أين نحن من ضمائرنا؟ وأين هي منا؟

بقلم الدكتورة : حنان محمد ( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

روى أحمدُ بسند صحيح من حديث وابصة بن معبد قال: أتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أريد ألا أدعَ شيئًا من البِرِّ والإثم إلا سألتُه عنه، فقال لي: ((ادنُ يا وابصة))، فدنوت منه حتى مسَّتْ ركبتي ركبته، فقال: ((يا وابصةُ، أخبرك ما جئت تسأل عنه أو تسألني؟))، قلت: يا رسول الله، أخبِرني، قال: ((جئتَ تسألني عن البِر والإثم))، قلت: نعم، فجمع أصابعه الثلاث فجعَل ينكت بها في صدري ويقول: ((يا وابصة، استفتِ نفسك، البر ما اطمأنَّتْ إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب، وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناسُ وأفتَوْك)).

متى ما كان الضمير حيًّا، ومتى ما كان الإيمان قويًّا، ومتى ما كان الرقيب متنبهًا، كان للمسلم جهازُ استشعار دقيق وحساس، يميز به البرَّ من الإثم، والصالح من الطالح، والنافع من الضار، لكن إذا مات الضمير، وقُتِل الرقيب، وضعُف الإيمان، فكيف للقلب السقيم أن يميز البِرَّ والإثم؟!

إننا نتكلم عن أجهزة الاستشعار التي يتعرف من خلالها المسلم على ما ينفعُه أو يضره، إننا نتكلم عن أجهزة الإنذار المبكر التي تميز الإنسانَ عن بقية المخلوقات، إننا نتكلم عن الضمير الحي… تلك القوة الداخلية التي تدفع الإنسانَ لفعل الخير، وتردعُه عن فعل الشر.

كم تعجبني تلك العبارة التي تكتب في طرقات بعض البلدان: (أنت لست وحدك.. كلنا نراك)، وهي رسالةٌ واضحة لإيقاظ هذا الضمير، فإذا عرفتَ أننا نراك فلا تخالف في الشارع، ولا تُلقِ بالقمامة على الأرصفة، ولا تقطع إشارة المرور، إذا عرفت أننا نراك فلا تُسِئْ في أفعالك، إذا عرفت أننا نراك فلا تُتلف ممتلكات الدولة أو ممتلكات الآخرين، إذا عرفت أننا نراك فأدِّ عملَك على أفضلِ صورة.

الضمير الحي هو ركنُ الرقابة في داخل كل إنسان، والضمير الحي هو القاضي والشُّرطي ورجل الأمن وموظَّف البلدية، الضمير الحي هو ميزان الحق والباطل، والصواب والخطأ.

الأمم لا تتقدم وترتقي بكثرة القوانين واللوائح والقرارات، إنما ترتقي برقيِّ الضمائر

بعض الناس ماتت ضمائرهم، والبعض نامت ضمائرهم، وآخرون تعفَّنت ضمائرهم، وهناك مَن باع ضميره

ما أحوجنا إلى إيقاظ الضمير؟
ما أحوجنا إلى إحياء الضمير؟
ما أحوجنا إلى تنبيه الضمير؟
ليعود بالمسلم إلى حياته عاملاً فاعلاً متواصلاً مثمِرًا مجتهدًا.

الضمير الحي هو ما تحتاجه الأمة من أبنائها… فهلمُّوا إلى حملة إحياء الضمير؛ لنعيد للأمة حاضرها، ونمتلك زمام المستقبل.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *