في هدوء الليل وأنا أستمع إلى قرآن الفجر واستمتع بنسمات الصباح حتى أذن المؤذن لصلاة الفجر أخذت مسبحتي ونزلت إلى المسجد الذي أصلى فيه فوجدت عجبًا المصلين يملأون المسجد فرجعت أنظر إلى الساعة هل نحن في صلاة جمعة؛ لأن المصلين في صلاة الفجر لا يتعدون أصابع اليدين فتيقن لي أنني في وقت الفجر، وبعد أن أديت الصلاة نمت بعضًا من الوقت، ونزلت من بيتي ومسبحتي في يدي متوكلاً على ربي فوجدت الناس ليسوا هم المعتادون؛ بل ملائكة تسير أمامي الناس تمشي في وقار وسكينة والنساء والفتيات في منتهى الحشمة والوقار يغطين شعورهن ويلبسن الملابس الفضفاضة، وليس هناك الملابس الضيقة أو الواصفة أو الممزقة التي يقشعر لها البدن.
صعدت إلى الأتوبيس فوجدت الشباب والرجال والنساء من يقرأ في مصحف أو من يسبح أو من يقرأ أذكار الصباح، فتعجبت وقلت ما هذا الإيمان الذي ظهر فجأة ما بين ليلة وضحاها، حقًا الملائكة نزلت إلى الأرض!
وتساءلت هل حقا عادت الأخلاق إلى شبابنا وبناتنا وامتلأت قلوبهم بالإيمان، فقال لي صديقي – وهو يرى الدهشة في عيني -: يا شيخ نحن في رمضان، وسوف تمر أيامه وتعود الأحوال إلى ما كانت عليه، فضحكت وقلت: نعم هذا ما يحدث كل عام، وصدق رسولنا الكريم “صلوات ربي وسلامه عليه” حينما قال: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين أي سلسلت وحبست، ولكن هل صام الناس فعلا عن الحرام؟ هل صاموا عن القيل والقال؟ هل فهموا المعنى والمقصود الحقيقي من الصيام؟
فكل عبادة شرعها المولى تبارك وتعالى لها مقصد وأثر يعود على الإنسان؛ فالصلاة مثلا تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما بين لنا المولى سبحانه وتعالى في كتابه الكريم؛ حيث قال: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت/45
وكذلك الصيام المقصد والأثر منه هو التقوى كما بين لنا الحق سبحانه وتعالى فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 183.
فما هي التقوى؟
التقوى – كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه – هي: الخوف من الجليل.. والعمل بالتنزيل.. والرضا بالقليل.. والاستعداد ليوم الرحيل..
الخوف من الجليل – أي الخوف من الله سبحانه وتعالى، فإن الخوف من الله تعالى يعدّ من المقامات العليّة في مدارج السالكين، وهو من لوازم الإيمان بالله، والخوف من الله طريق للأمن في الآخرة عند لقائه، وسبب للسّعادة في الدّار الدنيا والآخرة وهو دليل على صفاء القلب وطهارة النّفس والخوف من الله تعالى خير مُعين للانتصار على شهوات النّفس وملذّاتها والقلب الذي لا يسكنه الخوف من الله – عزّ وجلّ – كالبيت الخَرِب وإنّ انتشار المعاصي في حياة الكثير من النّاس يرجع إلى غياب الخوف من الله حتى أصبح استصغار الكبائر عند بعض الناس أمراً مُستساغاً فاسودّت القلوب وأظلمت والتّخويف بعظمة الله تعالى وبآياته سنّة ماضية؛ حيث قال الله تعالى: (وَما نُرسِلُ بِالآياتِ إِلّا تَخويفًا) سورة الإسراء /95 فالتخويف وسيلة مؤثّرة من وسائل المرسلين والدّعاة في إنذار أصحاب المعاصي رغبةً في إقامتهم على أمر الله تعالى وطاعته.
إنّ الخوف هو منزلة من أعظم منازل الطريق إلى الله تعالى وأشدّها نفعاً لقلب العبد وهي عبادة قلبيّة وإنّ الخوف من عذاب الله تعالى ليس مقصوداً لذاته، وإنّما هو وسيلة للهروب ممّا يكون سبباً في العذاب؛ لأنّ أثر الخوف متعلّق بأفعال العبد ولذلك قيل: الخوف الصادق هو ما منع صاحبه عن محارم الله تعالى.
والعمل بالتنزيل؛ وهو الكتاب والسنة والاستعداد للرحيل من هذه الدنيا إلى الدار الآخرة، وذلك بالعمل الصالح وهذا كما في قوله تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) البقرة/197 –
وما أجمل من هذه الأبيات .. ولست أرى السعادة جمعَ مال ولكن التقيَ هو السعيد وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد..
فليكن شعار المؤمن دائمًا وأبدًا تقوى الله في السراء والضراء في حالة غيبته عن الناس وفي حالة وجوده معهم يتق الله دائمًا وأبدًا فيترك ما حرم الله عليه ويفعل ما أمره الله به، ويكثر من التوبة والاستغفار عما يحصل منه من التقصير هذه هي تقوى الله سبحانه وتعالى يستشعرها المسلم دائمًا وأبدًا في جميع أحواله في السراء والضراء في الشدة والرخاء في حال غيبته عن الناس، وفي حال وجوده مع الناس يتقي الله في عمله ومعاملاته، فهذا هو المقصود من الصيام.