«نسائم» علامات القبول

بقلم المستشار الدكتور : محمد فهمي رشاد منصور
مدرس التفسير وأصول الفقه بجامعة القصر الدولية بدولة ليبيا

 

حين تهمس الروح «سمعنا وأطعنا» فى شهر الرحمات، ونحن على مشارف لحظات وداع شهر رمضان كضيف كريم، حمل فى طياته نسائم الرحمة وأريج المغفرة. وطرق أبواب قلوبنا بلطف، داعيًا إيانا إلى مائدة إيمانية عامرة.

لكن كيف لنا أن نتيقن أن هذا الضيف قد وجد فينا خيرًا مستقرًا، وأن أعمالنا الصالحة قد لاقت قبولًا حسنًا؟ ليس ثمة ختم رسمى أو إعلان مدوٍ، بل هى علامات خفية تهمس بها الروح، وتتلألأ فى ثنايا الأيام والليالى المباركة خاصة العشر الأخر، وقد خلا كل حبيب بحبيبه، فسبحانه أنيس المريدين وقرة عين العابدين، فاستشعر الصائم القائم هذا الحال الشريف المنيف، الممزوج بالجمال والجلال، ليتحول حاله مع ربه تحولًا يرضى به ربه عنه، فتظهر له تلك العلامات.

وأول تلك العلامات، وأكثرها وضوحًا، هى استشعار لذة العبادة. فبعد صيام يوم طويل، لا تشعر بالجوع والعطش فحسب، بل بنشوة روحية تغمرك وأنت تتلو آيات الذكر الحكيم، أو ترفع يديك بالدعاء، ويصبح القيام فى الليل أنسًا لا عبئًا، والإنفاق فى سبيل الله بهجة لا خسارة، هذه اللذة ليست مجرد شعور عابر، بل هى نور ينبثق من القلب حين يلامس حلاوة الإيمان، وإشارة خفية إلى أن هذه الأعمال قد صعدت إلى السماء مقبولة مطهرة، ممزوجة بهذا التشريف الرباني، وهو يباهى بعباده ملائكته.

أما عن العلامة الثانية من علامات القبول فتظهر فى زيادة الإقبال على الخير ونبذ المنكر، تجد نفسك أكثر ميلاً لمساعدة الآخرين، وأسرع إلى الصفح والتسامح، يضيق صدرك باللغو والخصام، وتنفر نفسك من الغيبة والنميمة، ويصبح لسانك رطبًا بذكر الله، وعينك دامعة خشية منه، هذا التحول الإيجابى فى السلوك والوجدان ليس مجرد تقوى موسمية، بل هو أثر حقيقى لنور رمضان الذى أضاء بصيرتك، ودليل على أن قلبك قد استجاب لنداء الخير (يا باغى الخير أقبل).

أما عن ثالث تلك العلامات فتتجلى فى الشعور بالسكينة والطمأنينة، رغم مشقات الصيام والتعبد، يغمرك إحساس عميق بالسلام الداخلي، تتلاشى هموم الدنيا أمام عظمة الأجر المرتجي، وتستكين النفس إلى وعد الله بالقبول والمغفرة، أما عن رابع العلامات فيتبدى القبول فى تيسير الطاعات واستمرارها، ولكن تبقى أجل هذه العلامات، هو الرجاء الصادق فى رحمة الله وعدم اليأس من مغفرته. حتى وإن قصرت فى بعض الأحيان، فإن قلبك يظل معلقًا برحمة الله .

اترك تعليقاً