شبهة وردها في الرقص الصوفي
23 فبراير، 2025
شبهات حول قضايا التصوف

بقلم الدكتور الشيخ : محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )
سلسلة رد الشبهات ( شبهة وردها في الرقص الصوفي )
استهجن أخ فاضل القفز أثناء الذكر عند الصوفية..
فقلت له:إذا شاهد أحد هواة لعبة كرة القدم مباراة حامية وأدخل الفريق الذي يشجعه هدفا تراه يصرخ ويقفز من الفرح ولا يكاد ينتهي…وهذا جائز لا شيء فيه …فكيف نرضى لمن فرح بلعبة أن يقفز ونستهجن لمن فرح بذكر ربه فقفز وحجل!!!
قال الأخ الفاضل:القفز للعبة عادة ..وأما القفز عند الذكر عبادة، وهل يعقل أن نعبد الله بقفز ورقص!!!
قلت: العبادة هي الذكر ، وأما القفز فهو هيئة للذاكر حال الذكر ، فإنه يجوز لك أن تذكر الله قياما وقعودا وعلى جنب وماشيا وساكنا ومتحركا وواقفا ، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه ، كما روت عنه عائشة رضي الله عنها..
قال العلامة الألوسي في تفسيره عند قوله تعالى: {الذينَ يذكُرونَ اللهَ قِياماً وقُعوداً وعلى جُنوبِهم} [آل عمران: 191]: (وعليه فيُحمل ما حُكي عن ابن عمر رضي الله عنهما وعروة بن الزبير وجماعة رضي الله عنهم من أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى، فجعلوا يذكرون الله تعالى، فقال بعضهم: أمَا قال الله تعالى: {يذكرون الله قياماً وقعوداً}؟ فقاموا يذكرون الله تعالى على أقدامهم، على أنّ مرادهم بذلك التبرك بنوع موافقة للآية في ضمن فرد من أفراد مدلولها) [“روح المعاني” للعلامة محمود الألوسي ج4/ص140].
فإذا علمت ذلك فلا مانع من الذكر قفزا..وخاصة وقد علمت أن بعض الصحابة كعلي وجعفر وزيد رضوان الله عنهم حجلوا وقفزوا فرحا حول النبي صلى الله عليه وسلم..وإذا علمت أن القفز والرقص هو رقص القلب والروح حبا لله وشوقا إليه عند ذكره فيرقص الجسد لرقص الروح..وهذا هو الوجد
يقول الإمام السيد أبو مدين رحمه الله تعالى في بعض أبياته:
وقل للذي ينهى عن الـوجـد أهـله..إذا لم تذق معنى شراب الهوى دعـنـا
إذا اهتزت الأرواح شوقاً إلـى اللـقـا….نعم ترقص الأشباح يا جاهـل دعنا
وأما رقص الجسد من غير حضور القلب واهتزاز الروح فهو فعل الدجالين..
نقل عن الإمام الرفاعي رحمه الله أنه قال:
سمى القوم الهزَّ بالذكر رقصاً !!
إذا كان وارد الهزة من الروح ، فنسبة الرقص للروح لا للجسم، وإلا فأين الراقصون؟ وأين الذاكرون؟ طلب هؤلاء حق، وطلب هؤلاء ضلال!
حق، وطلب هؤلاء ضلال ..سارت مشرقة وسرت مغرباً
الراقصون كذّابون، والذاكرون مذكورون، وبين الملعون والمحبوب بوْن عظيم، إذا دخلتم مجالس الذكر فراقبوا المذكور واسمعوا بأذن واعية….والله أعلى وأعلم..
بسبب ما علق في أذهان الناس من تلبيس الوهابية، صرت ترى بعض عوام الناس إذا ذكرت الحضرة الصوفية يفورون ويثورون ويرددون:خزعبلات وبدع ، والبعض قد يتجرأ فيقول زندقة..والعياذ بالله..
الحكم على الشيء فرع عن تصوره .. فما هي حقيقة الحضرة الصوفية؟
الحضرة: هي حضور القلب مع الله. وهي الركن الهام في طريق القوم [الصوفية].
وهذا الركن هو الإجتماع على ذكر الله عزّ وجلّ تحت إمارة الشيخ أو وكيله المسمّى بالمقدّم، يبدأ بتلاوة من القرآن الحكيم، ثم تنشد أناشيد من أقوال العارفين بالله المأخوذة بما فيها من القرآن والسنة وأفهام العلماء بالله مثل الشيخ عبد الغني النابلسي وابن الفارض، ثمّ تقوم الجماعة للذكر، ويبقون على حالة الذكر حتى يأذن الشيخ أو المقدّم بختامها، وبعد ذلك يقرأ أحد الإخوة بعض الآيات من القرآن الحكيم ويتم تفسيرها من قبل الشيخ أو وكيله.
وأن الحضرة منقولة ومتوارثة عن كبار الأشياخ العارفين بالله في مقررّة في كتبهم ومظهر من مظاهر التصوف في سلوك طريقهم، عند سيدي أحمد الرفاعي (انظر البرهان المؤيد) والجنيد والجيلاني والشاذلي والشعراي والحاتمي والقشيري وغيرهم رضي الله عنهم.
الأصل فيها: {الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم} آل عمران-119
والإصطلاح على كيفيتها: هو من باب البدعة الحسنة.” اهـ. [ الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية للشيخ يوسف خطار محمد – الحضرة – ص171]…
فالحضرة هي حضور القلب مع الله تعالى ، وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (حلق الذكر) وسماها أيضا (مجالس الذكر) وسماها أيضا ( الذكر فى الملأ )…
وأكثر ما ينكرون من أعمال الحضرة الرقص والقفز الصوفي، ويستهزئون ويضحكون ،وهم لا يعلمون أن للرقص والقفز من السنة المطهرة أكثر من دليل..
القول:الرقص والقفز الصوفي هو الحركة في الذكر وهي أمر مستحسن، لأنها تنشط الجسم لعبادة الذكر وهي جائزة شرعاً بدليل ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده والحافظ المقدسي برجال الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال: (كانت الحبشة يرقصون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون بكلام لهم: محمد عبد صالح، فقال صلى الله عليه وسلم: “ماذا يقولون؟” فقيل: إنهم يقولون: محمد عبد صالح، فلما رآهم في تلك الحالة لم ينكر عليهم، وأقرهم على ذلك، والمعلوم أن الأحكام الشرعية تؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره، فلما أقرهم على فعلهم ولمينكر عليهم تبين أن هذا جائز.
وها هو مفتي السادة الشافعية بمكة المكرمة العلامة الكبير أحمد زيني دحلان رحمه الله يورد في كتابه المشهور في السيرة النبوية مشهداً من إحدى حالاتهم، ويعلق عليه فيقول: (وبعد فتح خيبر قدم من الحبشة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من المسلمين وهم ستة عشر رجلاً فتلقى النبي صلى الله عليه وسلم جعفر وقبَّل جبهته وعانقه وقام له – وقد قام لصفوان بن أُمية لما قدم عليه، ولعدي بن حاتم رضي الله عنهما – ثم قال صلى الله عليه وسلم: “ما أدري بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟” وقال صلى الله عليه وسلم لجعفر: “أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي”، فرقص رضي الله عنه من لذة هذا الخطاب، فلم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم رقصه، وجُعل ذلك أصلاً لرقص الصوفية عندما يجدون من لذة المواجيد في مجالس الذكر والسماع) [“السيرة النبوية والآثار المحمدية” لزيني دحلان، على هامش السيرة الحلبية ج2/ص252. والحديث رواه البخاري في صحيحه في كتاب الصلح].
أقول :إن الله فتح باب الذكر على مصراعيه فلماذا يأتي أحدهم ويقيد باب الذكر بحالة مخصوصة…؟
والحضرة هي مظهر من مظاهر التربية الروحية، وذلك للنفع الحاصل فيها من ذكر الله عز وجل ومراقبته ونزول الرحمات بذكر الصالحين فيها والإرشاد الحاصل بالسماع والإنشاد والبركة الحاصلة بالحركة فهي مما سنه السادات العارفون ولا دليل لمنكرها لأن الأصل في الأشياء الإباحة حيث لا تعارض أصلا بل هي سبيل لتحريك القلب والتوجه به نحو ربه سبحانه…
عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي أن الإمام أحمد رضي الله عنه قال عن الصوفية: لا أعلم أقواماً أفضل منهم قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحون مع الله ساعة. قيل: فمنهم من يموت ومنهم من يغش عليه، فقال: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون…ذكره العلامة الإمام في الفروع (غذاء الألباب لمحمد السفاريني)..والله أعلى وأعلم..