سوف نحاول أن يكون الموضوع متكاملًا -إن شاء الله- ويشمل:
* نعمة الوالدين * التعريف ببر الوالدين.
*أهمية بر الوالدين * ثمرات بر الوالدين.
* حكم بر الوالدين * كيفية بر الوالدين
* من صور البر
* ثم نتحدث عن الوجه المقابل وهو العقوق وأسبابه وعلاجه
الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد.
فسوف نتحدث عن حقٍ عظيمٍ من حقوق المسلم ضاع مثل غيره من الحقوق في هذا الزمان الذي يتسم بسمة العقوق
ويكاد القلب ينفطر أسًى وحزنًا وكمدًا مما يرى ويسمع من قصص العقوق وضياع البر، وعدم مقابلة الإحسان بإحسانٍ مثله أو معاملة آدمية تليق بحق هذين الوالدين اللذين قضيا وأفنيا زهرة عمرهما في تربية ورعاية أبنائهم.
وقد قيل: “من لم يؤد الحقوق فهو من أهل العقوق”
فنقول وبالله التوفيق: .
إن الوالدين نعمة عظيمة على الإنسان؛ فهما موطن السّعادة والأُنس، ومنبع الحنان والدفْء، وما يُقدّمانه من إحسانٍ وجميلٍ لا يُكافئه أيّ إحسانٍ وبرٍّ، وعلى الأبناء شكر الله على هذه النعمة، والإحسان وردّ الجميل لوالديهم، قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الأحقاف ١٥
* وقد قرن الله تعالى عبادته وشكره بالوصية بالوالدين والبر بهما، يقول ابن عباس: ثلاث آيات نزلت مقرونات بثلاث، لا تقيل إحداهن من غير قرينتها، ومنها “أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير” لقمان ١٤
تعريف بر الوالدين:
بر الوالدين هو “الإحسان إليهما، أي عدم عقوق الوالدين أو محاولة عصيان أوامرهما”، ويشمل الإحسان إليهما فعل كل ما يحبانه من تصرفات حتى بعد أن يتوفاهما الله تعالى،
أهمية الإحسان للوالدين
إنّ الله -تعالى- قد جعل للوالدَيْن في حياة المسلم حقّاً عظيماً، ومقاماً جليلاً لا يُضاهيه أيّ حقٍّ أو مقامٍ؛ فهما
* خُلقٌ من أخلاق أنبياء الله -تعالى-، ودأب الصّالحين، وهدى المتقين، قال تعالى حكاية عن يحيى عليه السلام “وبرًا بوالديه”، وعن عيسى عليه السلام: “وبرًا بوالدتي” مريم
* من أفضل الأعمال إلى الله وأحبّها، حيث سُئل النبيّ ﷺ: (أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: الصَّلاةُ لوقتِها، قال: ثمَّ أيُّ؟ قال: بِرُّ الوالدَيْنِ)
* يزيد الله -تعالى- في رزق البارّ بوالديه، ويُمد له في عمره ويُزاد له في رزقه: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه أحمد وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح،
الحمد لله أن بر الوالدين والإحسان إليهما لا ينقطع بموتهما، وإنما يستمر مباركًا موصولًا، فقد سئل النبي -ﷺ- عن حق الوالدين بعد مماتهما فقال له سائل: يا رسول الله هل بقي من بر أبويّ شيء أبرهما بعد وفاتهما؟
قال: “نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما”.
* والدعاء للوالدين والاستغفار لهما من أفضل الأعمال بعد مماتهما، وهو من أوجب وأحرى الأعمال التي يستطيع الإنسان أن يقدّمها لوالديه، فيدعو لهما بالرحمة
* صلة أصدقاء الوالدين، والاستوصاء بهم وإكرامهم، وإكرام صديقهما. فإذا كان لأبيك أو أمك أصدقاء وأحباب وأقارب تحسن إليهم وتقدر لهم صحبة والديك وصداقة والديك ولا تنس ذلك، لا تنس ذلك بالكلام الطيب والإحسان إذا كانا في حاجة إلى الإحسان، وجميع أنواع الخير الذي تستطيعه فهذا من برهما بعد وفاتهما.
فعبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كان حريصاً على برّ أصدقاء وأهل والده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث يُروى عنه: (أنّه كان إذا خرج إلى مكةَ كان له حمارٌ يتروَّحُ عليه، إذا ملَّ ركوبَ الراحلةِ، وعمامةً يشدُّ بها رأسَه، فبينا هو يوماً على ذلك الحمارِ، إذ مرَّ به أعرابيٌّ، فقال: ألستَ ابنَ فلانِ بنِ فلانٍ؟ قال: بلى، فأعطاه الحمارَ، وقال: اركب هذا والعمامةَ، قال: اشدُدْ بها رأسَك،
فقال له بعضُ أصحابِه: غفر اللهُ لك، أعطيتَ هذا الأعرابيَّ حمارًا كنت تروحُ عليه، وعمامة ًكنت تشدُّ بها رأسَك،
فقال: إنّي سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صلةُ الرجلِ أهلَ وُدِّ أبيه، بعد أن يُولِّيَ وإنَّ أباه كان صديقاً لعمرَ)
قضاء الدين والنذور والكفارات عن الوالدين، فعلى سبيل المثال كفارة اليمين
وإنفاذ عهدهما من بعدهما الوصية التي يوصيان بها، فالواجب على الولد ذكرًا كان أو أنثى إنفاذها إذا كانت موافقة للشرع المطهر.
وصلة الرحم الذي لا توصل إلا بهما وذلك بالإحسان إلى أعمامك وأقارب أبيك وإلى أخوالك وخالاتك من أقارب أمك، هذا من الإحسان إلى الوالدين، وبر الوالدين أن تحسن إلى أقارب والديك؛ الأعمام والعمات وأولادهم.. والأخوال والخالات وأولادهم، الإحسان إليهم وصلتهم كل ذلك من صلة الأبوين ومن إكرام الأبوين.
وأهم شىءٌ يجب أن تفعله لأبويك هو سداد ديونهما ، وأن يتدارك الابن ما فات والديه من تقصيرِ في حق الله واسترضاء من ظلمهم الأب في حياته، كان يكون قد ظلم أخوته في الميراث أو أخذ شيئًا بدون إذن صاحبه وهي حقوق العباد،
أما حقوق الله تعالى كالصلاة فهي عبادة بدنية محضة فلا يجوز قضائها عن الميت ولا تصح حتى لا يكون ذلك مدعاة للتهاون في عمود الدين، أما الصيام فقد جاء فيه قول النبي ﷺ: “من مات وعليه صيام صام عنه وليه” متفق عليه،
ولما سئل عن صيام الابن عن أمه الني ماتت قال: “دين الله أولى بالقضاء، والقول بجواز قضاء الزكاة عن الميت لا ينبغي أن يكون فيه خلاف،
أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.
أيها الإخوة المؤمنين
فكيف يتحقق فينا بر الوالدين؟
أولا: يجب أن نعلم ونوقن بأن الجزاء من جنس العمل، فالوالدان هما الأرض التي تزرع فيها ما سيفعله أبناءك معك، فكل شىءِ مكتوبٌ في كتابِ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيفما يشاء، فإذا علمت ذلك فأخلص النية لله تعالى،
ثانيًا: عليك أن تصحاب الأبرار، فلا تصاحب العاقين لأبائهم لأن كل إناءِ بمافيه ينضح، ومهما كان الابن بارًا فإن مصاحبته للعاقين ستدفعه لتقليدهم في سلوكهم المشين وستفسد أخلاقه ولا بد ـ ولذلك حذر النبي ﷺ
من صديق السوء فقال: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”
ويقول الشاعر: عن المرء لا تيأل وسل عن قرينه إن القرين إلى المقارن ينسب
ثالثًا: صدق الاستعانه بالله أن يجعلك بارًا بوالديك، وأن يلهمك رشدك وينير بصيرتك في معرفة الحق
الاجتهاد في الإحسان إليهما ولو بالكلمة البسيطة الطيبة وأن تعود نفسك الإصغاء لكلامهما، ولا ترفع صوتك أمامهم
رابعًا: عليك بقراءة قصص الصالحين والأبناء البررة لتقتدي بهم، وخيرهم هم الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ثم أصحاب النبي ﷺ وسلفنا الصالح، وها نحن نقص عليك من خبرهم بعض ما فيه الفائدة ونبدأ بخير خلق الله وهم الأنبياء