خطبة بعنوان «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق» لفضيلة الشيخ أحمد عزت حسن

جمع وترتيب فضيلة الشيخ :  أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة ٢٢ شعبان لعام ١٤٤٦هـ. الموافق ٢١ من فبراير لعام ٢٠٢٥

الموضوع

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد

التيسير في العبادات والسماحة في المعاملات

إن الدين الإسلامي قائم على اليسر ورفع الحرج ابتداء من العقيدة وانتهاء بأصغر أمور الأحكام والعبادات بشكل يتوافق مع الفطرة الإنسانية، وهذا في قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج٧٨

وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى أن من أهم ما تميزت به رسالة الإسلام هو السماحة واليسر كما في قوله ﷺ: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (البخاري) .

والمتمعن في السيرة النبوية يجد أن سلوك النبي ﷺ وتعامله مع صحابته مبني على منهج التيسير والسماحة، والشواهد أكثر من أن تعد أو تحصى،

وحتى لا يتشعب بنا الموضوع سوف نتحدث عن:

#مفهوم اليسر

 

اليسر هو: “تطبيق الأحكام الشرعية بصورة معتدلة كما جاءت في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، من غير تشدُّد يُحرِّم الحلال، ولا تميُّع يُحلِّل الحرام”.

ويدخل تحته السماحة والسعة ورفع الحرج والرخصة

يقول ﷺ: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» (مسند أحمد ورواته ثقات) ومن ذلك:

 

– الرخصة في السفر: وذلك بقصر الصلاة الرباعية المفروضة، والجمع بين صلاتي الظهر والعصر وكذا المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير.

– كذلك الإفطار فيه، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة) .

 

وقوله ﷺ: «ليس من البر الصوم في السفر» (البخاري، ومسلم) .

ب- التيمم بالتراب عند عدم وجود الماء أو عند تعذر استعماله؛ لقوله تعالى: { .. فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة: ٦

#النهي عن الغلو في الدين

 

إن دين الله -تعالى- يحمل في تطبيقه السعادة والعدالة للناس، والذي يشادّ فيه ويتشدد في غير موضع التشدد، ويحرم الحلال والمباح، فإنه ينال الشقاء والعذاب في الدنيا والآخرة، فيقول ﷺ: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا (مسلم). والمتنطعون كما فسره النووي رحمه الله: المتعمقون المشدِّدون في غير موضع التشديد (رياض الصالحين، ص٥٤)

فقبول الطاعة غير مرتبط بمدى التعب، لأن الله لا يحب أن يطاع بغير ما أنزله على عباده،

#مظاهر التيسير في العقيدة

 

تميز الدين الإسلامي عن غيره من الأديان والعقائد بوضوح العقيدة وسهولة الإيمان بالله تعالى؛ حيث

* أمر الناس بعبادة الله وحده، وأنه الإله الواحد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، وهو خالقهم، ولا شركاء معه،

* ليس في العقيدة الإسلامية ألغاز لا يعرفها إلا فئة مخصوصة،

* ليس فيها غموض وغبش كما في العقائد الأخرى.

* ليس فيها استهانة بالعقل الإنساني، وإنما هي عقيدة في غاية من اليسر والسماحة، فَهِمَها الأعرابي الذي يعيش في الصحراء حينما قال: “البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فليل داج، وسماء ذات أبراج، ألا يدل على الواحد القهار”.

فالغموض وعدم الفهم في العقيدة يوقع الإنسان في الحرج والضيق، ويهوي به إلى الضلالات

#مظاهر التيسير في العبادات

 

ويظهر هذا المبدأ جليًّا في العبادات أكثر من غيرها من أمور الدين؛ حيث إنها سلوك ظاهر، فجميع العبادات قائمة على هذا المبدأ. يقول ﷺ: «عليكم بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا» (البخاري) .

ونشير إلى بعض هذه المظاهر في العبادات الآتية:

أ- في الطهارة:

يظهر مبدأ اليسر والمسامحة في الطهارة واضحًا لأنه المدخل إلى العبادات، واليسر فيها أمر ضروري؛ لأن المسلم يتوضأ في اليوم والليلة خمس مرات،

ويغتسل من الجنابة كذلك، ويتعرض لبعض النجاسات هنا وهناك،

فالشدة في الطهارة توقعه في الضيق والحرج ويجعل نفسه تمل من العبادة نفسها فضلا عن الطهارة،

* ويتبين يسر هذا الدين في الطهارة من قصة الأعرابي الذي بال في المسجد فقام الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله ﷺ: «دعوه وهريقوا على بوله سَجْلا من ماء أو ذَنوبًا من ماء، فإنما بُعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين» (البخاري ومسلم).

* وإذا تعلقت قذارة بالنعلين فإن مسحهما بالأرض يطهرهما لقوله ﷺ: «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما» (أبو داود) .

* النجاسة الواقعة على الثوب تزال بالماء وهذا فيه يسر كبير إذا قورن بما كانت عليه بنو إسرائيل من قبل حيث كانوا يكلفون بقص ما أصيب بالنجاسة من الثوب.

ب- في التيمم:

ومن ذلك إذا لم يجد ماء ليتوضأ به أو كان به مرض أو جرح لا يستطيع أن يتوضأ بالماء، فله أن يتيمم بالتراب،

بخلاف ما كانت عليه الشرائع السابقة، حيث لا تقبل صلاة من غير تطهر بالماء، وقطع موضع النجاسة

ج- في الصلاة:

* فرضيتها خمس مرات في اليوم والليلة، فلا تأخذ وقتًا طويلًا، ولا تشغل الإنسان عن أداء أعماله اليومية، وقد فرضت في البداية خمسين صلاة عند المعراج بالنبي ﷺ، ثم صارت خمس صلوات بأجر خمسين صلاة، وفي ذلك سماحة ورحمة.

* مشروعية الجمع والقصر في الصلاة أثناء السفر أو المطر أو المرض، وذلك للظروف التي يمر بها الإنسان في هذه الحالات من قلة في الماء أو البرد أو خوف من الطريق أو زيادة في المرض، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «أقام رسول الله ﷺ بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة» (مسند أحمد، ورواه أبو داود في سننه) .

* جواز الصلاة في أي مكان من الأرض، حيث لم تكن جائزة عند الأمم السابقة إلا في المعابد والصوامع، يقول ﷺ: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: …، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، ..» (البخاري ومسلم) .

* تخفيف الصلاة وعدم الإطالة فيها، لأن صلاة الجماعة تجمع بين الصغير والكبير والمريض، فينبغي مراعاة ذلك، وهذا ما كان الرسول ﷺ يحذر أصحابه منه، يقول جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: «أقبل رجل بناضحين وقد جنح الليل فوافق معاذًا يصلي فترك ناضحه وأقبل إلى معاذ فقرأ بسورة البقرة أو النساء فانطلق الرجل وبلغه أن معاذا نال منه فأتى النبي ﷺ فشكا إليه معاذًا فقال النبي ﷺ: يا معاذ، أفتان أنت أو أفاتن ثلاث مرارًا، فلولا صليت بسبح اسم ربك والشمس وضحاها والليل إذا يغشى فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة» (البخاري ومسلم)

ويقول ﷺ: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوّل فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوّز في صلاتي، كراهية أن أشق على أمه» (البخاري ومسلم).

* رفع الصلاة عن الحائض والنفساء، ولا تقضى بعد الطهر، وهما عذران للصلاة والصيام ومسّ المصحف والطواف. وفي هذا يسر ولطف بالنسبة للمرأة

* مشروعية سجود السهو لجبر الخلل الذي يحصل في الصلاة، ولم تطلب إعادتها.

#مظاهر التيسير في الزكاة: ومن ذلك:

 

* أنها لم تأت على جميع الممتلكات والأموال، وإنما

اقتصرت على بعض الأصناف مثل: بهيمة الأنعام، والأثمان، والزروع، وعروض التجارة، ويشترط أن تبلغ النصاب،

* ولم يجعل دفعها إلا مرة واحدة في السنة، وذلك بعد أن يحول عليه الحول.

* ومقدار المال الواجب دفعه قليل جدًّا بالنسبة للمال الذي يوجب فيه الزكاة، بحيث لا يؤثر فيه كثيرًا، ولا يتأثر بذلك صاحبه.

* هذا فضلا عن كيفية تعامل الإسلام مع زكاة الزروع، حيث أوجب العشر في التي تسقى بماء المطر، ونصف العشر بالتي تسقى بالنضح والآبار،

هـ- ومن صور التيسير في الصيام

 

* لم يفرض إلا في شهر واحد من السنة وهو شهر رمضان. ومن الفجر إلى غروب الشمس، ولا يجوز الزيادة في هذا الوقت،

* من أجل ذلك نهي عن صوم الوصال، لما في ذلك من مشقة وعنت على النفس، وخطورة على الإنسان، .

* من أفطر خطأً أو ناسيًا فإنه يكمل صومه، ولا حرج عليه، فإنما أطعمه الله وسقاه، يقول ﷺ: «من أكل ناسيًا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه». رواه البخاري ومسلم

* جواز الإفطار عند السفر أو المرض، ومن لم يستطع الصوم يقضي أو يطعم إن لم يستطع القضاء.

#ومن مظاهره في الحج:

* الاستطاعة في الزاد والراحلة، وأن لا يكون عليه دين أو التزام مالي آخر من حقوق الآخرين، لقوله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} آل عمران ٩٧

* وجوبه في العمر مرة واحدة، فعن أبو هريرة رضي الله عنه: «خطبنا رسول الله ﷺ فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله ﷺ: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ….» (مسلم) .

* التخيير بين المناسك الثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد.

* التخيير في الترتيب بين الأعمال الثلاثة يوم العيد، الرمي والحلق والطواف، وهذا فيه تيسير على الحاج الذي يعاني من زحمة الناس والمواصلات والأسفار،

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «قال رجل للنبي ﷺ زرت قبل أن أرمي، قال: لا حرج. قال آخر: حلقت قبل أن أذبح قال: لا حرج. قال آخر: ذبحت قبل أن أرمي،

قال: لا حرج» (البخاري، وفي رواية مسلم: «فما رأيته ﷺ سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعلوا ولا حرج».

* كل خلل في واجبات الحج من غير قصد يجبر بفدية، وحجه صحيح إذا كان القصور من هذا الوجه فقط.

#ومن مظاهره في المعاملات

يقول ﷺ: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» (البخاري) .

ويقول أيضًا ﷺ: «من أقال مسلما أقاله الله عثرته يوم القيامة» (سنن ابن ماجه، وأبو داود في سننه ورجاله ثقات)

* أجاز الإسلام للمتبايعين الخيار في عدد من المواضع كما إذا كانا في مجلس البيع، يقول ﷺ: «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع» (البخاري ومسلم) .

* حرم الإسلام الربا الذي فيه ظلم للناس واستغلال لظروفهم، وسببٌ لزرع الأحقاد والضغائن.

* كما حرم احتكار الطعام والسلع واحتجازها في وقت تشتد حاجة الناس إليها، يقول ﷺ: «لا يحتكر إلا خاطئ» (مسلم). ويقول ﷺ: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله -تبارك وتعالى- أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة» (أحمد) .

* التيسير على المدين المعسر:

وهو وصية الرسول ﷺ للأمة في قوله ﷺ: «من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» (مسلم)

#وفي مجال العقوبات

أ- جعل الله -تعالى- قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعًا، وإحياء نفس بمثابة إحياء لجميع الناس، يقول الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة ٣٢) .

ويقول ﷺ: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» (النسائي، والترمذي، وابن ماجه. ورجاله ثقات)

– لا يؤاخذ أحد بجريرة أحد، أي أنه لا يعاقب إلا القاتل نفسه، وليس لأهله وذويه شأن في فعله.

– جعل المجال مفتوحًا أمام ولي أمر المقتول وخيره بين إحدى ثلاث: القصاص أو الدية أو العفو، لقوله ﷺ: «من أصيب بدم أو خبل (الخبل الجراح) فهو بالخيار بين إحدى ثلاث: إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو، فإن أراد رابعة فخذوا على يديه فإن فعل شيئًا من ذلك ثم عدا بعد فقتل فله النار خالدًا فيها مُخلّدًا»

(مسند أحمد، وابن ماجه ورواته ثقات)

– إغراء أهل المقتول بما عند الله تعالى من عفو، إذا تجاوزوا عن القاتل وعفوا عنه، لقوله ﷺ:: «ما عفا رجل إلا زاده الله به عزا ولا نقصت صدقة من مال ولا عفا رجل قط إلا زاده الله عزا» (مسند أحمد، والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

* اشترط في جواز تطبيق القصاص اتفاق أولياء الدم جميعًا على هذا القصاص، فإذا وُجد من بينهم من عفا عن القاتل وإن كانت امرأة فإن الحكم يسقط، ويمنع القصاص.

 

* وكذلك إذا كان من بين أولياء الدم من لم يبلغ سن التمييز أو كان غائبًا، فإنه ينتظر بلوغه أو عودته من غيبته لأخذ رأيه، فإن عفا عن الجاني فإن الحكم يسقط، وقد يأخذ ذلك سنينًا وأعوامًا،

* ومن يسر الإسلام وسماحته في إنفاذ عقوبة الزنا أنه طلب شهادة أربعة أشخاص على الفاحشة، وهذا من باب التحري الزائد، وتجنبًا لتطبيق العقوبة، وحتى لا يقع الناس في أعراض غيرهم،

 

* حدد عقوبة للذي يقذف الآخرين ويتهمهم بالزنا من غير أن يحضروا أربعة أشخاص فحينها ينال عقوبة القذف، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .

 

* عمل الإسلام على تخفيف وقوع الزنا ومحاولة الستر على مرتكبها، وأن تتم التوبة بينه وبين الله تعالى، فالأمر يرجع إلى الله تعالى يوم القيامة إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه.

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.

أيها الإخوة المؤمنين

 

#آثار الابتعاد عن منهج التيسير

للابتعاد عن منهج التيسير آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، ومنها:

١- التكليف بما لا يطاق:

إن أي تشدد زائد في تطبيق أحكام هذا الدين وتكاليفه، سيعرض صاحبه للوقوع في الحرج والمعصية، وقد بيّن ذلك رسول الله ﷺ لأولئك النفر الذين حاولوا أن يكلفوا أنفسهم ما لا تطيق، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه:

«جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله ﷺ إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»

(البخاري ومسلم) .

٢- الفهم الخاطئ لهذا الدين:

إن الذي يتجاهل منهج التيسير والمسامحة في الإسلام يولد لديه قصور في فهم هذا الدين، لأنه لم يفهم هذا الدين كما أراده الله -تعالى- لعباده، وكما بيّنه لهم رسوله ﷺ، وهذا الفهم الخاطئ مع مرور الزمن يمتد ليغوص في مجمل أمور الدين ومجالاته،

٣- الأثر السلبي على الدعوة إلى الله:

تميل النفس البشرية دائمًا إلى السماحة والسعة في كل شيء، وتضيق ذرعًا بالمشقة والعنت في كل شيء أيضًا، كما تميل هذه النفس إلى أولئك الناس الذين ينتهجون السماحة في حياتهم وتتعلق بهم أكثر من الذين ينتهجون خلاف ذلك.

فالتشدد الذي في غير موضع التشدد ينفّر الناس من الدين، ويجعلهم يسلكون مناهج أخرى في الحياة غير منهج الله، وهذه هي طبيعة البشر، تريد اليسر والسعة والسماحة ولا تطيق غيرها. يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي ﷺ: دعوه وهريقوا على بوله سَجْلا من ماء أو ذَنوبًا من ماء، فإنما بُعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين» (البخاري)

٤- ومن الآثار الخطيرة القول على الله تعالى، وعلى رسوله ﷺ ما لم يقل، وتحميل الشرع ما لا يحتمل وفي هذا جناية أيما جناية، جعلت النبي ﷺ يقول: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، ومن ثمَّ يوصف الدين بما ليس فيه. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

اترك تعليقاً