خطبة بعنوان ( فضل العلم والعلماء 1) لفضيلة الشيخ ثروت سويف


خطبة بعنوان ( فضل العلم والعلماء)

( إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا)

لفضيلة الشيخ : ثروت سويف

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه

magales alelm sarwat2


18 أبريل 2025م الموافق 19 شوال 1446ه‍

 

إقرأ في هذه الخطبة
أولا: العلم يقدم علي العبادة
ثانياً : فضل العلم والعلماء

الخطبة الاولي
الحمد لله الذي علم بالقلم وعلم الإنسان ما لم يعلم وامتنَّ على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالعلم فقال له : ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ [النساء: 113].

فالحمد لله الذي بلغنا المراما وزادنا من فضله إكراما وأنعم علينا بالعلم والإيمان والإحسان في كل زمان ومكان

واشهد ان لا اله الا الله العليم الرحمن الذي علم القران وخلق الانسان فعلمه البيان فبقدرته وعلمه الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان والارض بسطها للأنام وانبت فيها فاكهة وحب ونخل ورمان فباي الاء ربكما تكذبان

واشهد ان سيدنا محمدا النبي الأمي العدنان الذي فجر من الجزيرة الغبراء العلم للدنيا، ونادى بالعلم والايمان الذي رفع الكلمة للبشرية فأسمع الدنيا، بافصح لسان والأمي الذي خطب على منبر الحياة فسمعت منه الأجيال اعظم بيان
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً الي يوم الحق والفرقان

أمَّا بعد
فحديثنا اليوم عن العلم وإنه لنور للبشر ورفعة للأمم
وان العلم نور يستضيء به العبد فيعرف كيف يعبد ربه ، وكيف يعامل عباده ، فتكون مسيرته في ذلك على علم وبصيرة .

قال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي………فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم: بأن العلم نور………ونور الله لا يؤتاه عاصي

أن العلم نور يهتدي به الناس في أمور دينهم ودنياهم ،ولا يخفى على كثير من قصة الرجل الذي من بني إسرائيل قتل تسعاً وتسعين نفساً فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على رجلٍ عابد فسأله هل له من توبة ؟ فكأن العابد إستعظم الأمر فقال: لا فقتله فأتم به المئة، ثم ذهب إلي عالم فسأله فأخبره أن له توبة وأنه لا شيء يحول بينه وبين التوبة، ثم دلّه على بلد أهله صالحون ليخرج إليها فخرج فأتاه الموت في أثناء الطريق …..والقصة مشهورة فأنظر الفرق بين العالم والجاهل .

أولا : العلم يقدم علي العبادة
اعلم ان جميع الخلق يشتركون في نعوتٍ متشابهة في الأصل والخلقة ويتبقى فضل العلماء مميزاً لهم بين الناس كأنهم شامةٌ في جبين المجتمع على الدوام
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { يسير الفقه خير من كثير العبادة }
يرفع الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى سيدنا علي بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه قوله:
والناس من جهة التمثيل أكفاءُ أبوهم آدمٌ والأم حوَّاءُ
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مشاكلةٌ وأعظمٌ خلقت فيهم وأعضاءُ
فإن يكن لهم من أصلهم نسبٌ يفاخرون به فالطين والماءُ
ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وحسب كل امرئٍ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
ففز بعلمٍ تعش حيَّاً به أبداً الناس موتى وأهل العلم أحياءُ
وقيل مجلس علم خير من عبادة ستين سنه

وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة }
روى أن عابداً من بني إسرائيل كان يعبد الله سبحانه وتعالى في صومعة فوق الجبل ، وذات يوم خرج كعادته لكي يتجول متأملاً في ملكوت الله تعالى حول صومعته ، وأثناء تجوله هذا رأى في طريقه جثة آدمي تنبعث منها رائحة كريهة ، فمال العابد إلى اتجاه آخر حتى يتفادى شم هذه الرائحة . عند ذلك ظهر له الشيطان في صورة رجل من الصالحين الناصحين ، وقال له : لقد تبخرت حسناتك ولم يعد لك رصيد منها عند الله فقال له العابد : ولم ؟ قال : لأنك أبيت أن تشم رائحة آدمي مثلك . وعندما ظهر الألم على وجه العابد قال له الشيطان
مشفقاً وناصحاً إذا أردت أن يغفر الله لك زلتك فإني ناصحك بأن تصطاد فأراً جبلياً وتعلقه في رقبتك على أن تعبد الله به طوال حياتك . ونفذ العابد الجاهل نصيحة الشيطان الذي كان يتحين له الفرص ؛ فاصطاد الفأر الجبلي ، وظل يتعبد به حاملاً النجاسة أكثر من ستين عاماً إلى أن مات ( فبطلت كل عبادته ) . وقد ورد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال معلقاً على الخبر :” مسألة علم ـ أو مجلس علم ـ خير من عبادة ستين سنة “.

ثانياً : فضل العلم والعلماء
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:«أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ»: «قال الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ»
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فقيه واحد أفضل عند الله من ألف عابد }
وعن علي رضي الله عنه : ( العالم أعظم أجرا من الصائم القائم الغازي في سبيل الله )
وقالا : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” إذا جاء الموت طالب العلم ، وهو على هذه الحال مات وهو شهيد . ” .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : ( لأن أعلم بابا من العلم في أمر ، ونهي ، أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله ) ،
وعن أبي الدرداء : ( مذاكرة العلم ساعة خير من قيام ليلة )
وعن الحسن البصري ، قال : لأن أتعلم بابا من العلم فأعلمه مسلما أحب إلي من أن تكون لي الدنيا كلها في سبيل الله تعالى

قيل فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد

وروي عن عبد القادر الجيلاني رحمه الله أنه كان يمشي ذات يوم في الصحراء فتراءى له نور عظيم في الأفق ثم سمع صوتاً ينادي يا عبد القادر أنا ربك وقد أحللت لك المحرمات فقال له : اخسأ يا لعين . فإذا بهذا النور ينقلب ظلاماً وإذا بالصوت يقول له يا عبد القادر لقد نجوت مني بعلمك بأمر ربك وفقهك ولقد أضللت بمثل هذه سبعين من كبار العباد ولولا علمك لضلك مثلهم .
وعن يحيى بن أبي كثير : دراسة العلم صلاة .

وعن سفيان الثوري ، والشافعي : ( ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم )
وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة : “أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم ، وأهل الجهاد فالعلماء دلوا الناس على ما جاءت به الرسل ، وأهل الجهاد جاهدوا على ما جاءت به الرسل”

عباد الله إن العلماء ورثة الأنبياء والمرسلين فعن سفيان بن عيينة : “أرفع الناس عند الله تعالى منزلة من كان بين الله وعباده ، وهم الرسل ، والعلماء .”
وعن سهل التستري : “من أراد النظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء فاعرفوا لهم ذلك .”
وفي الحديث: “من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع .” رواه الترمذي

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ حَتَّى الحِيتَانُ فِي المَاءِ ، وَفَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ ، كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ ، إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ” الترمذي

روى عن عيسى عليه السلام كان ذات يوم يقف فوق الجبل فجاءه إبليس وقال له : ألستم تقولون إن الإنسان إذا أراد الله له الموت لابد من موته ؟ قال : نعم . قال : وإلا . قال : فلن يموت . عند ذلك قال إبليس ـ عليه اللعنة ـ لسيدنا عيسى عليه السلام : إذن فاقذف بنفسك من فوق الجبل فإن كان الله قد أراد لك الموت فستموت وإلا فلا . فقال له سيدنا عيسى عليه السلام : اخسأ يا لعين إن لله تعالى أن يمتحن عبده وليس للعبد أن يختبر ربه .

– وروي أن الشافعي رحمه الله كان يجلس ذات يوم في مجلس الدرس فإذا بإبليس عليه اللعنة يجلس بين تلاميذه في صورة رجل منهم ثم يوجه إليه هذا السؤال : ما قولك فيمن خلقني كما اختار واستخدمني فيما اختار وبعد ذلك إن شاء أدخلني الجنة وإن شاء أدخلني النار .. أعدل في ذلك أم جار ؟ وبنور من الله عرفه الشافعي فأجابه قائلاً : يا هذا إن كان خلقك لما تريد أنت فقد ظلمك وإن كان خلقك لما يريد هو فلا يسئل عما يفعل .

– روي أن رجلاً من بني إسرائيل صام سبعين سنة يفطر في سنة سنة سبعة أيام فسأل الله تعالى أن يريه كيف يغوي الشيطان الناس فلما طال عليه ذلك ولم ير هذا ، قال : لو اطلعت على خطيئتي وذنبي بيني وبين ربي لكان خيراً لي من هذا الأمر الذي طلبته فأرسل الله إليه ملكاً فقال له : إن الله أرسلني إليك وهو يقول لك : إن كلامك هذا الذي تكلمت به أحب إلي مما مضى من عبادتك وقد فتح الله ببصرك فانظر ، فنظر فإذا جنود إبليس قد أحاطت بالأرض وإذا ليس أحد من الناس إلا والشياطين حوله كالذئاب فقال يا رب فمن ينجو من هذا قال : الورع اللين .

و قيل إذا أصبح إبليس بث جنوده في الأرض فيقول من أضل مسلماً ألبسته التاج . فيقول له القائل من جنوده الشياطين : لم أزل بفلان حتى طلق امرأته . قال يوشك أن يتزوج . ويقول آخر : ولم أزل بفلان حتى عق والديه . قال : يوشك أن يبر . ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى زنا . قال : أنت ، ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى شرب الخمر ، قال : أنت . ويقول آخر : لم أزل بفلان حتى قتل . فيقول : أنت أنت . – وقيل إن الشيطان قال للمرأة : أنت نصف جندي وأنت سهمي الذي أرمي له فلا أخطئ وأنت موضع سري وأنت رسولي في حاجتي .

– عن الحسن قال : كانت شجرة تعبد من دون الله فجاء إليها رجل فقال : لأقطعن هذه الشجرة . فجاء ليقطعها غضباً لله فلقيه إبليس في صورة إنسان فقال : ما تريد ؟ قال : أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله . قال : إذاً أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها ؟ قال : لأقطعنها . فقال له الشيطان : هل لك فيما هو خير لك ، لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك . قال : فمن أين لي ذلك . قال : أنا لك فرجع فأصبح فوجد دينارين عند وسادته ثم أصبح بعد ذلك فلم يجد شيئاً فقام غضباً ليقطعها فتمثل له الشيطان في صورته وقال : ما تريد ؟ قال : أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله تعالى . قال : كذبت مالك إلى ذلك سبيل . فذهب ليقطعها فضرب به الأرض وخنقه حتى كاد أن يقتله ، قال : أتدري من أنا ؟ أنا الشيطان جئت أول مرة غضباً لله فلم يكن لي عليك سبيل فخدعتك بالدينارين فتركتها فلما جئت غضباً للدينارين سلطت عليك .
ويقال : إن إبليس لعنه الله ظهر لفرعون في صورة رجل وهو في الحمام فأنكره فقال له إبليس : ويحك أما تعرفني ؟ فقال : فكيف ؟ وأنت خلقتني ؟ ألست القائل : أنا ربكم الأعلى .

– وظهر إبليس لسليمان عليه السلام فسأله سليمان : أي الأعمال أحب إليك وأبغض إلى الله تعالى ؟ فقال : لولا منزلتك عند الله تعالى ما أخبرتك إني لست أعلم شيئاً أحب إلي من استغناء الرجل بالرجل (اللواط) واستغناء المرأة بالمرأة .
– كان هناك شخص يلعن إبليس كل يوم ألف فبينما هو ذات يوم نائم أتاه شخص وأيقظه وقال له : قم فإن الجدار سيسقط عليك . فقال له : من أنت الذي أشفقت علي هذه الشفقة ؟ فقال له : أنا إبليس . فقال له : كيف هذا وأنا ألعنك كل يوم ألف مرة ؟ فقال : هذا لما علمت من منزلة الشهداء عند الله تعالى فخشيت أن تكون منهم فتنال معهم كما ينالون . ( ملحوظة ـ صاحب الهدم أي الذي سيسقط عليه الجدار أو يموت تحت بناء يعتبر شهيداً لقوله (صلى الله عليه وسلم) :” الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله عز وجل “. (رواه مسلم )

ولكي يكون المرء متفوقا علميا هناك شروط يتوفر بها علم الطالب، وينتهي معها كمال الراغب، مع ما يلاحظ به من التوفيق ويمد به من العون فإذا استكمل هذه الشروط؛ فهو أسعد طالب وأنجح متعلم وكذلك عليه أن يتأدب مع معلمه ويوقره ويحترمه ويعترف بفضله قال بعض العلماء: من لم يتحمل ذل التعلم ساعة؛ بقي في ذل الجهل أبداً.

واليك هذه الشروط
أولها: العقل الذي يدرك به حقائق الأمور.
الثاني: الفطنة التى يتصور بها غوامض العلوم.
والثالث: الذكاء الذي يستقر به حفظ ما تصوره وفهم ما علمه.
الرابع: الرغبة التي يدوم بها الطلب ولا يسرع إليها الملل.
والخامس: الاكتفاء بمادة تغنيه عن كلف الطلب.
والسادس: الفراغ الذي يكون معه التوفر ويحصل به الاستكثار.
السابع: عدم القواطع المذهلة من هموم وأشغال.
الثامن: الظفر بعالم سمح بعلمه متأن في تعليمه.
التاسع : ان يفيد بلده والبشرية بعلمه
العاشر : ان يرعي الله في علمه ويراقبه

أما عن فضل العلماء فحدث ولا حرج
إن العلماء هم أشد الناس خشية لله قال تعالى : { إنما يخشى الله من عباده العلماء }
وفى حديث: “فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.” فقد أخرجه الترمذي
ان فضائل العلم كثيرة وفضائل العلماء غزيرة
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: “الدُّنيا مَلعونةٌ، مَلعونٌ ما فيها ؛ إلَّا ذِكْرُ اللهِ و ما والاهُ، و عالِمًا و مُتعلِّمًا” الترمذي

اعلم ان جميع الخلق يشتركون في نعوتٍ متشابهة في الأصل والخلقة ويتبقى فضل العلماء مميزاً لهم بين الناس كأنهم شامةٌ في جبين المجتمع على الدوام، يرفع الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه إلى سيدنا علي بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه قوله:
والناس من جهة التمثيل أكفاءُ أبوهم آدمٌ والأم حوَّاءُ
نفسٌ كنفسٍ وأرواحٌ مشاكلةٌ وأعظمٌ خلقت فيهم وأعضاءُ
فإن يكن لهم من أصلهم نسبٌ يفاخرون به فالطين والماءُ
ما الفضل إلا لأهل العلم أنهم علي الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وحسب كل امرئٍ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
ففز بعلمٍ تعش حيَّاً به أبداً الناس موتى وأهل العلم أحياءُ

ومن أهم فضائل العلم ما يلي :-
(1) أنه إرث الأنبياء، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ بالعلم فقد أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء
في السنن الأربعة إلا النسائي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقا ً يلتمس فيه علما ً سهل الله له طريقا ً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا ً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ً ولا درهما ً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»

في صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم إذ أوتيت بقدح فيه لبن، فشربت حتى إني لأرى الري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم»

(2) أنه يبقى والمال يفنى ولقد عقد ابن القيم – رحمه الله تعالى – مقارنة بين العلم والمال يحسن إيرادها في هذا المقام فقد فضل العلم على المال من عدة وجوه أهمها:
أن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث الملوك والأغنياء .
أن العلم يحرس صاحبه وصاحب المال يحرس ماله.
أن العلم يزداد بالبذل والعطاء والمال تذهبه النفقات – عدا الصدقة.
أن العلم يرافق صاحبه حتى في قبره والمال يفارقه بعد موته إلا ما كان من صدقة جارية .
أن العلم يحكم على المال فالعلم حاكم والمال محكوم عليه.
أن المال يحصل للبر والفاجر والمسلم والكافر أما العلم النافع فلا يحصل إلا للمؤمن.
أن العالم يحتاج إليه الملوك ومن دونهم وصاحب المال يحتاج إليه أهل العدم والفاقة والحاجة.
أن صاحب المال قد يصبح معدماً فقيراً بين عشية أو ضحاها والعلم لا يخشى عليه الفناء إلا بتفريط صاحبه.
أن المال يدعو الإنسان للدنيا والعلم يدعوه لعبادة ربه.
أن المال قد يكون سبباً في هلاك صاحبه فكم أختطف من الأغنياء بسبب مالهم !! أما العلم ففيه حياةٌ لصاحبه حتى بعد موته.
سعادة العلم دائمة وسعادة المال زائلة.
أن العالم قدره وقيمته في ذاته أما الغني فقيمته في ماله.
أن الغني يدعو الناس بماله إلي الدنيا والعالم يدعو الناس بعلمه إلي الآخرة.

(3) أنه لا يتعب صاحبه في الحراسة، لأنه إذا رزقك الله علماً فمحله القلب لا يحتاج إلي صناديق أو مفاتيح أو غيرها هو في القلب محروس وفي النفس محروس وفي الوقت نفسه هو حارس لك لأنه يحميك من الخطر بإذن الله – عز وجل – فالعلم يحرسك ولكن المال أنت تحرسه تجعله في صناديق وراء الإغلاق ومع ذلك تكون غير مطمئن عليه والعلم يزكوا بالانفاق والمال يقل .

قال كميل بن زيادٍ:
” أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبان فلما أصحر تنفس صعداء ثم قال لي يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها للعلم احفظ عني ما أقول لك الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق يا كميل بن زياد العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال المال ينقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق يا كميل بن زياد محبة العالم دين يدان تكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ومنفعة المال نزول بزواله العلم حاكم والمال محكوم عليه يا كميل مات خزان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة وإن هاهنا وأشار إلى صدره لعلماً جماً لو أصبت حملة بلى أصبت لقنا غير مأمون يستعمل آلة الدين بالدنيا وذكر الحديث ” (ابن عساكر في تاريخ دمشق 50/215)

(4) أن الإنسان يتوصل به إلى أن يكون من الشهداء على الحق والدليل قوله تعالى: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ) ( آل عمران، الآية: 18 )، فهل قال: ” أولو المال ؟ لا بل قال ” وأولو العلم قائماً بالقسط ” فيكفيك فخراً يا طالب العلم أن تكون ممن شهد لله أنه لا إله إلا هو مع الملائكة الذين يشهدون بوحدانية الله عز وجل .

(5) أن أهل العلم هم اهل االمثابرة والخشية فيجعلَ الله للعلماء مقامَ الخشيةِ الحقَّة منه؛ لأنّ العلم أرشَدَهم إلى كمالِ قدرته وعظيمِ قوّتِه وبديعِ صِفاته، فزادَهم ذلك هيبةً منه وإجلالاً له، فقال عزّ مِن قائل: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] روي الطبراني وابن عبد البَّر. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تعلّموا العلم فإنَّ تعلُّمه حسنة، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنَّه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل أهل الجنّة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السّرّاء والضّرّاء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاّء، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادةً وأئمّةً، تُقتصُّ آثارهم، ويقتدى بأفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلّتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كلّ رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامّه، وسباع البرّ وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، وبه توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، وهو إمام العمل، والعمل تابعه، يلهَمه السعداء ويُحرمه الأشقياء”. حلية الاولياء ورواه ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله، وقال: “وهو حديث حسن

(6) أن أهل العلم هم القائمون على أمر الله تعالى حتى تقوم الساعة، ويستدل لذلك بحديث معاوية – رضي الله عنه – يقول سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم يقول:” من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله معطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي الله بأمره ” رواه البخاري 0 وقد قال الإمام أحمد عن هذه الطائفة:” إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ” وقال القاضي عياض – رحمه الله -: ” أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث ”

(7) أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يرغب أحداً أن يغبط أحداً على شيء من النعم التي أنعم الله بها إلا على نعمتين هما:

1- طلب العلم والعمل به.

2- التاجر الذي جعل ماله خدمة للإسلام عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، وَرَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ” صحيح البخاري

(8) ان العلم كالغيث للارض والعلماء للناس كالعافية ما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” مثل ما بعثني الله به من الهدي والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً فكان منها طائفة طيبة ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلاَّ فذلك مثل من فقه في الدين ونفعهُ ما بعثني اللهُ به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هُدى الله الذي أرسلتُ به ”

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ، وَعَلِّمُوهُا النَّاسَ، تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَالْعِلْمُ سَيَنْقُصُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي فَرِيضَةٍ لَا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا»(سنن الدارمي)

(9) أنه طريق الجنة كما دل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال :” ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلي الجنة ” رواه مسلم .

(10) من علم وتعلم فقد ارد الله به خيرا لما جاء في حديث معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من يرد الله به خيراً يُفقهه في الدين ” أي يجعله فقيهاً في دين الله عز وجل والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العملية المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط ولكن المقصود به هو: علم التوحيد وأصول الدين وما يتعلق بشريعة الله عز وجل ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم لكان كاملاً في الحثِّ على طلب علم الشريعة والفقه فيها.

(11) أن الله يرفع أهل العلم في الآخرة وفي الدنيا، أما في الآخرة فإن الله يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلي الله عزَّ وجلّ والعمل بما عملوا وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده بحسب ما قاموا به قال الله تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) ( سورة المجادلة، الآية: 11).
وليس هذا فقط فللعلم فضائل غيرها ومناقب وآيات وأخبار صحيحة مشهورة مبسوطة في طلب العلم .

عباد الله
روي الامام البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتّى إذا لم يبق عالم اتّخذ النّاس رؤوسا جهّالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا» ) * البخاري- الفتح 1 (100) واللفظ له. مسلم (2673) .

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ” لَمَوْتُ أَلْفِ عَابِدٍ قَائِمٍ اللَّيْلَ صَائِمٍ النَّهَارَ أَهْوَنُ مِنْ مَوْتِ الْعَاقِلِ الْبَصِيرِ بِحَلالِ اللَّهِ وَحَرَامِهِ “، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لإِبْلِيسَ: يَا سَيِّدَنَا مَا لَنَا نَرَاكَ تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَالِمِ مَا لا تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَابِدِ؟ فَقَالَ: انْطَلِقُوا، فَانْطَلَقُوا إِلَى عَابِدٍ قَائِمٍ يُصَلِّي، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَانْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ فَقَالَ: لا، فَقَالَ: أَتَرَوْنَهُ؟ كَفَرَ فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى عَالِمٍ فِي حَلْقَةٍ، يُضَاحِكُ أَصْحَابَهُ وَيُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: أَنَا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَقَالَ:سَلْ، فَقَالَ: هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَقُولُ لِذَلِكَ إِذَا أَرَادَهُ: كُنْ فَيَكُونُ، قَالَ إِبْلِيسُ: أَتَرَوْنَ ذَلِكَ؟ لا يَعْدُو نَفْسَهُ، وَهَذَا يُفْسِدُ عَلَيَّ عَالَمًا كَثِيرًا ] (يوسف بن عبد البر القرطبي / جامع بيان العلم وفضله.
وكما قيل:
العلم يرفع بيتا لا عماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف

بل قد يصل الأمر بالناس لخدمة العالم والسعي في إنهاء أموره وقضاء حاجاته كما قال الشافعي رحمه الله:
العلم من فضله لمن خدمه أن يجعل الناس كلهم خدمه

ولنا في قصتي داوود وسليمان عليهما السلام في سور القرآن الكريم منهج علم وحياة فهيا بنا نحلق مع هذا النور والبرهان يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين في سورة النمل

بسم الله الرحمن الرحيم ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) 15: (19) النمل

إِنَّ الاهْـتِمَامَ بِالْعِلْمِ وَالْعِنَايَةَ بِالْحَرَكَةِ التَّعْـلِيمِيَّةِ وبالتفوق العلمي يَفْتَحُ الأُفُقَ، وَيُوضِحُ الْمَسَالِكَ وَالطُّرُقَ، وَبِهِ يَتَحَقَّقُ التَّقَدُّمُ وَالرِّيَادَةُ، وَتُقَامُ أُسُسُ الْعَمَلِ وَالْعِبَادَةِ، لِذَا كَانَ اهْـتِمَامُ دِينِنَا الْحَنِيفِ بِالْعِلْمِ اهْـتِمَامًا بَالِغًا.
يَقُولُ الْمَوْلَى ـ جَلَّ وَعَلا:( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)

وَلَقَدْ قَامَتْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مُنْذُ سِنِيهَا الأُوْلَى حَرَكَةٌ عِلْمِيَّةٌ أَسْهَمَتْ فِي تَأْسِيسِ حَضَارَتِهَا، وَكَانَتْ حَرَكَةً لا مَثِيلَ لَهَا بَيْنَ الأُمَمِ، إِذْ جَمَعَتْ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْخُلُقِ، وَالْمَعْرِفَةِ وَالْقِيَمِ، فَخَدَمَ أَهْـلُهَا الدِّينَ، وَأَغْـنَوُا الْبَشَرِيَّةَ.

يقول شوقي
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم * لم يبن ملك على جهل وإقلال
كفاني ثراء أنني غير جاهــل * وأكثر أرباب الغنى اليوم جهال

ويقول حافظ ابراهيم
بِالْعِلْم وَالحِلْمِ يَبْني الناسُ مُلْكَهُمُ * لَمْ يُبْنَ مُلْكٌ عَلَى أَكْتَافِ جُهَّالِ
ان النَّاظِرُ فِي تَارِيخِ الأُمَمِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، يُدْرِكُ أَنَّ تَحَضُّرَهَا وَرُقِيَّهَا كَانَ مُرْتَبِطًا بِالْعِلْمِ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا، كَمَا أَنَّ تَخَلُّفَهَا وَانْحِطَاطَهَا كَانَ مُرْتَبِطًا بِالْجَهْلِ ارْتِبَاطًا وَطِيدًا، فَفِي مُسْـتَنْقَعَاتِ الْجَهْـلِ يَنْشَأُ الإِجْرَامُ وَتَنْمُو الطَّائِفِيَّةُ، وَفِي ظُلْمَةِ غَابَاتِهِ يَغِيبُ الْعَدْلُ، وَتُهْضَمُ الْحُقُوقُ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالْعِلْمِ الْمُؤَثِّرِ فِي بِنَاءِ الأُمَمِ

إن من يتدبر هذه السورة الكريمة ، سيجدها كغيرها من سور هذا الكتاب العظيم ، قدمت دعوة صريحة وقوية للتعلم، فلا يمكن الحديث عن أعظم مملكة في تاريخ البشرية ، دون التحدث عن العلم، وتاريخ البشرية يشهد بأنه لم يستطع شعب جاهل أن يؤسس دولة قوية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *