خطبة بعنوان ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ لفضيلة الدكتور عثمان عبدالحميد الباز

خطبة بعنوان ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾
لفضيلة الدكتور : عثمان عبدالحميد الباز

 

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه
famaa alyatim fala taqharaymanosman albaz

الحمد لله رب العالمين الحصن الحصين للضعفاء ،من لا يرد الرجاء ،من يخشى بأسأه الأقوياء ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نظم الكون بحكمته وبيده موازين الحق والقضاء وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدًا صلى الله عليه وسلم ، سيد الأنبياء اليتيم الذي ربَّاه ربُّه فصفا قلبُه وطار في قلوب الناس حبُّه ،الذي تتشوق القلوبُ قبل العيون لرؤيته ،والذي شق نورُه كلّ ظلاموعُباب،والذي فاق الاشتياق له كل حد لفتح هذا الباب،والذي علقت امنية رؤيته في القلوب حتى توسد الأجساد فيالتراب،هذه خواطرٌ لامست شغاب قلب روحي ،فأخرجتها من حيز المستور إلى حيز الظهور ،حبا في البشير النذير ،صغتها في هذه الكلمات ،حبا لكم وطمعا في شفاعتكم،ياسيد السادات ،،،

يا من  رأيت سيدالأحباب       ورأيت نوره  شق كلعباب
ألا بربك  يا   أخيّ   فدلني      كيف السبيل لفتح هذا الباب
إن اشتياقي للحبيب  محمدِ       فاق الحدود زاد في الإطناب
ولكم وددت أن أراه بنظرة      ولو  دفنت    بعدها   بتراب
وإلى  تحقق منيتي وبعدها إني لسائل ربي عالقٌ بالباب

تمهيد إن شريعة الإسلام شريعة عالمية راقية شاملة مراعية لحال الإنسان وأحواله وفطرته وغريزته ،راعت جميع أحوال قواته وضعفه فراعت حال الاقوياء ونظمت هذه القوة لكيلا تنقلب القوة إلى بطش وافتراء ،وزاعت حال الضعفاء وعملت على جبر احوالهم لكيلا ينقلب الضعف إلى سمة رئيسة وضعف عام ومسكنة شاملة ،وممن راعى القرآن الكريم حالهم وعمل على جبرها حال اليتيم الذي خلفه والده وسكنا التراب ،فقد عطفه وحنانه ،وحُرم من النداء بيا أبي ،فكان جبرا فاق وجود أبويه ،عطفا وحنانا.

اليتيم في رياض القران الكريم لقدأولى القران الكريم اليتيماهتماما بالغا وعظيما فقد تحدث عن اليتيم في مواضع متعددة من القران الكريم مراعيا جميع احوالهالماديةوالاجتماعية والتربوية وذلك يشكل العنايةالبالغة باليتيم لكي يعوض ما فقده من حنان أبيه وأمه ويصبح عضوانافعا في المجتمع قالتعالى:”وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّابِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا” [الإسراء : 34]

فلم يحذر القرآن الكريمُ من اكل مال اليتيم ولكن حذر من مجرد الاقتراب منه وجعله عهدا يسال عنه العبد بين يدي ربه يوم القيامه

 “وهذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم الذي فقد والده وهو صغير غير عارف بمصلحة نفسه ولا قائم بها أن أمر أولياءه بحفظه وحفظ ماله وإصلاحه وأن لا يقربوه { إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } من التجارة فيه وعدم تعريضه للأخطار، والحرص على تنميته، وذلك ممتد إلى أن { يَبْلُغَ } اليتيم { أَشُدَّهُ } أي: بلوغه وعقله ورشده، فإذا بلغ أشده زالت عنه الولاية وصار ولي نفسه ودفع إليه ماله.كما قال تعالى: { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ } الذي عاهدتم الله عليه والذي عاهدتم الخلق عليه. { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } أي: مسئولين عن الوفاء به وعدمه، فإن وفيتم فلكم الثواب الجزيل وإن لم تفوا  فعليكم الإثم العظيم.تفسير السعدي.

وحفاظا على مال اليتيم بين القران الكريم بمزيد من التأكيد ان الذين تمتد أيديهم الى مال اليتيم فيأخذونه بغير وجه حق ظلما وعدوانا لا يأكلون في بطونهم طعاما ولا يأكلون في بطونهم أموالا ولكن يأكلون في بطونهم نهارا في الدنيا ونارا يوم القيامة وغضبا من الله جل وعلاقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا” [النساء : 10]

ثم تحدث القرآن الكريم عن اكرام اليتيم إكراما شاملا فحاور الذين انتكثت فطرتهم وظنوا أن إعطاء ربهم المال لهم هو إكرام لشخصهم فنفى ذلك الفهم فقال كلا ،نفيا لقوله ﴿ربي  أكرمن﴾أي أن ربه أكرمه بإعطائه المال، نفى ذلك المفهوم وعقب عليه بانه لا يكرم اليتيم ولا يقوم بالإحسان وإطعام المسكين قال تعالى: “كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ” [الفجر : 17]

ثم صدر النداء من الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم الأكرم المكرم صلى الله عليه وسلم بأن لا يقهر اليتيم وبأن يكرمه إكراما بالغا بأن يتذكر أيام يتمه وفقده لأبيه وأمه قال تعالى: “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ” [الضحى : 9]

وجعل القرآن الكريم إهانه اليتيم ودفعه وعدم الإحسان إليه نوعا من أنواع التكذيب بالدين ومن أنواع عدم إقامة حدود الله سبحانه وتعالى وتوعده القرآن الكريم بويل وهو واد في جهنم جزاءً وفاقا على هذا الجرم الكبير وهو إهانة اليتيم وكذلك الجرم الأكبر وهو التقصير في الصلاة التي فرضها الله سبحانه وتعالى فقد جعل الله جل وعلى الجزاء مشتركا لمن قاموا بإهانة اليتيم ولمن قصروا في الصلاة بواد في جهنم هوويل بجامع أن الله جل وعلا جعل التقصير في حق اليتيم عقابه كالتقصير في حقه سبحانه وتعالى

قال تعالى: “فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ” [الماعون : 2]

ومن أجمل حديث القران الكريم عن اليتيم أنه قرن الإحسان إليه ومعاملته معاملة حسنة طيبة وأمر بها بعد الأمر بأخص خصائص المؤمن وهو التوحيد وعبادة الله جل وعلا وعدم الإشراك،قال تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” [النساء : 36] 

وقوله : { واليتامى والمساكين } هذان صنفان ضعيفان عديما النصير ، فلذلك أوصي بهما . تفسير التحرير والتنوير.

وقد جاء ذكر اليتيم في القرآن الكريم بالجمع والإفراد أكثر من ثلاث وعشرين مرة، فقد تنزلت الآيات في حقه، في أوائل ما نزل من القرآن المكي، يقول ربنا -عز وجل-: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ)[البلد: 11-16

لماذا كان الرسولُ يتيمًا؟
ولعل من حِكَم ذلك: أن يعرف النبيُّ صلى الله عليه وسلم ،قدر اليتامى فيقوم بحقهم وصلاح أمرهم، وليكون اليتيم مشاركاً له في الاسم فيُكرم لأجل ذلك، وأن من كان له أب أو أم كان اعتماده عليهما، فسُلب عنه الوالدان حتى لا يعتمد من أول صباه إلى آخر عمره على أحد سوى الله،

وأن العادة جارية بأن اليتيم لا تخفى عيوبه بل تظهر، وربما زادوا على الموجود فاختار تعالى له اليتم، ليتأمل كل أحد في أحواله، ثم لا يجدوا عليه عيباً فيتفقون على نزاهته، فإذا اختاره الله للرسالة لم يجدوا عليه مطعناً، وليعلم كل أحد أن فضيلته من الله ابتداء؛ لأن من كان له أب فإن أباه يسعى في تعليمه وتأديبه، وأن اليتم والفقر نقص في حق الخلق، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام مع هذين الوصفين أكرم الخلق، كان ذلك قلباً للعادة، فكان من جنس المعجزات.

إن من تتبع أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظر إلى أفعاله وجده محسنًا إلى الأيتام بقوله وبفعله، ومحذراً من ظلمهم والإساءة إليهم.

فأما قوله فإنه صلى الله عليه وسلم حث على كفالة اليتيم فقال: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا). وقال بإصبعيه السبابة والوسطى).

وذكر صلى الله عليه وسلم أن أكل مال اليتيم من الذنوب الموبقة التي تهلك أصحابها، فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات) وذكر منها: (وأكل مال اليتيم)

وبيّن عليه الصلاة والسلام أن الإحسان إلى اليتيم ولو بمسح رأسه من أسباب إزالة قسوة القلب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال:(امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين).

إذا رأيت الرجل، رحيماً بالأيتام، محسناً إليهم، فاعلم أنه صاحب خلق كريم .. وسجايا حميدة. دخل السائب بن عبدالله رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي : ” ياسائب أنظر إلى أخلاقك التي كنت تصنعها في الجاهلية، فاجعلها في الإسلام ، أقر الضيف، وأكرم اليتيم، وأحسن إلى جارك ” رواه أحمد وأبو داود.

نماذج من الإحسان لليتيم
علمنا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم حب اليتيم والعطف عليه والإحسان إليه ومراعاة مشاعره وجعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بابا عظيما من أبواب الجنة وجعله طريقا واضحا لنيل نعيمها،

وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحرص كل الحرص على رعاية مشاعر الأيتام وإدخال السرور عليهم ، ففي قصة اختصام أبي لبابة ـ رضي الله عنه ـ ويتيم في نخلة ، قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي لبابة بالنخلة لأن الحق كان معه ، لكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رأى الغلام اليتيم يبكي ، قال لأبي لبابة : (أعطه نخلتك ، فقال : لا ، فقال أعطه إياها ولك عذق في الجنة ، فقال : لا ، فسمع بذلك ابن الدحداحة فقال لأبي لبابة : أتبيع عذقك ذلك بحديقتي هذه ؟ ، فقال نعم .. ثم جاء رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : النخلة التي سألت لليتيم أن أعطيته ألِي بها عذق في الجنة ؟! ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نعم . ثم قُتِل ابن الدحداحة شهيدا يوم أحد ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : رُب عذق مذلل لابن الدحداحة في الجنة ) رواه البيهقي .

وقد مدح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساء قريش لرعايتهن اليتامى ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على يتيم في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ) رواه أحمد

ولما مات جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ تعهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولاده وأخذهم معه إلى بيته ، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( العيلة (يعني الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ) رواه أحمد .

دربُ الوصول لأيتام نالوا القبول لقد حفل التاريخ الإسلامي بمجموع هائل من اليتامى الذين غيروا مجرى التاريخ وحفروا أسماءهم بحروف من نور لكل الأجيال القادمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها ،

أولهم الرسول الكريم الأكرم صلى الله عليه وسلم يتيم علم العالم معرفة الله أخرج الله به الناسَ من الظلمات إلى النور ولا عجب حين يؤلف أحد المستشرقين وهو ﴿مايكل هارت ﴾ كتابا عنه صلى الله عليه وسلم يسميه الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم .

ومنهم الإمام الغزالي أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري،ومؤلف كتاب إحياء علوم الدين.

ومنهم الإمام أحمد بن حنبل فقيه ومحدِّث مسلم، ورابع الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. اشتُهر بعلمه الغزير وحفظه القوي، وكان معروفاً بالأخلاق الحسنة كالصبر والتواضع والتسامح، وقد أثنى عليه كثير من العلماء منهم الإمام الشافعي بقوله: «خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحداً أورع ولا أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل»، ويُعدُّ كتابه «المسند» من أشهر كتب الحديث وأوسعها.

الإمام البخاري أحد كبار الحفّاظ الفقهاء من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل عند أهل السنة والجماعة، له مصنّفات كثيرة أبرزها كتاب الجامع الصحيح، المشهور باسم صحيح البخاري، الذي يعد أوثق الكتب الستة الصحاح والذي أجمع علماء أهل السنة والجماعة أنه أصح الكتب بعد القرآن الكريم.

الإمام الشافعي هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء.

الإمام سفيان الثوري فقيه كوفي، وأحد أعلام الزهد عند المسلمين، وإمام من أئمة الحديث النبوي، وواحد من تابعي التابعين، وصاحب واحد من المذاهب الإسلامية المندثرة، والذي ظل مذهبه متداولاً حتى القرن السابع الهجري.

وفي الختام لقد فتح لنا الإسلامُ للجنة أبوابا كثيرة ،من هذه الأبواب الإحسان إلى اليتيم ورفع الضيم عنه ومراعاة شعوره وإحساسه وجبر خاطره ،بل جعله النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة فعالة لمرافقته في الجنة ،

وفي هذه الآونة ،لا ننسى يتامى غزة الذين تضافر عليهم اليُتمُ والجوعُ والمرضُوالحاجةُ والمسكنةُ فلنحسن إليهم بالمستطاع حتى ولو بالدعاء وهو أضعف الإيمان ،فالإنفاق كما يكون بالمال يكون بالمشاعر والإحساس فهذا إيمانٌ كاملٌ مخصوص يجعل القلوب المؤمنة في المجتمع المسلم كانها﴿ بنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾ .

 والحمد لله رب العالمين

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط  أدناه
famaa alyatim fala taqharaymanosman albaz

اترك تعليقاً