خطبة بعنوان ( أمك ثم أمك ثم أمك ) لفضيلة الشيخ عادل تونى

إعداد فضيلة الشيخ :  عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف

الجمعة 21 من رمضــان 1446هـ

الموافق 21 من مـــــــارس 2025م

عناصر الخطبة :

١- من القربات في رمضان بر الوالدين .

٢- الأم أحق الناس بالبر .

٣- كيف يكون البر ، ونماذج للبر بالوالدين .

٤- البر بالوالدين بعد موتهما .

٥- جزاء البر وعقوبة العقوق .

الخطبة الأولي :

الْحَمْدُ لله الَّذِي حَذَّرَنَا مِنْ دَارِ الْغُرُورِ، وَأَمَرَنَا بِالاَسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، أَحْمَدُهُ وَهُوَ الْغَفُورُ الشَّكُورُ،

ياااااااااااااااااااا رب

رضاك خير من الدنيا وما فيها

يا مالك النفس قاصيها ودانيها

فنظرة منك يا سؤلي ويا أملي

خير لي من الدنيا وما فيها

فليس للنفس آمال تحققها

سوي رضاك فذا أقصى أمانيها وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَحَذَّرَ وَنَهَى عَنِ الْعُقُوقِ،

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه وسلم وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

أَمَّا بَعْدُ:

(١)- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة”؛ رواه مسلم، ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة إلا أنه قال فيه: “ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما، فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين” .

يرشد النبي صلى الله عليه وسلم ،إلي أن ادراك شهر رمضان ، وإدراك الوالدين أو أحدهما من الفرص العظيمة التي ينبغي أن يغتنمها المسلم لتكون سبباً في مغفرة ذنوبه وفوزه برضا الله تعالي وجنته ، وفي شهر رمضان المبارك يجتهد المسلم في عمل الطاعات والقربات رجاء رضا الله تعالي ومغفرة ذنوبه والفوز بالجنة والبعد عن النار .

ومن أفضل القربات والطاعات التي تحقق للعبد

رضا الله تعالي ومغفرة ذنوبه والفوز بالجنة والبعد عن النار . ” البر بالوالدين “

في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله”؛ رواه البخاري ومسلم.

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :” جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ “. متفق عليه

وفي روايه ” جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَهُ في الجِهَادِ، فَقَالَ: أحَيٌّ والِدَاكَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ ” .متفق عليه

وروى النسائي أنَّ جاهمةَ السلمي أتَى النَّبيَّ – صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – فقال : “يا رسولَ اللهِ أردتُ الغزوَ وجِئتُك أستشيرُك فقيل : هل لك من أمٍّ ؟ قال : نعم , قال : الزَمْها فإنَّ الجنَّةَ عند رِجلَيْها “.

ومن يقرأ القرآن يعلم أن الله لم يجمع حق بشري غير نبيِّه مع حقه جل جلاله إلا حق الولدين،قال الله تعالي :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ {الإسراء:23- 24}.

وقال تعالي في سورة لقمان: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (سورة لقمان : 15 -16)

فأمر بالشكر لهما حتى لو لم يكونا على دين الإسلام، لكنه نهى عن طاعتهما في الكفر والمعاصي، وإن كان قد أمر بحسن صحبتهما حتى لو أمراك بالكفر، وليس فقط إن أمراك به، بل وحتى لو جاهداك لتكفر، فكان طلبهما شاقًّا عليك متعبًا لك، وفي الحديث عن اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما قالت :” قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ ” متفق عليه .

(٢)- وقد أولى الله جل جلاله عناية أكبر بالأم: لما تجد من تعب في الحمل والوضع والإرضاع، قال الله تعالى:﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾(سوره الاحقاف : 15).

وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ.”؛ رواه البخاري ومسلم،

بر الأم سبب في كفارة الذنوب ، ففي الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فقال إنِّي أذنبتُ ذنبًا عظيمًا فهل لي من توبةٍ فقال هل لك أمٌّ قال لا قال فهل لك من خالةٍ قال نعم قال فبِرَّها”؛ رواه الترمذي.

عن أبي بردة قال: رأي ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً من أهل اليمن حمل أمه على عنقه، فجعل يطوف بها حول البيت، وهو يقول:

إني لها بعيرها المدلل إذا ذعرت ركابها لم أذعر

وما حملتني أكثر، ثم قال: أتراني جزيتها؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لا، ولا بزفرة واحدة من زفرات الولادة”رواه البخاري في الادب المفرد .

وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجزي ولدٌ والده إلا أن يجده مملوكًا، فيشتريه فيعتقه”؛ رواه مسلم وأبو داود.

(٣)- كيف يكون البر بالوالدين؟

سئل قال الفضيل رحمه الله، عن كيفيه البر بالوالدين فقال : ” الا تقدم على خدمتهما وانت كسلان ، ولا ترفع صوتك عليهما والا تنظر اليهماشررا”

وراي ابو هريره رضي الله عنه رجلا يمشي مع ابيه فقال له” لا تمش امامه ولا تقعد قبله ولا تدعه باسمه”

ومن البر بالوالدين طاعتهما في ما امرا اذا لم تكن معصيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ” صحيح البخاري “

يقول الله تعالى :﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾

سئل الامام احمد رحمه الله عن رجل صام تطوعا فساله ابواه ان يفطر فقال الحسن رضي الله عنه “يفطر وله اجر البر والصوم”

ومن البربهما خفض الصوت عندهما والتذلل لهما وتوقيرهما .

قال الله تعالي :﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾( الإسراء : 23 – 24 )

قال طاووس رحمه الله “ان من السنه توقير اربعه العالم وذا الشيبه والسلطان والوالد” .

* ومن نماذج البر بالوالدين، ما جاء في كتاب الله تعالى ، عن ادب ابراهيم عليه السلام

في حواره مع ابيه قال الله تعالي : ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا . يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا . يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا . يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾,(سوره مريم :٤١- ٤٥ )

والجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان

كان جزاء ابراهيم عليه السلام بر ولده اسماعيل له لما اخبره انه راى في المنام انه يذبحه و رؤيا الانبياء حق وصدق

قال اسماعيل عليه السلام : ﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ (سوره الصافات :٢٢)

وفي السنة عنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ :” كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ : أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ : أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ) فَاسْتَغْفِرْ لِي . فَاسْتَغْفَرَ لَهُ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ : الْكُوفَةَ . قَالَ : أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ .

قَالَ : فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، فَوَافَقَ عُمَرَ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ قَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ .

 

قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ ، فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ ، قَالَ أُسَيْرٌ : وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً ، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ : مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ ؟ ).رواه مسلم في صحيحه

وكان الفضل بن يحيى البرمكي شديد البر بابيه لما سجنوا اخذ اناء فيه ماء وقربه من المصباح ليسخن الماء و يتوضا به ابوه .

(٤)- ومن فضل الله تعالي ورحمته ان جعل البر بالوالدين ممتد حتى بعد موتهما .

روى أبو داود في سننه عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله: هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: “نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.)

فمن البر بالوالدين بعد موتهما الدعاء لهما قال الله تعالى:﴿ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ وعن ابي هريره رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له ” .متفق عليه .

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إنَّ اللهَ ليرفعُ الدرجةَ للعبدِ الصالحِ في الجنةِ فيقولُ يا ربِّ من أينَ لي هذا فيقولُ باستغفارِ ولدِكَ لكَ “صحيح ابن ماجه

قال بعض الصالحين من دعا لوالديه في اليوم خمس مرات فقد ادي حقهما وشكرهما فالله تعالي يقول : (ان اشكر لي ولوالديك الي المصير) ، ومن الشكر لله ان يصلي الصلوات الخمس وكذا اذا دعا لوالديه خمس مرات في اليوم فقد ادي شكرهما .

ومن ذلك صله الرحم التي لا توصل إلا بهما ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال:”أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فقال إنِّي أذنبتُ ذنبًا عظيمًا فهل لي من توبةٍ فقال هل لك أمٌّ قال لا قال فهل لك من خالةٍ قال نعم قال فبِرَّها ” رواه أحمد.

وقد قال صلى الله عليه وسلم :”الخَالَةُ بمنزِلَةِ الأُمِّ “صحيح أبي داود

ومن ذلك انفاذ عهدهما اذا كان في الطاعه قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ” صحيح البخاري “

واكرام صديقهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” إن أبرَّ البرِّ صلةُ المرءِ أهلَ ودِّ أبيه بعد أن يوليَ ” رواه مسلم .

ومن البر بالوالدين بعد موتهما سداد دينهما والصيام والحج والعمرة والصدقة عنهما ،عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : ” جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ فقال : إن أختي نذرت أن تحجَّ وقد ماتت قال : أرأيت لو كان عليها دينٌ أكنت تقضِيه قال : نعم قال : فاللهُ تبارك وتعالى أحقُّ بالوفاءِ ” أخرجه البخاري .

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أما بعد …

،(٥)- فإن للبر بالوالدين اثار طيبه تعودعلى البار بوالديه في الدنيا والاخره

منها تفريج الكرب والشدائد كما في حديث الثلاثه الذين اواهم المبيت الى غار فانحدرت صخره فسدت عليهم باب الغار فقالوا في ما بينهم انه لن ينجينا من هذا الا ان ندعو الله بصالح وخالص اعمالنا ، فكان من دعاء احدهم :” انه كان له ابوان شيخان كبيران وكان يقوم على خدمتهما ويطعمهما قبل اهله زوجته واولاده فتاخر يوما فوجدهما قد ناما فحمل الطعام على يديه ووقف به حتى استيقظا فاطعمهما دعا الثلاثه ففرج الله تعالى عنهم وخرجوا يمشون) , رواه البخاري من حديث عبدالله بن عمر .

ومن الجزاء للبار بوالديه ، رضا الله تعالي والفوز بالجنه ورفع الدرجات ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( الوالد اوسط ابواب الجنه فان شئت فاضع هذا الباب اواحفظه) رواه الترمذي

وعن السيده عائشه رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” (دخلت الجنه فسمعت قراءه قلت من هذا قالوا حارثه بن النعمان فقال صلى الله عليه وسلم: كذلكم البر كذلكم البر وكان أبر الناس بأمه) رواه احمد

وقد جعل الله تعالي رضاه في رضا الوالدين:

عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا-, عَنْ اَلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” رِضَا اَللَّهِ فِي رِضَا اَلْوَالِدَيْنِ, وَسَخَطُ اَللَّهِ فِي سَخَطِ اَلْوَالِدَيْنِ ” . أَخْرَجَهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.

وجعل الله جزاء البر بهما بركة في العمر والرزق:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه، فليبر والديه، وليصل رحمه”؛ رواه أحمد، وعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر”؛ رواه الترمذي.

* هذا وقد حذر الله تعالي ورسوله صلى الله عليه وسلم من العقوق وعاقبته في الدنيا والاخرة

عن ابي بكره رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الا انبئكم باكبر الكبائر قالوا بلي يا رسول الله قال: الاشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال الا وقول الزور الا وقول الزور حتى قلنا ليته سكت) متفق عليه

وقال صلى الله عليه وسلم : (ان من اكبر الكبائر ان يلعن الرجل والديه قالوا وكيف يلعن الرجل والديه يا رسول الله قال يسب الرجل ابا الرجل فيسب اباه ويسب امه) متفق عليه

وقال صلى الله عليه وسلم (كل الذنوب يؤخر الله منها ما يشاء الى يوم القيامه الا العقوق فان الله يعجله لصاحبه)

وفي روايه عن ابي بكره رضي الله عنهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من ذنب اجدر ان يعجل الله لصاحبه على ما يدخره له في الاخره من البغي وقطيعه الرحم) رواه احمد….

وقد حرَّم الله الجنة على العاق: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة حرَّم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاقُّ، والديوث الذي يقر الخبث في أهله”؛ رواه أحمد، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، والديوث، والرجلة”؛ رواه النسائي.

والعاق لوالديه لا يقبل الله منهم عملًا: فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا يقبل الله عز وجل منهم صرفًا ولا عدلًا: عاق، ولا منان، ومكذب بقدر”؛ رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بإسناد حسن.

اللهم اغفرْ لآبائِنا وأمهاتِنا، جازِهم بالإحسانِ إحساناً، وبالسيئاتِ عفواً منكَ وغُفراناً.

وارزقنا برَّهم أحياءً وأمواتاً،وتوفنا وإياهم وأنتَ راضٍ عنا .

وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *