باب الريان
25 مارس، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد
الدرس الخامس والعشرون : «باب الريان»
الحمدُ لله وكفى وصلاة وسلاماً على رسوله المجتبى وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها الصائمون: لقد أعد الله عز وجل لعباده الصائمين باباً فى الجنة يُقال له الريان فهو باب الصيام، يُفتح كلِّ عامٍ في رمضان للصائمين؛ فعن سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ» متفق عليه.
– والريّان: صيغة مبالغة من الري وهو نقيض العطش؛ لقد كرم الله عز وجل الصائمين بتخصيص باب من أبواب الجنة لهم، لا يزاحمهم فيه غيرهم، ومن دخله لا يظمأ أبداً جزاء ظمئه فى الدنيا بالصيام، وتنادي الملائكة يوم القيامة: أين الصائمون؟ هلموا إلى مكانتكم وشرفكم وعزكم وجنتكم، فيدخلون، حتى إذا انتهى آخرهم أغلق الباب بعدهم.
– قال القرطبي: اكتفى بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه، من حيث إنه يستلزمه.
– قال الزين بن المنير: إنما قال في الجنة ولم يقل للجنة ليشعر بأن الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة فيكون أبلغ في التشوق إليه.
– وقال ابن حجر: قوله ﷺ: «يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ»، أى أنه سيُنادى على الصائمين يوم القيامة لدخول الجنة من هذا الباب المخصص لهم فإذا دخل آخر الصائمين أغلق باب الريان ولن يدخل منه أحد بعدهم، وقد تكرر نفى دخول غيرهم منه تأكيداً على عدم دخول أحد منه غير الصائمين.
– والمقصود بالصائمين هنا كل من صام على الحقيقة فقد يصوم الشخص ولا يناله من صومه إلا الجوع والعطش؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول ﷺ: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ»رواه أحمد.
وعنه أيضاً قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» رواه البخارى.
– فالمراد بالصوم هو ما كان صوماً مستجمعاً لمقومات القبول من الإمساك عن كل ما حرم الله من قول أو فعل أو تفكير، فلا بد من صيام الجوارح عن المحرمات؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾(الإسراء: ٣٦)،
معاشر الصائمين: إن عدد أبواب الجنة ثمانية؛ ولقد اتفق العلماء على أسماء أربعة منها هي؛ باب الصلاة، وباب الجهاد، وباب الريان، وباب الصدقة؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ» رواه البخاري.
– واختلفوا في أسماء الأبواب الأخرى؛ فقيل: هي باب التوبة، وباب الكاظمين الغيظَ والعافين عن الناس، وباب الراضين، والباب الأيمن، وقيل غير ذلك؛ قال تعالى: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾(ص:٥٠)،
وقال تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ﴾(الرعد: ٢٣)، وقال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾( الزمر:٧٣)،
– وأبواب الجنان إنما تفتح في شهر رمضان، ترغيباً للنفوس وشحذاً للهمم، لما عند الله من عظيم الثواب، وفي هذا الشهر نعرف نعمة الماء الذي يُحرم منه أهل النار عقوبة لهم؛ قال تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾( الأعراف: ٥٠)،
– وفي المقابل فقد جعل الله عز وجل لأهل الجنة أنهار يشربون منها، ويتلذذون بها؛ قال تعالى: ﴿لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾(البروج: ١١)، وقال تعالى:(وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(التوبة:٧٢)،
– ولقد بيَّن ربنا تبارك وتعالى هذه الأنهار بقوله: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَخَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾(محمد: ١٥)،
– قال ابن القيم: ذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة ونفى عن كل واحد منها الآفة التي تعرض له في الدنيا؛ فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه، وآفة اللَّبن أن يتغيَّر طعمه إلى الحموضة وأن يصير قارصاً، وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي في اللذة وشربها، وآفة العسل عدم تصفيتة؛ وهذا من آيات الرب تعالى أن تجري أنهار الجنة من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها ويجريها في غير أُخدود وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها.. كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
– وأنهار الجنة تتفجر من تحت العرش؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» رواه البخاري.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ، فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: النِّيلُ وَالفُرَاتُ، وَأَمَّا البَاطِنَانِ: فَنَهَرَانِ فِي الجَنَّةِ»رواه البخارى.
– قال النووى: أى أن أصل النيل والفرات من الجنة، وأنهما يخرجان من أصل سدرة المنتهى ثم يسيران حيث شاء الله، ثم ينزلان إلى الأرض، ثم يسيران فيها، ثم يخرجان منها، وهذا لا يمنعه العقل.
معاشر الصائمين: إننا مهما تحدثنا عن الجنة ونعيمها فلن نستطيع أن نُعبر عن حقيقة النعيم الذى أعده الله عز وجل لأهلها؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: قُالُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» متفق عليه.
اللهم اجعلنا من أهل الجنة، واجعلنا من الذين ينادى عليهم من باب الريان.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وأحشرنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
كتبه راجى عفو ربه
أيمن حمدى الحداد
الثلاثاء ٢٥ من رمضان ١٤٤٦هجرياً
الموافق ٢٥ من مارس ٢٠٢٥ميلادياً