خطبة بعنوان”وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ” لفضيلة الشيخ عادل توني
6 فبراير، 2025
خطب منبرية
إعداد فضيلة الشيخ : عادل عبدالكريم توني إبراهيم
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف
موضوع خطبة الجمعة القادمة :تحت عنوان:”وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ”
الجمعة 8 من شعــبان 1446هـ – الموافق 7 من فبـــــــراير 2025م
عناصر الخطبة :
١- التحذير من الإثم الظاهر والباطن .
٢- الحرص علي سلامة القلب من الآثام.
٣- من أخطر أمراض القلوب دَاءُ الْكِبْر .
٤- ” خيرُكم خيرُكم لأهله”
الخطبة الأولى :
(١)- الحمد لله العليِّ الأعلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، والصفات العلا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ذو الخُلق الأسمى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهديه اهتدى، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
يقول الله -تعالى-: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾ ، [الأنعام:120].
روى الإمام الطبري في تفسيره على هذا الآية عن مجاهد: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} معصية الله في السر والعلانية.
وعن قتادة: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}؛ أي: قليله وكثيره
وقال العلامة السعدي في تفسيره على هذا الآية: فنهى الله عباده عن اقتراف الإثم الظاهر والباطن؛ أي: السر والعلانية، المتعلقة بالبدن والجوارح، والمتعلقة بالقلب، ولا يتم للعبد، ترك المعاصي الظاهرة والباطنة، إلا بعد معرفتها، والبحث عنها، فيكون البحث عنها ومعرفة معاصي القلب والبدن، والعلمُ بذلك واجبًا متعينًا على المكلف. وكثير من الناس، تخفى عليه كثيرٌ من المعاصي، خصوصًا معاصي القلب؛ كالكبر والعجب والرياء، ونحو ذلك، حتى إنه يكون به كثير منها، وهو لا يحس به ولا يشعر، وهذا من الإعراض عن العلم، وعدم البصيرة.
وذهب بعض العلماء إلى أن الإثم الظاهر والباطن خاص بأكل الميتة وبشرب الخمر علانيةً وتسترًا، وفسر غيرُهم الإثم الظاهر بالزنا المعلن بذوات الرايات، والباطن بالزنا الخفي واتخاذ الأخدان، وذهب آخرون إلى أن الإثم الظاهر هو الطواف بالبيت عراةً، والباطن هو الاستسرار بالزنا، ونقول : إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيكون التحريم عامًّا في جميع الآثام، وهو ما بيَّنه الله تعالى بقوله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ ﴾ [الأعراف: 33]؛ أي: حرَّم أصناف الفاحشة المعلنة والمستترة ؛ كالزنا وما في حكمها أو صفاتها، كما حرم الإثم مطلقًا، وهو كل ما يوجب العقوبة قولًا وعملًا ونيَّات ، ولذلك عقَّب الله تعالي على هذا الأمر بقوله تعالي : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾ [الأنعام: 120]؛ أي: إن مرتكب الإثم بكل أصنافه الظاهرة والخفية، سيجازى بالعذاب الدائم يوم القيامة إن كان مستحلًّا له، فإن لم يكن مستحلًّا له ،ولم يتُب، ولم يعفُ الله عنه، عُذِّب على قدر ذنبه، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإثم، ففي صحيح مسلم : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ».
ـ وفي الآية دلالة على ترك جميع الإثم الظاهر، من مثل السرقة والزنا وشرب الخمر وأكل المال الحرام بأنواعه، وغير ذلك من الإثم الظاهر. قال الإمام القرطبي في تفسيره على هذا الآية: الظاهر ما كان عملًا بالبدن مما نهى الله عنه.
وحماية الجوارح من الآثام خيرُ سبل النجاة بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وخير ما يحفَظ به المرء سلامة جسده ومُروءته، ويوفر به لنفسه الراحة والطمأنينة وسعادة الدنيا والآخرة؛ ففي صحيح البخاري : (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ » ، وفي سنن البيهقي : (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنُ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ».
وفي الآية دلالة على ترك الإثم الباطن، والإثم الباطن أنواع منه ذنوب السر، ومنه ذنوب القلب بأنواعها ، وأمراض القلوب ،وخطرات النفس، كثيرة، وعلى رأسها النفاق ،والحسد ،والحقد، والعجب، والغل والشماتة والعداوة والبغضاء، وسوء الظن والتجسُّس، وإضمار السوء ، والكبرياء ،والرياء، والنجوى ،والوساوس، والأماني الضالة، وسوء التأويل لأقوال المسلمين وأعمالهم، والميل للإضرار بالخلق، وإيثار الدنيا على الآخرة، ومنها: الشك والشرك والنفاق والكفر، ومنها الاغترار بالله عز وجل، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله. ومنها: احتقار الذنوب، والتسويف بالتوبة، وقلة الاكتراث بتراكم الأوزار، والإصرار على المعاصي، ومنها: العجب والتفاخر، وحب الزينة، والمباهاة في الدنيا. ومنها: النكث والخيانة والغدر ، وهي كلها همٌّ ،وغم ،وحزن .
فعلي المسلم أن يهتم بإصلاح قلبه وسلامته من الآفات والأمراض التي تصيب القلوب ، فإذا صلح قلبه صلحت سائر أعضائه ، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » ،
وروى مسلم في صحيحه : (قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».
وفي سنن ابن ماجه :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ قَالَ « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ ». قَالُوا صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ قَالَ « هُوَ التَّقِىُّ النَّقِيُّ لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْىَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ ».
وقال صلى الله عليه وسلم محذرًا من أمراض القلوب كما في مسند أحمد : (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لاَ حَالِقَةُ الشَّعْرِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ »،
وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَنَاجَشُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا »
وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ »
ومن أخطر آثام وأمراض الباطن “دَاءُ الْكِبْرِ ” ، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا الْكِبْرُ؛ هوخُلُقٌ شَيْطَانِيٌّ ذَمِيمٌ، وَخَصْلَةٌ مِنْ قَبِيحِ الْخِصَالِ، دَاءٌ يُصِيبُ صَاحِبَهُ بِالتِّيهِ وَالْعَجَبِ وَالْغُرُورِ، فَلَا يرى إلّا نَفْسَهُ، وَلَا يرى لِأَحَدٍ فَضْلاً وَلَا مَكَانَةً، دَاءٌ يَصُدُّ صَاحِبَهُ عَنِ الْحَقِّ وَيَجُرُّهُ إِلَى الْمَهَالِكِ،
الْكِبْرُ كَبِيرَةٌ مِنْ كَبائرِ الذُّنُوبِ؛ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي ارْتُكِبَتْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَبَاركَ وَتَعَالَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا سَبَبَ امْتِناعِ إبْلِيسَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، وَإمَامُ الْمُتَكَبِّرِينَ وَقُدْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ عَدُوُّ الْبَشَرِيَّةِ إِبْلِيسُ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ شَرِّهِ وَمَكْرِهِ؛ حَيْثُ رَدَّ الْحَقَّ حِينَ جَاءَهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرَأَى مِن نَفْسِهِ الأَفْضَليةِ، وَقَالَ قَوْلَتَهُ الَّتِي مِلْؤُهَا التَّكَبُّرُ الْعَفِنُ: ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأعراف: 12].
الْكِبْرُ: صِفَةٌ لَا تَنْبَغِي إلّا للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فهيَ صِفَةُ كَمَالٍ فِي حقِّ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَصِفَةُ نَقْصٍ فِي الْمَخْلُوقِ، قَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “قَالَ اللهُ تَعَالَى: العِزُّ إزَارِي، والكِبريَاءُ رِدَائِي، فمَن نَازَعنِي شَيئاً مِنهُما عَذَّبتُهُ” رواه مسلمٌ، وَفِي لفظٍ: “الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارِ” رواهُ أحمدُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَاصَّةً، لَا يَجُوزُ لِلْمَخْلُوقِ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِمَا، فَاللهُ تَعَالَى إِذَا اتَّصَفَ بِهِمَا كَانَ ذَلِكَ فِيه كَمَالٌ، وَالْمَخْلُوقُ إِذَا تَجَرَّأَ وَلَبِسَ شَيئًا مِنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ كَانَا فِيه نَقْصًا وَعَيبًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَعَاظَمَ وَتَكَبَّرَ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى تَعْظِيمِهِ وَإِطْرائِهِ وَالْخُضُوعِ لَهُ، وَتَعْلِيقِ الْقَلْبِ بِهِ مَحَبَّةً وَخَوْفًا وَرَجاءً، فَقَدْ نَازَعَ اللهَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُهِينَهُ اللهُ غَايَةَ الْهَوَانِ، وَيُذِلَّهُ غَايَةَ الذُّلِّ، وَيَجْعَلَهُ تَحْتَ أَقْدَامِ خَلْقِهِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد ذم الله الكبر في مواضع من كتابه, وذم كل جبار متكبر؛ فقال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) [الأعراف: 146].
فالمتكبر مصروفٌ عن الحق والهدى؛ لأنه أقل وأَحْقَرُ من أنْ يُعطاه، قال تعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر: 35].
والمتكبرون هم أهل النار وحطامُها؛ قال صلى الله عليه وسلم: “تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ, فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ, وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ, قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي, أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي, أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي, وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكمَا مِلْؤُهَا”[متفق عليه].
والمتكبر مُتوّعَّدٌ بعدم دخول الجنة، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ”[رواه مسلم].
يا مظهر الكبر إعجابا بصورته ***
انظر خلاك فإنّ النّتن تثريب
لو فكّر النّاس فيما في بطونهم ***
ما استشعر الكبر شبّان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرّأس مكرمة ***
وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك ***
والعين مرفضّة والثّغر ملعوب
يا بن التّراب ومأكول التّراب غدا ***
أقصر فإنّك مأكول ومشروب
– فَالصِّفَةُ الَّتِي يَنبغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيهَا الْمُسْلِمُ هِي التَّوَاضُعُ، تَوَاضَعٌ فِي غَيْرِ ذِلَّةٍ، وَلِينٌ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ وَلَا هَوانٍ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِأَنَّهُمْ ﴿ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ [الفرقان: 63] أَيْ: فِي سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، غَيْرَ أَشِرِينَ وَلَا مُتَكَبِّرِينَ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ”،
وأُسْوَتُنا فِي ذَلِكَ أَشْرَفُ الْخَلْقِ وَأكْرَمُهُمْ عَلَى اللهِ، نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي كَانَ يَمُرُّ عَلَى الصِّبْيَانِ فَيُسَلِّمُ عَلَيهِمْ، وَكَانَتِ الأَمَةُ تَأْخُذُ بِيَدِهِ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ، وفِي بَيْتِهِ يكونُ فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ قَطُّ، وَكَانَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ الشَّاةَ لأَهْلِهِ، وَيَعْلِفُ الْبَعيرَ، وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ، وَيُجَالِسُ الْمساكينَ، وَيَمْشِي مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ فِي حَاجَتِهِمَا، وَيَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسّلامِ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ وَلَوْ إِلَى أَيْسَرِ شَيْءٍ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِيمَ الطَّبْعِ، جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، طَلْقَ الْوَجْهِ، مُتَوَاضِعًا فِي غَيْرِ ذِلَّةٍ، خَافِضَ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيِّنَ الْجَانِبِ لَهُمْ، وَكَانَ يَقُولُ: “لَا آكُلُ مُتَّكِئًا”، وَكَانَ يَجْلِسُ حَيْثُ انْتَهَى بِهِ الْمَجْلِسُ.
يلين لكل ذي ضعف وعجز ***
وكم لان لذي جهل فلانا
رسول يحمل الأطفال لطفًا ***
ويجعل عاتقيه لهم حصانا
ويختصر القراءة حين يبكي ***
صبي والموفق من ألانا
يلاطف أهله أكرم بزوج ***
يعف الأهل يغمرهم حنانا
يقاسمهم متاعبهم معينا ***
ويخدمهم فكم وضع الجفانا
وعزتنا بغير الدين ذل ***
وقدوتنا شمائل مصطفانا
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله الحليم الكريم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه ،صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
الحمد لله رب العالمين, جعل الرفعة لعباده المتواضعين، والذِّلَّ والصغار على المتكبرين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله – إن الإسلام دين الرحمة والسماحة، دين نهى عن التعدي لا على المرأة فحسب؛ بل حتى على الجماد وبهيمة الأنعام، وكل ناظر في الشريعة الإسلامية بإنصاف يجد من النصوص الكثير مما ينهى عن كل صور العنف ضد المرأة زوجة كانت أو بنتا، أو أختا أو غيرها. ومن تلك النصوص، أمر الله عز وجل بحسن عشرة الأزواج لزوجاتهم حيث يقول الله تعالى : ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً)). [ النساء:19].
كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بالنساء خيرا، فقال في خطبة الوداع كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إستوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله …”.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل البشوش الخلوق مع الناس عموما ومع أهله ونسائه خصوصا من أكمل الناس إيمانا فقال صلى الله عليه وسلم: “أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم” رواه الترمذي من حديث أبى هريرة.
وعن السيدة عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي»، [صحيح الترمذ].
فاللَّهمَّ اهدنا لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدني لأحسنِها إلَّا أنتَ ، وقنا سيِّئَ الأعمال والأخلاق لا يقي سيئَها إلا أنتَ .
واحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء وسائر بلاد المسلمين ،
وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.