إعداد فضيلة الشيخ : عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
الجمعة 21 من رمضــان 1446هـ
الموافق 21 من مـــــــارس 2025م
عناصر الخطبة :
١- من القربات في رمضان بر الوالدين .
٢- الأم أحق الناس بالبر .
٣- كيف يكون البر ، ونماذج للبر بالوالدين .
٤- البر بالوالدين بعد موتهما .
٥- جزاء البر وعقوبة العقوق .
الخطبة الأولي :
الْحَمْدُ لله الَّذِي حَذَّرَنَا مِنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَأَمَرَنَا بِالاَسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، أَحْمَدُهُ وَهُوَ الْغَفُورُ الشَّكُورُ،
ياااااااااااااااااااا رب
رضاك خير من الدنيا وما فيها
يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سؤلي ويا أملي
خير لي من الدنيا وما فيها
فليس للنفس آمال تحققها
سوي رضاك فذا أقصى أمانيها وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَحَذَّرَ وَنَهَى عَنِ الْعُقُوقِ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وسلم وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَّا بَعْدُ:
(١)- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة”؛ رواه مسلم، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة إلا أنه قال فيه: “ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين” .
يرشد النبي صلى الله عليه وسلم ،إلي أن ادراك شهر رمضان ، وإدراك الوالدين أو أحدهما من الفرص العظيمة التي ينبغي أن يغتنمها المسلم لتكون سبباً في مغفرة ذنوبه وفوزه برضا الله تعالي وجنته ، وفي شهر رمضان المبارك يجتهد المسلم في عمل الطاعات والقربات رجاء رضا الله تعالي ومغفرة ذنوبه والفوز بالجنة والبعد عن النار .
ومن أفضل القربات والطاعات التي تحقق للعبد
رضا الله تعالي ومغفرة ذنوبه والفوز بالجنة والبعد عن النار . ” البر بالوالدين “
في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله”؛ رواه البخاري ومسلم.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :” جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ “. متفق عليه
وفي روايه ” جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَهُ في الجِهَادِ، فَقَالَ: أحَيٌّ والِدَاكَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ ” .متفق عليه
وروى النسائي أنَّ جاهمةَ السلمي أتَى النَّبيَّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – فقال : “يا رسولَ اللهِ أردتُ الغزوَ وجِئتُك أستشيرُك فقيل : هل لك من أمٍّ ؟ قال : نعم , قال : الزَمْها فإنَّ الجنَّةَ عند رِجلَيْها “.
ومن يقرأ القرآن يعلم أن الله لم يجمع حق بشري غير نبيِّه مع حقه جل جلاله إلا حق الولدين،قال الله تعالي :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ {الإسراء:23- 24}.
وقال تعالي في سورة لقمان: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (سورة لقمان : 15 -16)
فأمر بالشكر لهما حتى لو لم يكونا على دين الإسلام، لكنه نهى عن طاعتهما في الكفر والمعاصي، وإن كان قد أمر بحسن صحبتهما حتى لو أمراك بالكفر، وليس فقط إن أمراك به، بل وحتى لو جاهداك لتكفر، فكان طلبهما شاقًّا عليك متعبًا لك، وفي الحديث عن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قالت :” قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ ” متفق عليه .
(٢)- وقد أولى الله جل جلاله عناية أكبر بالأم: لما تجد من تعب في الحمل والوضع والإرضاع، قال الله تعالى:﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾(سوره الاحقاف : 15).
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ.”؛ رواه البخاري ومسلم،
بر الأم سبب في كفارة الذنوب ، ففي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فقال إنِّي أذنبتُ ذنبًا عظيمًا فهل لي من توبةٍ فقال هل لك أمٌّ قال لا قال فهل لك من خالةٍ قال نعم قال فبِرَّها”؛ رواه الترمذي.
عن أبي بردة قال: رأي ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً من أهل اليمن حمل أمه على عنقه، فجعل يطوف بها حول البيت، وهو يقول:
إني لها بعيرها المدلل إذا ذعرت ركابها لم أذعر
وما حملتني أكثر، ثم قال: أتراني جزيتها؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لا، ولا بزفرة واحدة من زفرات الولادة”رواه البخاري في الادب المفرد .
وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكًا، فيشتريه فيعتقه”؛ رواه مسلم وأبو داود.
(٣)- كيف يكون البر بالوالدين؟
سئل قال الفضيل رحمه الله، عن كيفيه البر بالوالدين فقال : ” الا تقدم على خدمتهما وانت كسلان ، ولا ترفع صوتك عليهما والا تنظر اليهماشررا”
وراي ابو هريره رضي الله عنه رجلا يمشي مع ابيه فقال له” لا تمش امامه ولا تقعد قبله ولا تدعه باسمه”
ومن البر بالوالدين طاعتهما في ما امرا اذا لم تكن معصيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ” صحيح البخاري “
يقول الله تعالى :﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾
سئل الامام احمد رحمه الله عن رجل صام تطوعا فساله ابواه ان يفطر فقال الحسن رضي الله عنه “يفطر وله اجر البر والصوم”
ومن البربهما خفض الصوت عندهما والتذلل لهما وتوقيرهما .
قال الله تعالي :﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾( الإسراء : 23 – 24 )
قال طاووس رحمه الله “ان من السنه توقير اربعه العالم وذا الشيبه والسلطان والوالد” .
* ومن نماذج البر بالوالدين، ما جاء في كتاب الله تعالى ، عن ادب ابراهيم عليه السلام
في حواره مع ابيه قال الله تعالي : ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا . يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا . يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا . يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾,(سوره مريم :٤١- ٤٥ )
والجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان
كان جزاء ابراهيم عليه السلام بر ولده اسماعيل له لما اخبره انه راى في المنام انه يذبحه و رؤيا الانبياء حق وصدق
قال اسماعيل عليه السلام : ﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ (سوره الصافات :٢٢)
وفي السنة عنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ :” كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ : أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ) فَاسْتَغْفِرْ لِي . فَاسْتَغْفَرَ لَهُ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : الْكُوفَةَ . قَالَ : أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ .
قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، فَوَافَقَ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ قَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ .