهم   قرب   رتبته          يا رب في الماء تبدو  صورة  القمر

قال الإمام الرواس رضي الله تعالى عنه :

إذا جالست العالم فاحفظ اللسان، وإذا جالست العارف فاحفظ القلب .

قال الإمام إبراهيم الراوي رضي الله تعالى عنه :

الصحبة : هي الطريق الأسوى والسبب الأقوى في حصول ثمرة السلوك وبها يصل المملوك إلى درجات الملوك قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المبين . (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) ، وقال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) ، وقال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وقال عليه الصلاة والسلام: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” رواه أبو داود والترمذي والحاكم وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وورد أيضاً “الصحبة مع العاقل زيادة في الدين والدنيا والآخرة والصحبة مع الأحمق نقصان في الدين والدنيا وحسرة وندامة عند الموت وخسارة في الآخرة” وورد أيضاً “ما أحدث عبد أخاً في الله عز وجل إلا أحدث الله له درجة في الجنة” رواه ابن أبى الدنيا .                          

 قال قدوتنا السيد أحمد الرفاعي قدس سره:                                              

 ذكر الله يثبت في القلب ببركة الصحبة ( المرء على دين خليله )  عليكم بنا صحبتنا ترياق مجرب والبعد عنا سم قاتل ، أي محجوب تزعم انك اكتفيت عنا بعلمك ، مالفائدة من علم بلا عمل، ما الفائدة من عمل بلا إخلاص ، الإخلاص على حافة طريق الخطر ، من ينهض بك إلى العمل ، من يداويك من سم الرياء من يدلك على الطريق الأمين ، بعد الإخلاص (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، هكذا أنبأنا العليم الخبير ، وقال أيضا لازم أبوابنا ، أي محجوب فان كل درجة وآونة تمضي لك في أبوابنا درجة وأنابه إلى الله تعالى صحت أنابتنا إلى الله . قال الله  تعالى (واتبع سبيل منأناب)انتهى                                                          

ثم أن كلا من الصاحب والمصحوب ، أما أن يكون شيخا ، وأما أن يكون أخا ، وأما أن يكون مريدا فان كان شيخا فينبغي أن يكون مرشدا كاملا متشرعاً متدينا عارفا في أصول الطريقة وأركانها وآدابها وخلواتها وجلوتها وأذكارها وأسرارها وسلوكها مطابقا للشرع الشريف في أقواله وأفعاله وأحواله ، عاريا من الكبر والعجب والحقد والحسد والكذب خالياً من دسائس النفس متواضعا ذا حرمة للفقراء والمشايخ والغرباء ، طلق اللسان في تعريف السلوك ، غير عي في الجواب . مهذب الأخلاق صاحب قلب ولسان ثابت قدم متسلسلاً بإجازة مربوط واصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيدي أحمد عز الدين الصياد  قدس الله سره : اعلم أن من تصدر  للمشيخة في هذه الطريقة العليه الرفاعية فقد جلس على بساط النيابة عن شيخ الأمة سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه . فيجب عليه أن يكون عالما بما أمره الله ونهاه عنه فقيها في الأمور التعبدية حسن الأخلاق طاهر العقيدة عارفا بأحكام الطريقة سالكا مسلكا كاملا شيخا زاهد متواضعا حمولا للأثقال صاحب وجد وحال وصدق مقال ذا فراسة وطلاقة لسان في تعرف أحكام الطريقة متبرئاً عن عوائق الشطح طارحا ربقة الدعوى والعلو محبا لشيخه حافظا شأن حرمته في حياته وبعد مماته يدور مع الحق أين ما دار منصفا في أقواله وأفعاله متكلا على الله في جميع أحواله .                                                                            

وذكر شيخنا السيد محمد أبو الهدى حفظه الله في كتابه العقد النضيد في آداب الشيخ والمريد  فقال : وينبغي أن يتصف الشيخ المسلك باثنتي عشرة صفة صفتان من حضرة الله تعالى وهما الحلم، والستر .
وصفتان من حضرة الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه  وهما :  الصدق والتصديق . وصفتان من حضرة الفاروق الأعظم رضي الله تعالى عنه و هما :  الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .                                                         

 وصفتان من حضرة عثمان ذي النورين  رضي الله عنه  وهما : الحياء والتسليم . وصفتان من حضرة علي الكرار رضي الله عنه وهما : الزهد الأتم والشجاعة . ومتى اتصف الشيخ بهذه الأوصاف وتمكن قدمه وذكت شيمه صلح أن يكون قدوة في الطريق.                                                                                            

 وقد نقل نحو ذلك أيضا عن حضرة السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره ومن كلامه رضي الله عنه وارضاه في وصف الشيخ المرشد . هذه الأبيات الشريفات:

إذا لم يكن للشيخ  خمس  فوائد    وإلا   فدجال يقود  إلى    الجهــل

عليم بأحكام  الشريعة  ظاهرا     ويبحث عن علم الحقيقة عن اصل

ويظهر للوراد بالبشر  والقرى    ويخضع للمسكين  بالقول والفعـل

فهذا هو الشيخ المعظم   قـدره     عليم بأحكام    الحرام  من  الحـل

يهذب طلاب الطريقة ونفسـه     مهذبة   من   قــبل  ذو كرم  كـلي

انتهى .                                                                                   

 واذا كان الصاحب أو المصحوب أخا فينبغي أن يكون محباً  لإخوانه يبادر الى خدمتهم ، واقفا على حاجاتهم  بانشراح صدر وفرح وسرور متلذذا بخدمتهم ، ىباذلا جهده في رضاهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الخادم في أمان الله ما دام في خدمة أخيه المؤمن”.                                                                                

 قال سيدنا الخاشع الخاضع الداعي السيد أحمد الكبير الرفاعي  رضي الله عنه :    

إصحب منَ الأخوان من قلبه     أصفى مِنَ  الياقوت والجوهر

ومن إذا    سرك    أودعتــه     لــم يظـهر السر إلى  المحشر

ومن إذا    أذنبت  ذنبا   أتى     معتـذرا عنـك   كمستــــــغفر

ومن إذا  غيبت  عـن  عينه      أقلقه  الشـوق  ولـم يصــــبر

  أنتهى.

 أين هذا الأخ وأين هؤلاء الأخوان نسأل الله عز وجل أن يبارك فيهم وأن يعمر بهم هذه البسيطة  لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله فيلزم على الداخل تحت تربية المرشد أن يكون مراعياً لإخوانه محباً لهم ولا يخص نفسه بشيء دونهم ويحب لهم ما يحب لنفسه، يعودهم إذا مرضوا ويسأل عنهم إذا غابوا ويبتدرهم بالسلام وطلاقة الوجه ويراهم خيراً منه ويطلب منهم الرضا ولا يزاحمهم على أمر دنيوي ويوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويتعاون معهم على حب الله ، وليجعل رأس ماله مسامحة إخوانه ، وأن يصرف همته للفناء فيه في المرشد بصدق العهد وكمال الود وأن لا ينقطع عنه بالشبه والعوارض النفسانية وأن لا يصرف عنان الفكر لانتقاد أحواله وأقواله فمن لم يكن كذلك من المريدين لا يفلح لان اللازم على المريد أن يدخل باب القوم رضي الله عنهم، بفناء النفس . والأعراض عن الدنيا  بالكلية والأعراض عن الخلق والأدب والانفراد إلى الله بقلبه وملازمة الكتاب والسنة ، وخلع ثوب الحقد والحسد والكبر ، وأن يعود نفسه على الخدمة والمداومة على ذكر الله والتفويض له بالرضا في جميع الأحوال ، ومحبةِ الأخوان والمسلمين والقيام بحقوق الله والتوكل على الله ، والعصمة بالله والالتفات عن غير الله وعدم التفاخر ، وترك الدعوى ، وستر الأحوال ، وكتمان الأسرار . والسخاوة والسياحة ، وبذل المال . والجاه في طريق الله وترك البخل والحرص . وموافقة الأطباع على ما به موافقة الشرع ، وإعانة الفقراء واحترام الغرباء وعدم الإنكار على أحد من أهل  الطرائق كلها لافي الباطن ولا في الظاهر .

ثم قال فإذا دخل من باب القوم رضي الله عنهم ، بهذه الأوصاف فاللازم عليه أن يلبس خرقه التوبة والتسليم للمرشد ، وأن يجاهد نفسه على التخلص من الأخلاق الرديه . والدخول في الطباع المرضية ، وأن يلبس الزي المشروط عند السادات الرفاعية وهو التاج الأبيض ،المعبر عنه بالعرقية ، والزي الأسود المائل للخضرة ، وأن يتغرب ولو أياما قليلة ، وأن تكون تلك الغربة بأمر المرشد .
وأن يجبر نفسه على الإنفراد للشيخ بترك أحبابه الأوائل. لكي لا يشغلونه عن خدمة المرشد
قال الشيخ عمر بن الفارض قدس سره :       

وقاطع لمن واصلت أيام غفلة     فما وصل الأحباب من لا يقطع

وأن يترك الكلام فيما لا يعنيه وان يتركه قطعا بحضرة المرشد وأن يحفظ نفسه من الإنكار على حال من أحواله . وأن لا يجادله ولا يسأله وان ينزع رداء اللعب في حضرته وأن يلبس ثوب الحياء والخشية والأدب بمجلسه دائما وأن ينسلخ عن الرياء وطلب السمعة والشهرة في السلوك فان الرياء وطلب السمعة يفسدان العمل الكثير ويجلبان الخيبة  فان أتم بخدمة المرشد معرفة هذه الخصال فاذا اتصف بهذه الاوصاف وتخلق بها او بجلها . وتم له القبول في قلب الشيخ وحصل له الرضا من حضرته . حينئذٍ يفتح له باب السير في الطريق .                                                                                                           

قال القطب الرباني الشيخ قاسم الخاني قدس سره، في كتابه السير والسلوك :      

ومن علامة المريد القابل أن يكون ساخطا على نفسه إن سب فلا يسب إلا لها.  وإن تألم فلا يتألم إلا عليها . وان غضب فلا يغضب ألا عليها . ومن لم يكن كذلك فهو ليس من سالكي طريق المقربين . ومن علامة المريد القابل أن يكون حزين القلب منكس الرأس كمن أصابه مصيبة لا تتدبر وإذا انشرح وانبسط كان انشراحه وانبساطه كصاحب هذه المصيبة . انتهى

قال الإمام الرواس رضي الله تعالى عنه :

حكم هذا  الطريق   عند  الرجال     حفظ شأن الاستاذ في كل حال

ثم  تقديمه       على   كل  شيخ     عارف بمراتب    القوم  عال

واعتقاد ارتقائه في طريق  اللـــ      ــه أعلى    منصة   الاجلال

وصحيح       اتباعه     بسلوك     سنة   في  الافعال  والاقوال

واذا ما انتظمت في   عهد  شيخ     زد به  عن  ابيك  بالاحتفال

فأبوا الروح عن ابي الجسم عالٍ    هكذا مذهب الشيوخ الاعالي

قال الشيخ عبد القادر عيسى في كتابه حقائق عن التصوف :

الطريق العملي الموصل لتزكية النفوس والتحلي بالكمالات الخلقية هو صحبة الوارث المحمدي والمرشد الصادق الذي تزداد بصحبته إيماناً وتقوى وأخلاقاً، وتشفى بملازمته وحضور مجالسه من امراضك القلبية وعيوبك النفسية، وتتأثر شخصيتك بشخصيته التي هي صورة عن الشخصية المثالية، شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم .                                                                    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *