بقلم الكاتب والداعية الاسلامى الاستاذ الدكتور : رمضان البيه
عزيزي القارئ لازال الحديث عن الآفات والأمراض المهلكة للإنسان والتي تقوده إلى النار .
وحديثنا في هذا المقال والمقالات التالية عن آفة ” الكذب “ وهي الأصل في كل خطيئة ورأسها وبدايتها، وهو من أقصر الطرق التي تؤدي إلى النار ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا”.
والكذب معناه إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه ، وهو مذموم عند كل العقلاء ، ولو لم يكن من مضاره إلا أنه يجعل صاحبه في ريبة لا يكاد يصدق شيئًا لكفى ، كما قال بعض الفلاسفة : من عرف من نفسه الكذب لم يصدِّق الصادق فيما يقول، ثم إن من عرف بالكذب فإنه لا يكاد يُصَدَّق في شيء أبدًا، وإن صدق، بل إن سمع الناس بكذبةٍ ربما خرجت من غيره فإنهم ينسبونها إليه : حسب الكذوب من البلــية بعضُ ما يُحكى عليه فمتى سمعت بكـذبة مــن غـيره نـسبت إليـه .. هذا وللكذب دوافع
ودواعي وأمارات تدل عليه ، ولا شك أن معرفة هذه الدواعي وتلك الأمارات مما يساعد في محاولة العلاج؛ لأن الخُطوة الأولى في علاج أي مرض تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه، للقضاء عليها والتخلص منه وهي تتلخص في الآتي :
١- إجتلاب النفع وإستدفاع الضر، فيرى الكذَّابُ أن الكَذِبَ أسلمُ وأغنمُ، فيُرخِّصُ لنفسه فيه اغتراراً بالخُدع واستشفافًا للطمع.
٢- أن يُؤْثِرَ أن يكون حديثُهُ مُستعْذبًا، وكلامُهُ مُستظرفًا، فلا يجد صدقًا يعذُبُ ولا حديثًا يُستظرفُ، فيستحْلِيَ الكذب الذي ليست غرائُزُه مُعْوزَةً ولا طرائِفُهُ مُعجزَةً .
٣- أن يقصد بالكذب التشفي من عدُوِّهِ، فيسمُهُ بقبائح يخترعُها عليه، ويصفُهُ بفضائح يَنْسبُها إليه.
٤- أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادةً ونفسُهُ إليه مُنقادةً.
٥- حُبَّ التَّرَأُسِ، وذلك أنَّ الكاذِبَ يرى له فضلاً على المُخبر بما أعلمَهُ، فهو يتشبَّهُ بالعالِمِ الفاضل في ذلك . هذا عن الأسباب .
أما أمارات الكذب كثيرة منها :
١- أنك إذا لقنته الحديث تلقنه ولم يكن بين ما لقَّنُتَهُ (إياه) وبين ما أورده فرقٌ عِندَهُ، أي أنه يَخْلِطُ بين ما سمِعَهُ منك وما إخترَعَهُ من عِنْدِهِ.
٢- أنك إذا شكَّكْتَهُ في الحديث تشَكَّكَ حتى يكادُ يرجعُ فيه.
٣- أنك إذا رددت عليه قوله حَصِر وارْتَبَكَ، ولم يكن عندهُ نُصْرَةُ المُحتَجّين ولا بُرهان الصادقين.
٤- ما يظهر عليه من ريبة الكذَّابين، ولذلك قال بعض الحكماء: “الوجوه مرايا، تُريك أسرارَ البرايا”. وإذا اتَّسم بالكذبِ، نُسبتْ إليه شواردُ الكذِبِ المجهولةِ (أي الشائعات وما في حُكمها)، وأضيفت إلى أكاذيبه زياداتٌ مُفْتَعَلَةٌ، حتَّى يصيرَ هذا الكاذبُ مكذُوبًا عليه، فيجمعُ بين معرَّةِ الكذب منه، ومضرَّةِ الكذب عليه .. هذا وللكذب أنواع وصور متعددة
فمنه ما يكون في الأقوال، ومنه ما يكون في الأفعال، ومنه ما يكون في النِّيات .. وهذا ما سوف نتحدث عنه في المقال القادم ..