خطبة بعنوان ( زكاة الفطر ودورها فى التكافل المجتمعى)
لفضيلة الدكتور : محمد جاد قحيف
لتحميل الخطبة pdf أضغط على الرابط أدناه
zkat alftr walduha fytkafl almujtamaeiu2 (1)
بتاريخ 28 مارس 2025 م – 28 رمضان 1446 هجرية
الحمد لله ذي المنّ والعطاء، المتفرّد بالألوهية والبقاء، سبحانه سبحانه عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء ويجيب الدعاء، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خير من صلى وصام ، وعبد الله ولبَّى النداء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء وسلم تسليماً كثيراً..
وبعد: أيها الأحبة الأكارم يمضى شهر رمضان مسرعا كالبرق الخاطف ولم يتبقى منه إلا القليل ساعات وينتهي شهر رمضان ، وتنتهي كذلك الأيام التي اقسم الله عز وجل بها ( وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ) .. وهي من أفضل ليالي وأيام العام ؛ لأن فيها ليلة القدر والشرف ، وشهر رمضان كله أيام من الجنة (جنة العبادات والطاعات وحلاوة الذكر والدعاء وصلاة القيام وقراءة القرآن ) .
ما مر منها لا يعود إلى يوم القيامة فما هي إلا إيام معدودة ، وساعات محدودة ، سرعان ما تنقضى ، وصفحات سرعان ما تنطوي ..
فمَن كان مِنَّا مُحْسِنَاً فيه فعليه بالإكمال والإتمام، وَمَن كان مُقَصِّرا فلْيخْتِمْهُ بالتوبة والاستدراك، فالعمل بالخِتام.
لقد شرع نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- في ختام هذا الشّهر الكريم صدقةَ الفِطر، وصدقةُ الفطر مضافة إلى الفِطر من رمضان- فريضةٌ فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأوجبها على المسلمين وأمَر بها، فما فرضَه رسول الله وأمَر به فحكمه حكمُ ما فرضه الله وأوجَبه، لأنّه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى) [النجم:3، 4]،
فرضَها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عمومِ المسلمين، ذكورِهم وإناثهم، صِغارهم وكبارهم، أحرارِهم وعبيدهم..
العنصر الأول : معنى زكاة الفطر وحكمة مشروعيتها
زَكَاةُ الفِطرِ:
الزكاة لغةً: النماء، والزيادة، والطهارة، والبركة، يقال: زكى الزرع: إذا نما وزاد.
والفِطر: اسم مصدر، من قولك: أفطر الصائم، يفطر إفطارًا. وقيل إنها مأخوذة من الفِطرةٌ؛ لأنها صدقة الأبدان والنفوس وزكاة المال زكاة الفلوس .
سبب تسميتها بزكاة الفطر:
فقيل من إضافة الشيء إلى سببه أو زمنه؛ لأن الفطر من رمضان سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به، فيقال: «زكاة الفِطر». (ويكيبيديا).:
أي الزكاة التي سببها الفطر، وتسمى أيضًا صدقة الفطر، ولفظ الصدقة يطلق شرعاً على الزكاة المفروضة، وقد جاء ذلك كثيرًا فى القرآن والسنة ، كما تسمى أيضًا زكاة الفطرة، وقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة ، وهي السنة التي فرض فيها صيام رمضان ، طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وإغناء لهم عن ذل الحاجة والسؤال فى يوم العيد..
ويسمي الفقهاء هذه الزكاة زكاة الرؤوس ، أو الرقاب، أو الأبدان ، والمراد بالبدن الشخص لا ما يقابل الروح أو النفس (فقة الزكاة).
وزكاة الفطر، صدقة واجبة معروفة المقدار، يقدمها المسلم لِفِطْرِه من رمضان. وأضيفت الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان هو سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به. ويقال لها: “زكاة الفطر”، ويقال لها كذلك: “صدقة الفطر”..
العنصر الثاني: الحكمة من مشروعية زكاة الفطر
فُرِضَت زكاةُ الفِطْرِ طُهْرَةً للصائمِ مِن اللَّغْوِ والرَّفَث، وطُعْمَةً للمساكينِ، وشكرًا للهِ على إتمام فريضة الصيام، وهي تجْبُرُ نُقْصَانَ الصومِ؛ كما يَجْبُرُ سجودُ السهو نُقْصَانَ الصَّلاة، وهي سَبَبٌ مِنْ أسبابِ الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة..
قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ ربِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [الأعلى:14-17]..
وزكاة الفطر فيها حِكَمٌ ظاهرة جلية نص عليها الشارع، كما في الحديث الصحيح في سنن أبي داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ”.
ويعود خيرها على الصائم نفسه، فهي تطهير لصيام المؤمن، مما يكون قد اعتراه من خلل ونقص وتقصير، فتجبره زكاة الفطر، وتنقيه، وتزكيه، حتى يعود أكمل ما يكون، فلله الحمد والمنة.
كما أن من حكمة مشروعيتها أن تعود بالنفع على الفقراء والمساكين من عباد الله المؤمنين، فتسدّ حاجتهم يوم العيد، وتدخل عليهم السرور، وتحفظ لهم مكانتهم في فرحة المجتمع، ومشاركة الناس عيدهم، وتغنيهم عن السؤال والشعور بالمذلة في يوم جعله الله فرحة للمسلمين ..
وتعود بالنفع على المجتمع كباب من أبواب التضامن بين أفراده ، وتطهيره من الحقد والكراهية..
وهي جبر لما حصل في الصيام من النقص وكفارة، وهي -عباد الله- من جملة شكر نعمة الله بالتوفيق لصيام رمضان، وتزكية للنفوس من الأخلاق الرذيلة، وتحليةٌ لها بالأخلاق الفاضلة الجميلة، وفيها -عباد الله- إِغناءٌ للفقراء في ذلك اليوم الكريم الذي يتكرر على المسلمين بالخير والسرور والفضل العظيم، وهي شكر لله لنعمه -سبحانه- بسلامة الأديان والأبدان، وفداءٌ وكفارة للصائمين..
ومن هنا فمن أهداف صدقة الفطر بناء على ما سبق :
١-إغناء الفقير من السؤال يوم العيد عن الطعام، قال رسول الله ﷺ: «أغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ” .
(سنن البيهقي).
وذلك ؛ لِيُشَارِكُوا الأغنِيَاءَ فِي فَرَحِهِم وَسُرُورِهِم بالعيد .
٢-جبر الخلل في الصيام ، كما يجبر سجود السهو الخلل في الصلاة، قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم.
٣-إظهَارُ شُكرِ نِعمَةِ اللهِ لإتْمَامِ صِيَامِ شَهرِ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِ وَفِعلِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الأعمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ.
جَاءَ عَن ابنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، مَنْ أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» أخرجه الإمام أبو داود وسنده حسن .
قَولُهُ: «طُهرَةً»: أي: تَطهِيرًا لِلنَّفسِ مِنَ الآثَامِ.
وَقَولُهُ: «اللَّغو»: وَهُو مَا لَا خَيرَ فِيهِ مِنَ الكَلَامِ.
وَقَولُهُ: «الرَّفَثُ»:
قال ابن الأثير: الرفث هنا هُو الفحش مِنَ الكَلَامِ ، وقوله «وطعمة»: بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل .
قَولُهُ: «مَن أدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ»: أي قَبلَ صَلَاةِ العِيدِ.
قَولُهُ: «فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ»: المُرَادُ بِالزَّكَاةِ صَدَقَةُ الفِطرِ.
قَولُهُ: «صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»: يَعنِي التِي يٌتَصَدَّقُ بِهَا فِي سَائِرِ الأوقَاتِ.
﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ، وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ﴾ [الأعلى:14–15].
ذكر ابن كثير في تفسيره أن عمر بن عبد العزيز كان يتلو هذه الآية عندما يأمر الناس بزكاة الفطر ..
العنصر الثالث : بعض أحكام زكاة الفطر
هذه بعض الأحكام المهمة لزكاة الفطر ..
زكاة الفطر فَرْضٌ على كُلِّ مسلمٍ مستطيع ..
فزكاة الفطر تجب على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجل أو امرأة، صغيرٍ أو كبيرٍ.
قال ابنُ عمر: “فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الفِطْرِ: صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ”.
(أخرجه الإمام البخاري).
وتَجِبُ زكاة الفطر بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وتُخْرَجُ قَبْلَ صلاة العيد؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ بها أَنْ تُؤَدَّى قبل خروجِ الناس إلى الصلاة (أخرجه البخاري)، ويجوز إخراجُها قبل العيد بِيَومٍ أو يومَين، ويجب أنْ تَصِلَ إلى يَدِ الفقير، أو مَنْ ينوبُ عنه قبل صلاة العيد.
وبعض العلماء أجاز تقديمها عن موعدها لأول الشهر تيسيرا على الناس لقضاء حاجتهم ..
ومن أخَّرَ إخراجها عن صلاة العيد؛ وَجَبَ عليه إخراجها قضاء؛ قال ابنُ عباس: “مَنْ أدَّاها قبلَ الصلاةِ؛ فهي زكاةٌ مقبولَةٌ، ومَنْ أدَّاها بعدَ الصلاةِ؛ فهيَ صدقةٌ منَ الصدقاتِ”.(أخرجه أبو داود).
ويُخْرِجُها المسلمُ عن نفسه، وعَمَّنْ يجب عليه نفقتهم ، كالزوجة ، والأولاد ، والوالدين ، ويُسْتَحَبُّ فقط وليس واجبا إخراجها عن الحَمْل في البطن ..
ويجب إخراج زكاة الفطر مِنْ غالب قُوْتِ البَلَد الذي يحتاجه الناس في قوتهم وطعامهم ، كالقمح، والتمر، والعدس، والبُرِّ؛ أو غيرها من الأصناف، مما اعتادَ الناسُ أَكْلَه في البلد: كالأرز، والذُّرَة، وما يَقْتَاتُه الناسُ في كُلِّ بَلَدٍ بِحَسَبِه؛ قال أبو سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه: “كُنَّا نُخْرِجُ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَومَ الفِطْرِ؛ صَاعًا مِن طَعَامٍ”، قال أبو سعيد: “وكانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرُ، والزَّبِيبُ، والأقِطُ والتَّمْرُ”(أخرجه الإمام البخاري).
وفي رواية أخرى أنه كان يقول: “كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ”.
والأصل في الزكاة أنْ تُصْرَفَ في فقراء البَلَد، وإنْ دَعَت الحاجة إلى نَقْلِها إلى بلدٍ آخر:”كأن يكون فقراءُ البَلَدِ التي ينقلها إليه أشدّ حاجة”؛ جاز نَقْلُها ، أو جزء منها..
ومقدار زكاة الفطر: صاعٌ مِنْ طعام؛ قال أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ: “كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- صَاعًا مِنْ طَعَام”(متفق عليه)..
ولزكاة الفطر خصوصية في النصاب ، إذ يقدر نصابها بأن يملك المسلم قوتاً زائداً عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته.
والصاع المعتبر هو صاع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو أربعة أمداد، والمد ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومدّ يديه بهما، وبه سمي مدّاً، ووزنه فيما قدرة العلماء بالكيلو هو ما بين اثنتين كيلو ونصف إلى ثلاثة كيلو تقريبًا..
جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر ، وهو مذهب الحنفية. فذهبوا إِلَى أَنَّهُ “يَجُوزُ دَفْعُ الْقِيمَةِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، بَل هُوَ أَوْلَى لِيَتَيَسَّرَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيَّ شَيْءٍ يُرِيدُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى الْحُبُوبِ بَل هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَلاَبِسَ، أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ”..
وجوز القيمة تيسيرا على الناس، وتحقيقاً لمصلحة الفقراء، كما صرح بذلك الإمام علاء الدين الكاساني رحمه الله، حيث قال: “فيجوز أن يعطي عن جميع ذلك -الأقوات الغالبة- القيمة دراهم، أو دنانير، أو فلوساً، أو عروضاً، أو ما شاء وهذا عندنا… ولنا أن الواجب في الحقيقة إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم)، والإغناء يحصل بالقيمة بل أتم وأوفر؛ لأنها أقرب إلى دفع الحاجة، وبه تبيّن أن النص معلول بالإغناء” [بدائع الصنائع 2/ 73]، ويعطي قيمة الحنطة البالغة نصف صاع (1625غم)، قال الإمام السرخسي رحمه الله: “فإن أعطى قيمة الحنطة جاز عندنا” [المبسوط 3/ 107]. دائرة الإفتاء /٣٨١٤.
وتقدر قيمة الزكاة على حسب مقدرة المزكي إيسارا وإعسارا ، فإن كان معسرا قدرت قيمة زكاته ما يعدل اثنين ونصف قمح ، وإن كان متوسطا حد أدني ما يعدل اثنين ونصف أرز ، وإن كان غنيا حد أدني ما يعدل اثنين ونصف من التمر ، أو الزبيب ، وهكذا ..
عَلَى مَن تَجِبُ؟
عَلَى المُسلِمِ المُستَطِيعِ الذِي يَملِكُ مِقدَارَ الزَّكَاةِ زَائِدًا عَن حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ أهلِهِ يَوْمًا وَلَيلَةً، وَإنْ لَم يَكُنْ عِندَهُ إلَّا مَا يَكفِي أهلَهُ فَقَطْ؛ فَلَيسَ عَلَيهِ شَيءٌ .(الروضة الندية)ص٥١٩.
وجود الفضل عن مؤنته ومؤنة عياله في يوم العيد وليلته، وتشمل المؤنة القوت والمسكن وخادمًا يحتاج إليه، وثوبًا وقميصًا وسراويل وعمامة تليق به، ..ولا يشترط لزكاة الفطر أن تكون فاصلة عن دينه، إلا إذا كان يطلب به في الحال فيُقدم وفاء الدين عليها، ومن أعسر وقت وجوبها فلا زكاة عليه ولو أيسر بعده.
والمقتدر في باب زكاة الفطر : هو من فضل عن قوته وقوت عياله وحوائجة الأصلية ليلة العيد مقدار صاع ؛ لأنه هو الواجب إخراجه في زكاة الفطر ..
هذا ولا تجب زكاة الفطر على الجنين ، إلا على من قبيل الاستحباب ، فقد أثر عن أمير المؤمنين عثمان بنُ عفّان -رضي الله عنه- إخراجَها عن الجنين..
عَمَّن تُؤدَّى الزَّكَاةُ؟
وَيُؤدِّي الرَّجُلُ الزَّكَاةَ عَنهُ وَعَمَّن تَكفَّلَ بِنَفَقَتِهِ وَلَابُدَّ لَهُ مِن أنْ يُنفِقَ عَلَيهِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قَالَ: «أمَرَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِصَدَقَةِ الفِطرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ وَالحُرِّ وَالعَبدِ مِمَّن تَمُونُونَ».
وَيَتَعَلَّقُ وجُوبُ الزَّكَاةِ بِوَقتِ غُروبِ الشَّمسِ فِي آخِرِ يَومٍ مِن رَمَضَانَ .
ومَنْ رُزِقَ بِوَلَدٍ أوْ تَزَوَّجَ أوْ أسْلَمَ قَبلَ الغُروبِ؛ فَإنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَأمَّا مَن رُزِقَ بِوَلَدٍ أوْ تَزَوَّجَ أوْ أسْلَمَ بَعْدَ الغُروبِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزَّكَاة .
وقيل تلزمه إذا كان قبل طلوع فجر يوم العيد .
مَتَى تُدْفَعُ الزَّكَاةُ أوْ تُرسَلُ؟
وَقْتُ الجَوَازِ: قَبلَ العِيدِ بِيَومٍ أوْ يَومَينِ، فَقَدْ جَاءَ عَنِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -: «أنَّهُمْ كَانُوا يُعطُونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أوْ يَومَينِ».
مِقدَارُ الزَّكَاةِ:
وَيُحسَبُ مِقدَارُ الزَّكَاةِ بِالكَيلِ لَا بِالوَزنِ، وَتُكَالُ بِالصَّاعِ وَهُوَ صَاعُ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم –
الجِنسُ الذِي تُخرَجُ مِنهُ زَكَاةُ الفِطرِ هُوَ طَعَامُ الآدَمِيِّينَ، مِن تَمرٍ، أو بُرٍّ، أو رُزٍّ، أو غَيرِهَا مِن طَعَامِ بَنِي آدَمَ .(منتدى الشروق) .
فَتُخرَجُ مِن غَالِبِ قُوتِ البَلَدِ الذِي يَستَعمِلُهُ النَّاسُ وَيَنتَفِعُونَ بِهِ، سَوَاءً كَانَ قَمْحًا أو أرزًّا أو تَمْرًا عَدَسًا أو غَيرَهُ .
فَفِي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -: « فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ ».
وَقَدْ تَظْهَرُ فَوَائِدُ لإخرَاجِهَا قُوتًا كَمَا فِي حَالَاتِ الاحتِكَارِ وَارتِفَاعِ الأسعَارِ وَالحُرُوبِ وَالغَلَاءِ.
من هم المستحقون لزكاة الفطر ؟ .
المُستَحِقُّونَ لِزَكَاةِ الفِطرِ هُمُ الفُقَرَاءُ وَالمَسَاكِينُ، أوْ مِمَّنْ لَا يكفِيهِم مجمل الدخل فَيَكُونُونَ مَسَاكِينَ مُحتَاجِينَ فَيُعطَونَ مِنهَا بِقَدرِ حَاجَتِهِم،
قَالَ شَيخُ الإسْلَامِ : «وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الفِطْرِ إِلَّا لِمَن يَسْتَحِقُّ الكَفَّارَةُ».
((الاختِيَارَات))
وَلِذَلِكَ قَالَ ابنُ القَيِّم فِي ((الزَّاد)): «وَكَانَ مِن هَدْيه – صلى الله عليه وسلم – تَخْصِيصُ المَسَاكِينِ بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ …».
حكم القيمة في زكاة الفطر :
الأصل فيها الطعام من غالب قوت البلد مثل هذه الأصناف الذرة، الأرز، القمح، الحمص، العدس، الفول، التمر، الزبيب ، الجبن، كما في مذهب الأئمة مالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل وأصحابهم.
ويرى الحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه بجواز إخراجها نقدًا .
وقيل أنه يجوز إخراجها نقداً في حالة ما إذا كان إخراجها قيمة من النقود أو غيرها تترتب عليه مصلحة راجحة للفقير، وهو قول الشيخ ابن تيمية.
ولا شك أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والعادة، وأن مراعاة المصالح من أهم أصول الشريعة، وحيثما دارت تدور معها، فالشريعة كلها مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد .
والله أعلم ..
العنصر الرابع: التوبة بداية الأعمال وختامها
يا إخوة الإسلام كلّنا مقصِّرون، وكلّنا مخطِئون، ورحمةُ ربّنا أرجى من أعمالنا، ومغفرته أوسع من ذنوبِنا، فهو يدعونا إلى فضلِه ورحمتِه، يدعونا إلى رضوانِه وجنّته، يدعونا لأن نسألَه ونرجوَه ونتضرّع بين يدَيه، يخبِرنا عن مواسمِ الخير لنتنافسَ في صالحِ العمل.
فيا أخي: إنّما هي ساعات قليلة، جدَّ واجتهِد ، فعساك أن تكتب من الفائزين ومن العتقاء من النار ومن المقبولين اللّيلة، فتسعدَ سعادة عظيمةً، سعادة برحمةِ ربّك وعِتقك من عذابِ ربّك، اجتهِد وتلمّس تلك الليلة، وجِدّ واجتهد، واسأل الله التوفيق والثباتَ على الحقّ والاستقامةَ على الهدى، اشكُ إلى الله بثَّك وحزنَك، اشكُ إلى الله حاجتَك، ارفَع إلى الله ضرورتَك، فإنّ ربّك لا يعجزه شيءٌ أن يعطيَه، ولا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفرَه، مهما بلغ الذّنب وعظُم وتكاثر، فإنّك بالتّوبة النصوح تقضي على كلّ الذنوب والمعاصي..
ويجب علينا أن نقبل على الله -عز وجل- إقبالا صادقا، تائبين إليه من ذنوبنا، سائلين الله -سبحانه- العافية، راجين رحمته، طامعين في فضله وعظيم ثوابه ..
♦ وختاماً:
فيا أخا الإسلام أقبل على الله بجوارحك وكيانك فهو الغني وما سواه فقير وهو القوي وما سواه ضعيف وهو القادر وما سواه عاجز ليس في الوجود إله غيره فيدعى وليس في الكون إله غيره فيرجى..
يا إخوة الإسلام إن المرابط في أرض العزة وعلى الجبهة والثغور خير من المرابط في المساجد وفي بيت الله الحرام ..
قال تعالى ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.التوبة ٢٠/١٩.
لقد شرع المولى رحمة بعباده جملة من الشرائع في ختام هذا الشهر الكريم، وكلها في مصلحة العباد ومن أسباب المغفرة كزكاة الفطر والاجتهاد في العبادة ، وتحري ليلة القدر، وسؤال الله الرحمة و العفو والمغفرة ، والعتق من النار، والاستغفار والدعاء والمناجاة ، ومما شرع الله تبارك وتعالى لعباده في تمام الشهر، تكبيرُ الله -عز وجلّ-، تكبير المنّان والمتفضِّل -سبحانه- بالصيام والقيام، وعموم الطاعات، وأنواع العبادات، قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) [البقرة:185].
عباد الله: والسنة في التكبير أن يقول المسلم عند إهلال ليلة العيد: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، يقولها تلك الليلة وفي صبيحة ذلك اليوم وهو في رواحه إلى المصلى إلى أن تبدأ الصلاة..
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وزكاتنا ، ودعاءنا ، وصالح أعمالنا يارب العالمين ..
واللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا اللهم إنا نسألك ثواب ليلة القدر ، اللهم لا تحرمنا الأجر ، كما نسألك بركات هذه الليلة وأنوارها وهداها ، ونسالك حسن الصيام والقيام والختام ، واجعلنا اللهم في هذا الشهر الكريم ممن غفرت لهم ، وقبلتهم ورضيت عنهم ، وحرمت عليهم النار وادخلتهم الجنة مع الأبرار ..
اللهم أرنا في الصهاينة عجائب قدرتك ، وكن للمستضعفين عونا وسندا ونصيرا وظهيرا ، وأهل علينا وعليهم وعلى جميع بلاد الإسلام والمسلمين هلال العيد بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام اللهم آمين يارب العالمين