خطبة بعنوان ﴿ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ﴾ لفضيلة الدكتور أيمن حمدى الحداد

خطبة بعنوان ﴿ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ﴾
لفضيلة الدكتور أيمن حمدى الحداد

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط أدناه :
alom – omk som omk

عناصر الخطبة
♦ أولاً: صور من بر الوالدين.
♦ ثانياً: بر الوالدين بعد موتهما.
♦ ثالثاً: ثمرات بر الوالدين.

نص الخطبة
الحمد لله رب العالمين أمر ببر الوالدين، وجعل ذلك من أسباب مرضاته والخلود في دار النعيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه حق قدره ومقدراه العظيم وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد أمر الله عز وجل بالإحسان إلى الوالدين، وقرن هذا الأمر بعبادته فدل ذلك على أن بر الوالدين من أهم وأجل الفرائض؛ قال تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾(الإسراء:٢٣- ٢٤)، ولقد جعل ديننا الحنيف للأم منزلة عظيمة، لأنها تحملت أعباء الحمل والإرضاع والرعاية والتربية؛ قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾(الأحقاف: ١٥)، وقال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾(لقمان: ١٤)، ولقد بين سيدنا رسول الله ﷺ أن الأم هى أولى الناس بحسن الصحبة؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» رواه مسلم.

♦ أولاً: صور من بر الوالدين؛
– خليل الرحمن سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء وإمام الحنفاء يخاطب أباه بالرفق واللطف واللين – مع كفره وعناده – فيناديه: ﴿يا أبت﴾، وذلك حين دعاه لعبادة الله وحده، وترك الشرك.

فلما أعرض وأبى كان الرد الجميل: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾(مريم: ٤٧)،

– ولقد أثنى الله عز وجل على بر يحيى بن زكريا عليهما السلام؛ قال تعالى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ﴾(مريم: ١٤)،
– وأثنى جل جلاله على بر المسيح عيسى عليه السلام بوالدته؛ قال تعالى ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾(مريم: ٣٢)

– أبوهريرة يبكى فرحاً بإسلام أمه؛ فإن من أعظم البر بالأم أن يكون الابن سبباً فى هدايتها إلى الحق؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَسَمَّعَتْنِي فِي رَسُولِ الله ﷺ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الإِسْلاَمِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ» فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا جِئْتُ فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ وَقَرُبْتُ مِنْهُ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ فَقَالَتْ: مَكَانَكَ -أَبَا هُرَيْرَةَ- وَسَمَعِتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ فَاغْتَسَلَتْ، وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: أَبْشِرْ، فَقَدِ اسْتَجَابَ الله دَعْوَتَكَ، وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ، «فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خيراً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

– وكان أبو هريرة رضي الله عنه إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أُمِّه فقال: السلام عليك يا أُمَّتاه ورحمة الله وبركاته.
فتقول: وعليك السلام يا بُنَيَّ ورحمة الله وبركاته.
فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرًا.
فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرًا.
وإذا أراد أن يدخل صنع مثله.

– وَهَذَا أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه وبره بإمه؛ فعَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟! حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ثُمَّ مِنْ قَرْنٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟! قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرْنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ»، فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغَفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟! قَالَ: الْكُوفَةُ، قَالَ: أَلاَ أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟! قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ.. رواه مسلم.

– عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يحمل الماء حتى الصباح؛ لقد طلبت منه أمه في إحدى الليالي ماء؟ فذهب ليجئ بالماء فلما جاء وجدها نائمة، فوقف بالماء عند رأسها حتى الصباح، فلم يوقظها خشية إزعاجها، ولم يذهب خشية أن تستيقظ فتطلب الماء فلا تجده.

– وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رجلان من أصحاب رسول الله ﷺ أبرَّ من كانا في هذه الأُمَّة بأُمِّهما: عثمان بن عفان، وحارثة بن النُّعمان رضي الله عنهما.

– فأمَّا عثمان فإنه قال: ما قدرت أن أتأمل أُمِّي منذ أسلمت.

– وأمَّا حارثة فإنه كان يُفلِّي رأس أُمَّه، ويطعمها بيده، ولم يستفهمها كلامًا قطُّ تأمر به، حتى يسأل من عندها بعد أن يخرج: ماذا أرادت أُمِّي؟!

– ما وفيت حقها؛ فعن أبي بُردة أنه شهد ابن عمر رضي الله عنهما ورجل يماني يطوف بالبيت قد حمل أُمَّه على ظهره وهو يقول: إني لها بعيرها المذلَّلُ إذا الرِّكابُ نفرت لا أنفرُ ما حَمَلَتْ وأرضَعَتْني

ثم التفت إلى ابن عمر وقال: أتراني قضيت حقَّها؟ فقال ابن عمر: لا، ولا بطلقة واحدةٍ من طلقاتها، ولكنَّك أحسنت والله يُثيبُك على القليل كثيرًا.

-وكان حيوة بن شريح -وهو أحد أئمة المسلمين- يقعد في حلقته يُعلِّم الناس، فتقول له أُمُّه: قُم يا حيوة فألقِ الشعير للدجاج، فيقوم ويترك المجلس.

– وكان الحسن بن علي يخاف أن يأكل مع أُمِّه، وكان أبرُّ الناس بها، فقيل له في ذلك فقال: أخاف أن آكل معها، فتسبق عينها إلى شيء من الطعام وأنا لا أدري فآكله، فأكون قد عققتها!! وفي رواية: أخاف أن تسبق يدي يدها.

♦ثانياً: بر الوالدين بعد موتهما؛ فعن مالك بن ربيعة أبو أسيد الساعدي رضي الله عنه قال بينا نحن عند رسول اللهِ ﷺ إذ جاءه رجلٌ من بني سَلمةَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، هل بَقِيَ مِن بِرِّ أَبَويَّ شيءٌ أَبَرُّهما به بعد موتِهما؟ قال: «نعم، الصَّلاةُ عليهما ، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عَهدِهما من بعدِهما، وصِلةُ الرَّحِمِ التي لا تُوصَلُ إلَّا بهما، وإكرامُ صديقِهما» رواه أبو داود.

– إكرام صديقهما من بعدهما؛ لقد لقى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رجل بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ، وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ.

فَقيل لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ، وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» رواه مسلم.

– الدعاء لهما؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم.

فبيَّن أنَّ عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع عنه تجدد الثواب إلاَّ في هذه الأشياء الثلاثة، ومنها؛ دعاء الولد الصالح.

– الصدقة عنهما؛ فعن سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رضي الله عنه أن أُمَّه تُوُفِّيَتْ وَهْوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا.(الحائط المِخراف) أي: البستان المُثمر، سمَّاها مِخرافاً؛ لما يُخترف منها. رواه البخاري.

– قضاء الدين عنهما؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» صحيح رواه الترمذي وابن ماجه.
– ويدخل فى قضاء الدين عنهما؛ قضاء صيام رمضان وصيام النذر عنهما؛ فعن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ: «مَن مَاتَ وعليه صِيَامٌ صَامَ عنْه ولِيُّهُ» رواه البخارى.

– وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أن امرأةً قالت لرسولِ اللهِ ﷺ: إن أمي ماتت وعليها صومُ رمضانَ أفأصومُ عنها؟ قال: «أرأيتِ لو كان على أمِّك دَينٌ أكنتِ قاضيَتَه؟ اقضُوا اللهَ فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ»رواه البخارى.

– تنفيذ وصيتهما إنْ كان لهما وصية: وإنفاذ الوصية واجب، والإسراع بالتنفيذ: إما واجب أو مستحب، فإنْ كانت في واجبٍ فللإسراع في إبراء الذمة، وإنْ كانت في تطوع؛ فللإسراع في الأجر لهما، وينبغي أن تُنفذ الوصية بمقدار الثلث فأقل.
– الاستغفار لهما؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» رواه أحمد.

فاتقوا عباد الله: وبروا آباكم وأمهاتكم تبركم أبناؤكم وتفوزوا برضوان ربكم جل وعلا.

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: إن بِرَّ الوالدين هو أقصى درجات الإحسان إليهما فيدخل فيه جميع ما يجب من الرعاية والعناية فالولد من كسب أبيه؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالاً وولداً وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك» رواه أحمد وابن ماجه.

♦ ثالثاً: ثمرات بر الوالدين؛
– بر الأبوين أعظم من الجهاد؛ إن بر الوالدين من أجل وأحب الأعمال إلى الله عز وجل بل هو مقدم على الجهاد؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: «سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا، قَالَت: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ»، رواه البخارى.
– وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ إلى نبيِّ اللهِ ﷺ فاستأذَنَهُ في الجهادِ فقالَ: «أحيٌّ والداكَ؟ قال: نعَم قال: ففيهِما فجاهِدْ و قال: أقبلَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ فقالَ: أبايِعُكَ على الهجرَةِ و الجهادِ أبتَغي الأجرَ منَ اللهِ قال: فَهلْ مِن والدَيكَ أحدٌ حيٌّ؟ قالَ: نعَم بل كِلاهُما حىٌّ قال: أفتَبتَغي الأجرَ منَ اللهِ؟ قالَ: نعَم قال: فارجِعْ إلى والدَيكَ فأحسِنْ صُحبَتَهُما» رواه البخارى.

– البر بالأبوين من أعظم أسباب النجاة وفك الكربات؛ فعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لَا أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا، فَنَأَى بِي طَلَبُ الشَّجَرِ يَوْمًا، فَلَمْ أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبَثْتُ، والْقَدَحُ عَلَى يَدِي، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ، والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فانْفَرَجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطيعُونَ الْخُروجَ مِنْهُ.

قَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمَّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِليَّ – وفي رواية: كُنْتُ أُحِبُّهَا كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ – فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا، فامْتَنَعَتْ منِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا – وفي رواية: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا – قالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا.
وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهبَ، فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الْأَمْوَالُ، فَجَاءنِي بَعدَ حِينٍ، فَقالَ: يَا عبدَاللهِ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ: مِنَ الْإِبِلِ، وَالبَقَرِ، والْغَنَمِ، والرَّقيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَاللهِ، لَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: لَا أسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، الَّلهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ، فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ» متفق عليه.

– بر الوالدين سببٌ لمغفرة الذنوب؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلًا أتَى النَّبيَّ ﷺ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أصَبتُ ذنبًا عظيمًا فَهَل لي مِن تَوبةٍ قالَ هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: لا. قالَ: هل لَكَ من خالةٍ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فبِرَّها» رواه أحمد وغيره.

– الزم قدمها فثم الجنة؛ فعن طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه قال أتيتُ النبيَّ ﷺ َفقلتُ: يا رسولَ اللهِ إني أريدُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ تعالى، فقال: «أُمُّكَ حَيَّةٌ؟» فقلتُ: نعمْ فقال: «الزم رجلها فثمَّ الجنَّة» رواه الطبرانى في المعجم الكبير.

وعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ:
«الوالِدُ أوسطُ أبوابِ الجنَّةِ، فإنْ شِئتَ فأضِعْ ذلك البابَ أو احفَظْه» رواه الترمذي.
– بر الوالدين مفتاح الجنة فببرهما يدخل الجنة وبخاصة من أدرك أبويه عند الكبر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة» رواه مسلم.

– رضا الرب جل وعلا فى رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما؛ قال رسول الله ﷺ: «رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد» رواه بن حبان.
– بر الوالدين سبب لبركة العمر وزيادة الرزق؛ فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من أحب أن يمد له في عمره وأن يزاد له في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه» رواه أحمد.

– ومهما بذل الإنسان من عمل فلن يجزي والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه ويعتقه؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسـول الله ﷺ: ««لا يَجزِي ولدٌ والِدَه، إلا أن يجدَه مملوكًا فيشتريه فيعتِقَه» رواه أبو داود.

– إجابة الوالدين مقدمة على النافلة؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «كانَ رَجُلٌ في بَنِي إسْرائِيلَ يُقالُ له جُرَيْجٌ يُصَلِّي، فَجاءَتْهُ أُمُّهُ، فَدَعَتْهُ، فأبَى أنْ يُجِيبَها، فقالَ: أُجِيبُها أوْ أُصَلِّي، ثُمَّ أتَتْهُ فقالَتْ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِساتِ، وكانَ جُرَيْجٌ في صَوْمعتِهِ، فَقالتِ امْرَأَةٌ: لَأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا، فَتَعَرَّضَتْ له، فَكَلَّمَتْهُ فأبَى، فأتَتْ راعِيًا، فأمْكَنَتْهُ مِن نَفْسِها، فَوَلَدَتْ غُلامًا فقالَتْ: هو مِن جُرَيْجٍ، فأتَوْهُ، وكَسَرُوا صَوْمعتَهُ، فأنْزَلُوهُ وسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وصَلَّى ثُمَّ أتَى الغُلامَ، فقالَ: مَن أبُوكَ يا غُلامُ؟ قالَ: الرَّاعِي، قالوا: نَبْنِي صَوْمعتَكَ مِن ذَهَبٍ، قالَ: لا، إلَّا مِن طِينٍ» رواه البخاري.

فاتقوا الله عباد الله وأحسنوا صحبة أمهاتكم وآباكم
فمن حافظ على برهمها رزقه الله بأبناء يبرون به ويحفظون له حقوقه.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وأقم الصلاة

لتحميل الخطبة pdf اضغط على الرابط أدناه :
alom – omk som omk

 

اترك تعليقاً