خطبة بعنوان ( وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ للدكتورأيمن حمدى الحداد

خطبة بعنوان ( وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾
لفضيلة الدكتور : أيمن حمدى الحداد

 

نص الخطبة:
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين أيد بنصره المؤمنين وجعل كتاب الشهداء في أعلى عليين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا أيها المسلمون: لقد جعل الله عز وجل للشهداء منزلة عظيمة، ومكانة خاصة فهم أرفع الناس درجةً بعد النبيين والصديقين، فإذا أراد ربنا تبارك وتعالى رفع درجة عبدٍ من عباده رزقه الشهادة في سبيله؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾(الحديد: ١٩)، ولقد جاء رجل وسيدنا رسول الله ﷺ يصلى فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتى عبادك الصالحين فلما قضى النبي ﷺ الصلاة قال: «من المتكلم آنفا؟» قال الرجل: أنا يا رسول اللّه فقال ﷺ: «إذا يعقر جوادك وتستشهد» رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.

ولقد جعل الله عزّ وجل الجنة جزاءً لمن قُتل فى سبيله، وثمناً لمن بذل روحه ونفسه من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا؛

– قال محمد بن كعب القرظي: قال عبدالله بن رواحة ليلة العقبة للنبي ﷺ اشترط لربك ولنفسك ما شئت؟ فقال ﷺ: «اشترط لربى أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم وأموالكم» قال: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: «الجنة» قال: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(التوبة: ١١١)،

– قال القرطبي: الآية عامة في كل مجاهد في سبيل الله من أمة محمد ﷺ إلى يوم القيامة.
هذا ولقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة فى بيان فضائل الشهادة في سبيل الله عزّ وجل من ذلك؛

♦ الفضيلة الأولى: الشهداء أحياء عند ربهم؛
قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(آل عمران: ١٦٩-١٧١)

– قال ابن كثير: يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار.

– وعن مسروق قال: سألنا عبدالله عن هذه الآية: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾، فقال أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله ﷺ فقال: «إن أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة تحت العرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا فيفعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا قالوا: «يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا» رواه مسلم.

– وعن طلحة بن خراش الأنصاري قال سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إلى رسول الله ﷺ ذات يوم فقال: «يا جابر ما لي أراك مهتماً؟ قلت يا رسول الله استشهد أبى وترك ديناً عليه فقال: «ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحاً قال سلني أعطك قال: أسألك أن أرد إلى الدنيا فاقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل إنه قد سبق منى القول أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾،

♦ الفضيلة الثانية: للشهيد سبع خصال؛ قال رسول الله ﷺ: «للشهيد سبع خصال يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحلى حلة الإيمان ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويشفع في سبعين إنساناً من أهل بيته» روه أحمد.

– لذلك حرص الصحابة الكرام رضى الله عنهم على أن ينالوا الشهادة؛ فعن عائشة رضى الله عنه : ﴿الذين استجابوا لله والرسول﴾ قلت لعروة يا ابن اختي كان أبوك منهم الزبير وأبو بكر رضى الله عنهما لما أصاب النبي ﷺ ما أصابه يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال: «من يرجع في أثرهم، فانتدب منهم سبعون رجلاً فيهم أبوبكر والزبير» رواه البخارى.

– ولقد بذل أصحاب سيدنا رسول الله ﷺ أرواحهم رخيصة في سبيل الله لما علموا ما للشهيد عند الله عزّ وجل من المكانة والمنزلة؛ فعن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما قال: أمر رسول الله ﷺ في غزوة مؤتة زيد بن حارثه فقال: «إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبدالله بن رواحة» قال عبد الله كنت فيهم في هذه الغزوة فالتمسا جعفر بن أبى طالب فوجدناه في القتلى ووجدنا في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية.. رواه البخاري.

فقد أبلى شهداء مؤته بلاءً حسناً وكانوا في ريعان الشباب فتقدم زيد بن حارثة ورفع الراية وقاتل الروم بضراوةٍ حتى نال الشهادة فأخذ الراية جعفر بن أبى طالب وجعل يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها؛
طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها؛
كافرة بعيدة انسابها
على إذ لقيتها ضرابها؛

حتى قطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت شماله فاحتضن الراية بعضديه حتى قتل شهيداً فأخبر سيدنا رسول الله ﷺ أن الله تعالى أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة ثم حمل الراية عبدالله بن رواحة فقاتل بكل بسالة وشجاعة حتى لقي ربه شهيداً فرضى الله عنهم وأرضاهم.

♦ الفضيلة الثالثة: الشهداء في جنة عرضها السموات والأرض؛ ففي غزوة بدر قال سيدنا رسول الله ﷺ لأصحابه: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض»، فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: «نعم» قال عمير بن الحمام – بخ بخ – فقال الرسول ﷺ: «ما حملك على قولك – بخ بخ؟» فقال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها قال فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رضى الله عنه وأرضاه.. رواه مسلم.

♦ الفضيلة الرابعة: الشهادة فى سبيل الله تُكفر بها الخطايا؛ فعن أبى قتادة رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ قام فيهم فذكر أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله اتكفر عنى خطاياي؟ فقال له رسول الله ﷺ: «نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر» ثم قال رسول الله ﷺ: «كيف قلت ؟» قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عنى خطاياي؟ فقال رسول الله ﷺ: « نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك» رواه مسلم.

ومن الشواهد الدالة على أن الشهادة في سبيل الله عزّ وجل من أعظم أسباب تكفير الذنوب والخطايا ما جاء فى قصة عمرو بن ثابت الأصيرم حيث كان يرفض الإسلام بشدة لكن الله عزّ وجل ألقى في قلبه حب الإسلام فجاء يوم غزوة أحد إلى النبي ﷺ فأسلم ودارت رحى القتال فأصابته جراح شديدة فسأله قومه ما جاء بك؟ فقال جئت رغبة في الإسلام آمنت بالله ورسوله وظل يقاتل حتى قتل يوم أحد فأخبر النبي ﷺ أنه في الجنة إنه لم يسجد لله سجدة وكان رسول الله ﷺ يقول: «حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلى قط؟ فإذا لم يعرف الناس من هو؟ قال ﷺ: أصيرم».

فتأمل يرحمك الله كيف كانت الشهادة سبباً في تكفير خطاياه رغماً من أنه لم يصلى لله قط ولم يصم ولم يحج ولم يفعل شيئاً من ذلك ولا غيره لكن الشهادة سبقت به.

♦ الفضيلة الخامسة: تسابق الصحابة الكرام رضى الله عنهم إلى الشهادة في سبيل الله عزّ وجل؛ وخير شاهد على ذلك أنه لما خرج سهم سعد بن خيثمة يوم بدر وكان قد استهم مع أبيه أيهما يخرج للجهاد فلما خرج سهم سعد قال له أبوه أعطني سهمك فقد كبرت سنى لعل الله أن يرزقني الشهادة في سبيله فقال سعد لأبيه: والله يا أبت لو كان شيء غير الجنة لأثرتك به وهذا يجعل الإنسان في حالة تعجب شديدة من تصميم الوالد ولده وحرصهما على الشهادة في سبيل الله حتى يرفض الابن أن يؤثر والده بها لقد نال سعد الشهادة في بدر فلما كانت غزوة أحد جاء خيثمة إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله: إني كنت حريصاً على الخروج للجهاد يوم بدر ولكن ولدى سعد فاز بها فرزقه الله الشهادة والجنة ولقد رأيته البارحة في نومي وهو في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويلح على يقول: يا أبتاه الحق بنا ترفقنا في الجنة فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقاً، وإنى يا رسول الله: قد أصبحت مشتاقاً إلى مرافقة سعد في الجنة وقد كبرت سنى ورق عظمى وأحببت لقاء ربى فخلى بيني وبين أحد وأدع الله لي أن يرزقني الشهادة في سبيله فأدخل الجنة والحق بولدي؟ فيرق قلب النبي ﷺ لخيثمة ودعا الله أن يرزقه الشهادة فيستجب الله لدعاء نبيه ﷺ ونال خيثمة الشهادة يوم أحد.

فاللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك واجعلنا من أهل رضوانك.
أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم.

الخطبة الثانية:
الحمدلله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد الله: كلما كانت الغاية التي يقاتل الإنسان من أجلها سامية امتلئ قلبه يقيناً بأن الآخرة خير وأبقى فيبذل نفسه رخيصة في سبيل الله عزّوجل، ولقد كانت كبريات المعارك التى خاضها المسلمون فى شهر رمضان من ذلك؛

– غزوة بدر الكبرى يوم التقى الجمعان؛ والتى وقعت في يوم الجمعة لسبعة عشر خلت من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، ولقد سمى ربنا تبارك وتعالى يوم بدر بيوم الفرقان، لأنه كان فرقاناً بين الحق والباطل، فرقاناً بين عهد الاستضعاف، وعهد القوة والتمكين؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾(آل عمران: ١٢٣-١٢٦)، ولقد كان لغزوة بدر دروساً بليغة ينبغى للأمة أن تعيها من ذلك؛

• تضحيات الصحابة رضي الله عنهم؛ لقد قدموا أنفسهم وأموالهم فداءً لهذا الدين، فالمهاجرون تركوا أموالهم في مكة، وهاجروا بدينهم إلى المدينة، وبذلوا نفوسهم رخيصة في معركة بدر، بل إن النبي ﷺ عندما رأى حالة فقرهم الشديدة قال: «اللهم إنهم جياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم، وحفاة فاحملهم»، والأنصار رضي الله عنهم سجلوا موقفهم، عندما قال النبي ﷺ: «أشيروا على أيها الناس» فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه وقال: «يا رسول الله آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة؛ فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلَّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غداً، إنا لصُبرٌ عند الحرب، صُدقٌ عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقَر به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله»، وصدق الله إذ يقول: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾(الأحزاب: ٢٣)،

• إجابة الله عز وجل لدعاء المضطر؛ لقد استجاب الله لدعاء نبيه ﷺ ودعاء المؤمنين لما استغاثوا به، فأمدهم بالملائكة، وأيدهم بنصره فكان رسول الله ﷺ يتضرع إلى ربه قائلاً: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي»..«اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هذِه العِصَابَةَ مِن أَهْلِ الإسْلَامِ لا تُعْبَدْ في الأرْضِ»، وظل ﷺ يدعو ويبتهل حتى سقط رداؤه عن كتفه، فيرده عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأشفق عليه لكثرة ما دعا ويقول: يا رسول الله! أبشر فو الذي نفسي بيده لينجزن الله لك ما وعدك، وهو يقف خلفه؛ قال تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾(الأنفال: ٩)،

• صدق التوكل على الله من أعظم أسباب النصر؛ قال تعالى: ﴿إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ﴾(آل عمران: ١٦٠)، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الصحابة على قلة عددهم وعُددهم مقابل عدوهم إلا أنهم توكلوا على الله، وقاتلوا فنصرهم الله؛ قَال تَعَالَى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ﴾،

قَالَ مُجَاهِدٌ: سبب نزول هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَمَّا انْصَرَفُوا عَنِ الْقِتَالِ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ: أَنَا قَتَلْتُ فَلَانًا وَيَقُولُ الْآخَرُ مثله، فنزلت هذه الْآيَةُ. وَمَعْنَاهُ: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ أَنْتُمْ بقوّتكم ولكنّ الله قتلهم بنصرته إيّاكم وتقويته لكم. وقيل: ولكن اللَّهَ قَتَلَهُمْ بِإِمْدَادِ الْمَلَائِكَةِ ﴿وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى﴾،

معناه أن القبضة من الحصباء التي رميتها يا محمد ﷺ، فأنت ما رميتها في الحقيقة، لأن رميك لا يبلغ أثره إلا ما يبلغه رمي سائر البشر، ولكن الله رماها حيث نفذ أجزاء ذلك التراب وأوصلها إلى عيونهم، فصورة الرمية صدرت من الرسول ﷺ، وأثرها إنما صدر من الله فلهذا المعنى صح فيه النفي والإثبات.
• الإتحاد قوة والتنازع والاختلاف من أسباب الفشل والهزيمة أمام العدو؛ قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(الأنفال: ٤٦)،

• الشيطان يزين لأوليائه الموبقات، فإذا وقعوا فيها تخلى عنهم، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن الشيطان زين لقريش الخروج لحرب النبي ﷺ، ثم تولى عنهم؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(الأنفال: ٤٨)،

– فتح مكة المكرمة؛ كان في العشرين من رمضان من العام الثامن من الهجرة.
– القضاء على المغول فى عين جالوت فى رمضان سنة ٦٥٨هجرياً.

– معركة العاشر من رمضان؛ لقد كان الإحتلال الإسرائيلى لسيناء الحبيبة سنة ١٩٦٧ ميلادياً حتى أذن الله تعالى بالنصر المؤزر فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ ميلادياً، لقد خاض جنودنا البواسل معركة العبور وهم صائمون، وكان شعارهم – الله أكبر الله أكبر – فأيدهم الله بنصره، وهُزم اليهود هزيمة منكرة، وتبدد غرورهم، وتحطمت أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، وَدُمر خط بارليف أكبر مانع ترابى فى العصر الحديث.

هذا ولم تتوقف قوى الإحتلال والبغى عن سفك الدماء وإنتهاك الحرمات حتى مع حلول شهر رمضان فلا يزال إحكام الحصار على إخواننا بغزة مستمر، فحسبنا الله ونعم الوكيل، ونقول لهؤلاء المستضعفين لا تيأسوا فنصر الله آت لا محالة، والاحتلال إلى زوال قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(المجادلة: ٢١)،

فأملوا عباد الله في رحمة الله وأبشروا فرب الخير لا يأتي إلا بالخير؛ اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واحفظ مصر وسائر بلاد المسلمين من كل مكروه وسوء، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

وأقم الصلاة.

كتبه راجى عفو ربه : أيمن حمدى الحداد
الجمعة ١٤ من رمضان ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ١٤ من مارس ٢٠٢٥ ميلادياً

اترك تعليقاً