اعداد وترتيب فضيلة الشيخ : احمد عبدالله عطوه
العناصر:
أولاً: ما هو اليتم
ثانياً: وقفة مع اليتم الذى كان يتمه تشريفا لكل يتيم
ثالثاً: مكانة اليتيم فى القرآن والسنه
رابعاً: عقوبة من يأكل مال اليتيم أو يقهره
خامساً: يتيم رغم وجود الوالدين
وأخيراً: كيف تؤمن مستقبل ولدك بعد موتك
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على القوم الظالمين واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الحق أنت وأنت إشراق الهدى ولك الكتاب الخالد الصفحات من يقصد الدنـيا بغيرك يلقها تيها من الأهوال والظلمات ضلت علومهم برغم نبوغهم وتعرضوا لمهالك الخطرات وتنكبوا سبل السـلام وأقبلوا يتشدقـون بأسـفه الكلمات لو شرق القوم الكبار وغربوا فأليك حتما منتهى الخطوات
وصلى الله على سيدنا محمد وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن أجسادكم على النار والعذاب لا تقوى.
أما بعدأيها الإخوة المسلمون :
يخلدُ المجتمع الدولي كلَّ أول جمعة من شهر أبريل من كل عام موعدا مع “اليوم العالمي لليتيم” والفكرة جميلة لكن! الأمر يقتصر على تسليط الأضواء والكاميرات على يوم واحد فقط طوال العام لإن اليتم أمر عظيم وخطب جلل في حياة الأطفال، يستوجب الشفقة والرحمة والرأفة بهم؛ لذا كان حثُّه صلى الله عليه وسلم على اليتيم، فقال: (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا). وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. رواه البخاري،
أيها الأحبة ..
لقد اختار الله تعالى لنبيه الكريم اليُتم لحِكم بالغة وأهداف سامية، لكنه تبارك وتعالى لم يترك خليله، ولم يتخل عنه، بل امتن عليه سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، فا الله تعالى هو الذي آواه ورعاه ورباه،
أولاً: من هو اليتم؟ قال ابن منظور فى لسان العرب: اليتيم فى الناس: من فقد أباه، واليتم فى الحيوانات والطيور من فقد أمه، وهذه لطيفة لغوية ومغزى قل من يتنبه إليها فأصل اليتم فى اللغة الغفلة وبه سمى اليتيم يتيماً لأن الناس يتغافلون عن بره بعد موت أبيه،
فاليتيم هو من فقد أحد والديه فلم يجد أباً يحنو عليه لم يجد أبا يلاعبه ويحمله على كتفيه و يشجعه ويأخذ بيديه ويعلمه الوقوف والمشي على قدميه ويتغافل كثير من الناس عنهم شغلتهم أموالهم وبنوهم ،في الوقت الذي أمر به القرآن الكريم بإكرامهم وتخفيف معاناتهم وتعريف الناس بمصيبتهم، وبالظروف العابسة التي أحاطت بهم وأطفأت الابتسامة من على هذه الوجوه الصغيرة
ثانياً: وقفة مع اليتيم الذى كان يتمه تشريفا لكل يتيم، لقد شاء الله جل وعلا ولا راد لمشيئته أن ينشأ المصطفى يتيماً مات أبوه وأمه تحمله جنينا في أحشائها على الراجح من أقوال المؤرخين، فكفله جده عبد المطلب، الذى تعلق بالمصطفى تعلقا شديداً، وكان عبد المطلب صاحب مكانة كبيرة فى قومه فكان أولاده يفرشون له فراشه إلى جوار الكعبة ولا يجرؤ أحدهم أن يجلس على هذا الفراش إلا إذا خرج عبد المطلب فكان إذا جلس عبد المطلب على فراشه جاء المصطفى وهو طفل صغير ليجرى على هذا الفراش ليجلس إلى جوار جده فيحاول أولاد عبد المطلب أن يمنعوه فيأبى عليهم عبد المطلب ويقربه ويجلسه فى حجره ٠
ثم مات جده عبد المطلب وهو فى الثامنة من عمره بعدما فارق أمه وهو فى السادسة من عمره فكفلة عمه أبو طالب فخصه بمزيد من التقدير والرعاية والعناية، وأحاطه بالحماية حتى مات أبو طالب قبل هجرة المصطفى بثلاث سنوات على الراجح من أقوال أهل التاريخ والسير، شاء الله سبحانه أن ينشأ المصطفى يتيما فقد أباه ثم فقد أمه ثم فقد جده، وليس هذا من قبيل المصادفة العمياء ، فلا يوجد شئ فى كون الله إلا بقدر {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (49) سورة القمر شاء الله أن ينشأ المصطفى يتيماً ليتولاه الله وحده بالعناية والرعاية حتى لا ينشأ المصطفى يقول: أبى أبى وإنما يقول: ربى ربى.
نشأ المصطفى يتيما ليتولاه ربه وحده بالرعاية- إنتبه- ومن تولاه الله برعايته أحسن الله بدايته وأكرم الله نهايته، وزاد الله بين البداية والنهاية كرامته فما ظنك إن كان المتولى بالرعاية هو الحبيب المصطفى فوالله ثم والله ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا هى أكرم عليه من نفس محمد وإنه لمكتوب عند الله خاتم النبيين، وإن آدم لمجندل فى طينته- وآدم فى طينته- ورسول الله مكتوب عند الله خاتم النبيين، فكيف إذا كان المتولى بالعناية والرعاية من الله المدبر لأمر الكون كله هو حبيب الله المصطفى فوالله ما أحب الله مخلوقا كما أحب رسولنا وحبيبنا فلقد خلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء واصطفى من الأنبياء الرسل.
واصطفى من الرسل أولى العزم الخمسة: نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً، واصطفى من أولى العزم الخمسة: الخليلين الحبيبين إبراهيم ، ومحمداً، ثم اصطفى محمداً فكرمه على جميع خلقه فرفع ذكره، وشرح صدره، وأعلى قدره، ووضع وزره وزكاه فى كل شئ
واصطفى من الرسل أولى العزم الخمسة: نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً، واصطفى من أولى العزم الخمسة: الخليلين الحبيبين إبراهيم ، ومحمداً، ثم اصطفى محمداً فكرمه على جميع خلقه فرفع ذكره، وشرح صدره، وأعلى قدره، ووضع وزره وزكاه فى كل شئ:
وزكاه كله فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم
ايها الإخوة الكرام هذه بعض آيات القرآن التى تبين مكانة اليتيم ويأتي اليتيم الذى كان يتمه تشريفا لكل يتيم ليكرم اليتامى، ففي السنة الشريفة المطهرة بين لنا نبينا مكانة كافل اليتيم
كافل اليتيم والساعي على الأرملة كالمجاهد في سبيل الله
رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن المصطفى ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل..”( رواه البخارى)
الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل
كافل اليتيم مع النبي في الجنة
فى الصحيحين من حديث أبى هريرة أن المصطفى قال:” أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين” واشار بالسبابة والوسطى”. (رواه البخارى) قال ابن بطال -رحمه الله-: “حق على كل من سمع هذا الحديث أن يعمل به، ليكون رفيق النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ولا منـزلة في الآخرةِ أفضل من ذلك”.
هل تدبرتم هذا الحديث ماذا لو أخبرتك أخى الحبيب بأنك ستكون فى منزلة عالية فى الجنة؟ ثم ماذا لو أخبرتك أخى الحبيب بأنك ستكون فى منزلة عمر فى الجنة؟ ماذا لو أخبرتك أخى الحبيب بأنك ستكون فى منزلة عثمان فى الجنة؟ ثم ماذا لو علمت يا أخى الحبيب بأن منزلتك ستكون فى منزلة صديق الأمة فى الجنة؟ ثم ماذا لو أخبرتك أخى الحبيب بأنك ستكون فى الجنة مع الحبيب المصطفى هل فكرت فيها اسمع الحديث مرة أخرى وتدبر يقول الحبيب: ” أنا وكافل اليتيم فى الجنة كهاتين” وأشار بالسبابة والوسطى.) انظروا إلى تقارب السبابة والوسطى هذه منزلة كافل اليتيم فى الجنة مع المصطفى وفى لفظ مسلم:” كافل اليتيم له أو لغيره” … أو حتى لو كان اليتيم أجنبيا عنك: ” كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو في الجنة كهاتين” واشار المصطفى بالسبابة والوسطى،
بل بلغ من فضل كفالة اليتيم أن امرأة زاحمت النبي في دخول الجنة ففي الحديث الذى رواه أبو يعلى بسند قال فيه الحافظ ابن حجر: إسناده لا بأس به من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال: “أنا أول من يفتح باب الجنة.. أول من يحرك باب الجنة هو نبينا صلى الله عليه وسلم فالجنة محرمة على كل أحد حتى يدخلها المصطفى يوم القيامة بل ولا تدخل أمة من الأمم الجنة قبل أمة المصطفى يقول الحبيبأنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرنى…” يرى الحبيب امرأة تسابقه لتدخل معه الجنة في منزلته العالية يقول المصطفى: ” فأقول لها: ما لك من أنت؟.. فتقول هذه المرأة: أنا امرأة قعدت على أيتام لي”.. أنا امرأة قعدت على أيتام لى .. امرأة ربت يتامى مات زوجها وهى فى ريعان الصبا والشباب فأبت إلا أن تفرغ نفسها لتربية أولادها تربية ترضى الرب سبحانه هذه هى منزلها تركت كل لذة واستعلت على كل شهوة ورفضت الخطاب وتفرغت لتربية أولادها اليتامى هذه هى منزلتها مع الحبيب أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرني- تسابقني- فأقول لها: ما لك من أنت؟ .. فتقول هذه المرأة: أنا امرأة قعدت على أيتام لى”.
رابعاً: عقوبة من يأكل مال اليتيم أو يقهره
قاهر اليتيم مكذبا بالدين لأن ذلك ليس من أخلاق، ولا شيم وخصال المومن، بل إن ذلك من فعل المكذبين بالدين يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ *فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}( سورة الماعون الآية (1-7).
جاء في كتاب تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور : ( قيل: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وقيل في الوليد بن المغيرة المخزومي، وقيل في عمرو بن عائذ المخزومي، وقيل في أبي سفيان بن حرب قبل إسلامه بسبب أنه كان يَنحر كل أسبوع جَزورًا فجاءه مرة يتيم فسأله من لحمها فقرعه بعصا، وقيل في أبي جهل : كان وصيًا على يتيم فأتاه عرياناً يسأله من مال نفسه فدفعه دفعاً شنيعاً) (تفسير التنوير والتحرير لابن عاشور).
وذكر صاحب صفوة التفاسير في تفسير الآية السابقة:[{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بالدِّينِ }؟ استفهام للتعجيب والتشويق أي هل عرفت الذي يكذب بالجزاء والحساب في الآخرة؟ هل عرفت من هو، وما هي أوصافه؟ إن أردت تعرفه{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} أي فذلك هو الذي يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً بجفوة وغلظة، ويقهره ويظلمه ولا يعطيه حقه ]( صفوة التفاسير للصابوني).
آكل مال اليتيم يأكل في بطنه نارا
قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (10) سورة النساء مشهد مرعب مشهد النار وهى تتأجج فى البطون
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْمٌ مِنْ قُبُورَهُمْ تَأَجَّجُ أَفْوَاهُهُمْ نَاراً ، فَقِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ” “.
وعَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: ” ” إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً ” قَالَ:إِذَا قَامَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مَالَ الْيَتِيمِ ظُلْماً ، يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَهَبُ النَّارِ يَخْرُجُ مِنْ فَمَهِ وَمِنْ مَسَامِعِهِ وَمِنْ أُذُنَيْهِ وَأَنْفِهِ وَعَيْنَيْهِ، يَعْرِفُهُ مَنْ رَآهُ يَأْكُلُ مَالَ الْيَتِيمِ”.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا مَا رَأَيْتَ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ بِكَ. قَالَ: “انْطُلِقَ بِي إِلَى خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَثِيرٍ، رِجَالٌ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لَهُ مِشْفَرَانِ كَمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، وَهُوَ مُوَكَّلٌ بِهِمْ رِجَالٌ يَفُكُّونَ لُحَى أَحَدِهِمْ، ثُمَّ يُجَاءُ بِصَخْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَتُقْذَفُ فِي فِي أَحَدِهِمْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَلَهُ خُوَارٌ، وَصُرَاخٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلاءِ ؟ قَالَ: ” هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ” “.
آكل مال اليتيم مرتكب كبيرة من الكبائر
قال صلى الله عليه وسلم أنه قال « اجتَنِبُوا السَّبعَ المُوبِقَاتِ : الإشراك باللهِ ، والسَّحرَ ، وقَتلَ النَّفس بغير حقها ، وأكلَ الرَيّا ، وأكلَ مَالِ اليَتِيمِ ، والفرار مِن الزَّحفِ ، ورَمي المُحصنَاتٍ الغَافِلاتِ المُؤمِنَاتِ » .السبع الموبقات أي المهلكات
خامسا: يتيم رغم وجود الوالدين: أيها المسلمون: وهناك يُتم من نوع آخر، معه أبواه لكنه يعيش حياة الغفلة، وأعداد هؤلاء يتضاعف مع مرور الأيام وكثرة المشاغل والملهيات،و لقد صرحت بأن ابن منظور ذكر أن أصل اليتيم فى اللغة هو الإنفراد فقد يشعر كثير من أولادنا باليتم التربوى ورغم وجود الوالدين، لأن الوالدين قد انشغلا عن الأولاد، لأن الوالد مشغول في وظيفته أو تجارته أو سهرته أو سفرته، وربما يعذر الوالد المسكين الذى انشغل بالعمل، ليوفر لأولاده لقمة العيش الكريمة، لكنه والله لا يعذر إن وجد عنده بعضا من الوقت فعاد إلى بيته ليقتل هذا الوقت مثلا بالجلوس أمام التلفاز، لينشغل بهذا الوقت القليل ايضاً عن أولاده وتزداد المصيبة إذا انشغلت الأم هي الأخرى بالوظيفة وخرجت إلى الوظيفة بغير حاجة ولا ضرورة. والأم كذلك قد تركت ولدها للخادمة، وأصبحت مشغولةً بين السوق والوظيفة، وبين الأزياء والموضة، وحين يكبر الولد وينتهي من رعاية الخادمة ويملك الخروج من المنـزل ولو مع صغر سنه، فإنه يلتقم ثدي الشارع، ويختاره سكنًا بدل البيت، ليقطع فيه جُل الوقت. هذا يسمى يتيم التربية!
فالزوج قادر بفضل الله على أن يطعمها وعلى أن يكرمها حتى ولو كان بأمر يسير لكنها أصرت على الخروج من البيت إلى الوظيفة تارة وإلى الجري إلى الأسواق تارة أخرى وللزيارات ثالثة وتركت الأولاد، فجلس الأولاد أمام التلفاز أو النت أو الفيس دون رقيب ولا حسيب ليقتات الأولاد وربما كان ذلك من أماكن مشبوهة ومواقع محرمة ومكروهة ونسى الوالدين قول الله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم وكأنهم لم يسمعوا قول المصطفى كما فى الصحيحين من حديث أبن عمر:” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع فى بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده ومسؤول عن رعيته”. (رواه البخارى ومسلم)وفى الصحيحين من حديث معقل بن يسار أن النبى قال: ” ما من عبد يسترعية الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”.( رواه البخارى ومسلم)
وكما قال الشاعر أحمد شوقي ليس اليتيم من مات أبواه وتركاه ذليلا إنما اليتيم من له أما تخلت أو أبا مشغولا
إننا لا نطلب من الرجل ولا من المرأة أن يتركوا أشغالهم التي يطلبون منها لقمة العيش، لكننا نقول لهم: إن فترة الغياب الطويل عن الأولاد لها أثر كبير؛ ولذا كان من الضروري على الزوجين تخصيص أوقات كافية للجلوس مع أبنائهم، واصطحابهم، وحل مشكلاتهم، وإشراكهم معهم في الحياة.
عندما ترى أبا كل همه فى الحياة جمع المال و العمل اعتقادا منه أنه بذلك قد أدى الدور المطلوب منه فى الحياة تاركا بيته و أولاده بدون رعاية أو دراية فهو كما يطلق عليه البعض ( الرجل الفندقي )لا يأتي للبيت إلا للنوم و الأكل فقط .. أما السؤال عن حال بيته
وزوجته وأولاده فليس هذا في حساباته فيشعر من بالبيت بفقدان الأمان و الحماية و السكينة التي قد يحققها الأب بتواجده و تفاعله و قربه مع أولاده.
الخطبة الثانية
وأخيراً: أطرح هذا السؤال المهم: كيف تؤمن مستقبل ولدك بعد موتك؟ سؤال قد يبدو غريبا للوهلة الأولى لكن ستزول الغرابة فورا بعد ترتيلى لقول الله عز وجل وعلا: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا} (9) سورة النساء هذا هو الجواب: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا}.
حقق التقوى ليحفظ الله لك أولادك بعد موتك، هذا وعد ربى قل قولا سديداً، ليتول الله أولادك بالرعاية والعناية بعد موتك، دخل مسلمة بن عبد الملك على عمر ابن عبد العزيز وهو على فراش الموت فقال مسلمة وهو ابن عم عمر: يا أمير المؤمنين ألا توصى لأولادك بشيء؟! من المال فلقد تركت أولادك فقراء فقال عمر بن عبد العزيز- طيب الله ثراه وهل أملك شيئاً من المال لأوصى به لأولادى أم تريد أن أمنحهم من مال المسلمين ما ليس لهم؟! لا يكون ذلك، فهم أحد رجلين: إما ان يكونوا صالحين فالله يتولى الصالحين وإما أن تكونوا غير ذلك ولا أدع لهم ما يستعينون به على معصية الله، وأسأل أنا عنه بين يدى الله.
ثم قال عمر: أدخلوا أولادي على فدخلوا عليه وهو على فراش الموت فنظر إليهم وبكى وقال: يا بنى إن اباكم قد خير بين أمرين: بين أن يترككم أغنياء ويدخل النار، وبين أن يترككم فقراء ويدخل الجنة ولقد اختار أبوكم الجنة إن شاء الله، وإما أن تكونوا صالحين فالله يتولى الصالحين وإما أن تكونوا غير صالحين فلا أدع لكم ما تستعينون به على معصية الله، وأسأل أنا عنه بين يدى الله أخرجوا عنى فخرجوا عنه وظل يردد قول الله تبارك وتعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } (83) سورة القصص
حتى توفاه الله جل وعلا والله ما مضى وقت كبير وقد جاء ولد من أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل الصدقة على بعيرليتصدق بها على الفقراء والمساكين وقد تركهم عمر لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً، إنه وعد الله سبحانه وتعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار
الدعاء٠٠٠