زكاة الفطر تساؤلات وأحكام (٥)
18 مارس، 2025
قضايا شرعية

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية
س٢٤: هل يجوز إخراج القيمة في زكاة الفطر؟
ج: الأصل في إخراج الزكاة -بصفةٍ عامةٍ- أن تخرج من جنس الوعاء الزكوي للمزكي.
أي تخرج من جنس المال المزكَّى في جميع أنواع هذه الأموال.
س٢٥: ما معنى هذا الكلام؟
فرض الله عز وجل الزكاة في جميع الأموال على اختلافها وتنوعها،
فعندنا زكاة الثروة الحيوانية (الغنم والماعز والبقر والجاموس والإبل)
وعندنا زكاة الثروة الزراعية (ما تخرجه الأرض من ثمار وزروع وفواكه)
وعندنا زكاة المنتجات الحيوانية (العسل واللبن ….)
وعندنا زكاة الثروة المعدنية (الركاز والبترول ….…)
وعندنا زكاة الثروة البحرية (الأسماك بأنواعها وما يخرج من البحار من لؤلؤ وعنبر …..)،
وعندنا زكاة الثروة النقدية والذهب والفضة،
وعندنا زكاة التجارة (المنتجات الصناعية التي يتوسط التجار في بيعها بين الصانع والمستهلك).
فالزكاة تخرج من جنس المال المزكَّى في جميع أنواع هذه الأموال السابقة، فزكاة المال: مال،
وزكاة الزروع والثمار: زروع وثمار،
وزكاة الماشية: ماشية، وزكاة الفطر: طعام
إلا في زكاة التجارة، فالمطلوب من التاجر أن يُخرج الزكاة نقدًا، ومثلها: زكاة الحلي.
س٢٦: ما الحكمة في إخراج الزكاة من جنس الوعاء الزكوي؟
من جوانب الحكمة التي تكشفت في ذلك أن يحصل الفقير على أنواع هذه الأموال المتعددة، فالفلاح وأصحاب المزارع والبساتين يخرجون من جنس ما يزرعون، فيحصل الفقير على ما يحتاج إليه من الطعام، مثل الأرز والقمح والذرة والخضروات والفواكه ……
وصاحب الماشية بأنواعها يخرج منها فيحصل الفقير على اللحم الذي يصيبه الغني نفسه،
وصاحب النقد السائل، ومثله التاجر يخرج نقدًا، فيحصل الفقير على النقد فيشتري به ما لم توفره له أنواع الزكاة الأخرى من الثياب والدواء ونحو ذلك، والمقصود أن أصل مبدأ توزيع الزكاة على الأموال كافٍ في تحصيل أنواع الأموال التي يحتاج إليها الفقير.
س٢٧: لماذا نستدعي الخلاف الفقهي في زكاة الفطر كلَّ عامٍ؟ ألم يختلف فيها سلفنا الصالح، ووسعهم الخلاف؟
ج: بدايةً نقول: إن زكاة الفطر من شعائر الإسلام البارزة التي يعرفها الجميع بدون استثناء -فهي من المعلوم من الدين بالضرورة-
وكلنا نلاحظ هذا الخلاف المتكرر بين من يجيز إخراجها نقودًا، ومن يوجب إخراجها طعامًا، فلا تذكر زكاة الفطر إلا مقرونة به، وكثرة التكرار -بلا جدة- تنفّر منه بعض النفوس،
– ثم إن كل من طرفي الخلاف مستمسك بمذهبه، ولا نية عنده للتنازل عنه -مهما كانت حجة ودليل الطرف الآخر- فلا يعدو ذكر الخلاف إلا تأصيلا للتنازع،
– ثم لا يخلو الكلام أحيانًا من غض أحد الطرفين للآخر، فمن ير لزوم إخراجها قوتًا قد يرمق مخالفه بعين عدم تعظيم السنن، وغواية تقديم الرأي،
وصاحب القول بإخراجها قيمة يرشق مخالفه بضعف ملكة الفقه، وعدم تسوره معراج مقاصد الشرع في رعاية مصلحة الفقير، وتغير عادات الأزمنة.
ثانيًا: إن قلة الفقه والتعصب المذهبي والتشدد في التمسك بظواهر النصوص، وعدم إعطاء الفرصة لمناقشة الرأي الآخر ومدى احتياج العصر له كل ذلك من أسبابه.
ثالثًا: كما أن عدم مراعاة قاعدة “اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان” له أثره في ذلك.
فوقوع الخلاف في المسائل الفقهية واضح أنه مقصود في التشريع الإسلامي؛ فإن الشرع الحنيف بنى الأحكام على أدلة محتملة الأفهام، وما كان ربك ليعجزه أن يجعل في كل مسألة نصًا قاطعًا لكل خلاف،
رابعًا: إن الله تعالى قد فاوت بين قدرات عقول الناس، فهذا وذاك يؤدي حتمًا إلى الخلاف، ويدل قطعًا على أن هذا الخلاف مقصود. يقول الإمام الزركشي: (اعلم أن الله تعالى لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة، بل جعلها ظنية قصدًا؛ للتوسيع على المكلفين، لئلا ينحصروا في مذهبٍ واحد لقيام الدليل عليه).
خامسًا: هناك نصٌ وهناك فهمٌ للنص، أو دلالة للنص. والوقوف عند النص يترتب عليه الجمود والوقوف بالنص عند مرحلة زمنية محددة، مثل قوله تعالى: “وأذن في الناس بالحج يأتوك رِجالًا وعلى كل ضامرٍ” فهل يُفهم من هذا أن السفر إلى الحج يقتصر على هاتين الرحلتين فقط -سيرًا على الأقدام أو ركوب الخيل-؟!! أم تدخل فيها جميع وسائل النقل الحديثة؟؟
وقوله تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل” فهل يُفهم من هذا أن القوة مقتصرة فقط على إعداد الخيل؟؟!! أم يدخل فيها كل ما من شأنه أن يجعلك في مركز قوة وصاحب قرار؟!!
أما فهم النص والوقوف على غايتة وحكمته فإن فيه إثراء للفقة، ومسايرةً للزمان والمكان.
▪︎ الاختلاف -بين مدرستي النص والقصد- قائمٌ منذ العهد النبوي، فلقد كان النبي ﷺ يطلب من أصحابه الأمر فيختلفون في فهمه وينفذونه حسب فهمهم، ثم يخبرون النبي ﷺ فيقرهم على ما ذهبوا إليه ومن ذلك:
– في أعقاب غزوة الخندق قال ﷺ لأصحابه: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُصلّين العصر إلا في بني قريظة” وفي الطريق أدركهم الوقت فتشاوروا هل يصلون حتى لا يضيع الوقت أم يلتزمون بكلام النبي ﷺ فلا يصلون في بني قريظة حتى ولو ضاع الوقت فاختلفوا فصلّت جماعة في الطريق، وانتظر آخرون حتى صلّوها في بني قريظة فأقرهم النبي ﷺ على ما ذهبوا إليه.
وسيدنا عمرو بن العاص حينما صلّى بأصحابه وهو جنبًا -في الجو البارد-، ولما ذُكر ذلك للنبي ﷺ، وسأله عن السبب الذي دفعه لذلك؟ قال له: “ذكرت قول الله تعالى: “ولا تقتلوا أنفسكم”؛ فخشيتُ إن أنا اغتسلتُ أن أموت. فتبسم النبي ﷺ وأقره على فعله. وغير ذلك من الأمثلة