الوهابية والثورة السورية: بين الادعاءات والتوظيف السياسي والحقائق المغيّبة

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )

منذ اندلاع الثورة السورية، برزت محاولات متعددة لإعادة صياغة التاريخ، وتوجيه السردية الثورية وفق مصالح معينة، تارة لتبرئة جهات من المسؤولية عن تعثر الثورة، وتارة أخرى لتضخيم دور فصائل بعينها وإعطائها حجماً أكبر من حجمها الحقيقي. ومن بين تلك السرديات، الادعاء بأن الوهابيين وحدهم هم من حرروا سورية، بينما بقية التيارات إما لم تشارك أو كانت عاملاً معطلاً.

هذه الرواية ليست فقط مجافية للحقيقة، بل تتجاهل جذور الثورة وتنوع مكوناتها، فضلًا عن التدخلات الخارجية التي أثرت بشكل مباشر في مسارها. كما أنها تختزل المشهد في بُعد عقدي ضيق، بينما الواقع أكثر تعقيدًا بكثير، ويتجاوز التصنيفات المذهبية إلى العوامل السياسية والعسكرية والاجتماعية التي صنعت الثورة وشكلت تطوراتها اللاحقة.

بداية الثورة السورية ودور العلماء الأشاعرة

حين انطلقت الثورة في 2011، لم تكن ثورة أيديولوجية، ولم تخرج تحت راية جماعة محددة، بل كانت ثورة شعبية واسعة شارك فيها الجميع، بدءًا من عوام الناس الذين ضاقوا ذرعًا بالقمع والاستبداد، وصولًا إلى علماء الشريعة الذين دعموا الحراك ووجهوه. وكان من أبرز التيارات العلمية التي ساهمت في هذا الحراك علماء الأشاعرة الذين يشكلون الامتداد السني التقليدي في سورية، حيث تصدّروا المشهد الثوري في مراحله الأولى، وكانوا من أوائل من واجهوا النظام ببيانات واضحة تدعو إلى إسقاطه، في وقت لم تكن الوهابية – بمختلف أطيافها – تشكل حضورًا بارزًا.

لكن، ومع تطور الأحداث، دخلت الفصائل الوهابية إلى الساحة، ليس فقط من داخل سورية، وإنما من الخارج أيضًا، وبدأت بعض الفصائل التي تتبنى نهجًا وهابيًا متشددًا تفرض رؤيتها على المجتمع، رافضة الاعتراف بالتعددية الفكرية والعقدية داخل أهل السنة.

الصراعات الداخلية بين الفصائل الوهابية وتأثيرها على الثورة

عوضًا عن أن تكون الفصائل الوهابية عاملًا موحدًا للصفوف في وجه النظام، تحولت إلى أحد أسباب الانقسام الداخلي. فمع تنوع مشارب الوهابية، دخلت إلى الساحة فصائل وهابية جهادية تكفيرية، وأخرى وهابية حركية، وثالثة أقرب إلى الوهابية العلمية، فكان التباين شديدًا في الرؤى والتوجهات. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأت الخلافات بين هذه الفصائل نفسها، ولم يكن النزاع فقط على القتال ضد النظام، وإنما على المرجعية الدينية، ومن له الأحقية في تمثيل الثورة، ومن يحق له قيادة “المشروع الإسلامي” داخل سورية.

هذه الخلافات لم تكن مجرد نقاشات فكرية، بل تحولت إلى اقتتال داخلي عنيف، أضعف الجبهة الثورية وأتاح للنظام إعادة ترتيب صفوفه وشن هجمات مضادة استعاد من خلالها مناطق كانت قد خرجت عن سيطرته. وبدلًا من أن تكون المعارك موجهة ضد النظام فقط، وجد الثوار أنفسهم أمام نزاعات داخلية بين الفصائل الإسلامية، خصوصًا تلك التي حملت الفكر الوهابي الجهادي الذي كان يكفّر كل من يخالفه، سواء كانوا من الفصائل الأخرى أو حتى من المدنيين السوريين الذين لم يتبنّوا مشروعه.

الموقف التركي وتأثيره على مسار الثورة والفكر الوهابي

مع تعقد الوضع الميداني في سورية، دخلت تركيا على الخط، وكانت سياستها واضحة في التعامل مع الفصائل الإسلامية، حيث حاولت توحيدها ومنع الصراعات بينها، لما لذلك من أثر سلبي على مسار الثورة. ولعبت أنقرة دورًا محوريًا في جمع الفصائل تحت رايات موحدة، وإيقاف المعارك الجانبية التي كانت تدور فيما بينها، الأمر الذي أدى إلى تغير ملحوظ في خطاب بعض الفصائل الوهابية.

ومن أبرز التحولات التي شهدها التيار الوهابي نتيجة التدخل التركي، هو التحول في موقف بعض الفصائل من الفرق الإسلامية الأخرى. فبعدما كان بعض الشرعيين الوهابيين داخل هذه الفصائل يرون أن الأشاعرة والماتريدية ليسوا من أهل السنة، اضطروا لاحقًا إلى تعديل خطابهم، والإقرار بأن أهل السنة ثلاثة فرق: الأشاعرة، والماتريدية، وأهل الحديث.

لم يتوقف الأمر عند الجانب الفكري فقط، بل تعداه إلى الرموز الثورية. فبعد أن كانت بعض الفصائل الوهابية تعتبر علم الثورة “راية جاهلية”، وترى رفعه كفرًا وضلالًا، وصلت إلى مرحلة القبول به، ورفعته في مقراتها ومناطق سيطرتها، بعدما كان مقاتلوها يدوسون عليه في السابق. وهذه التغيرات لم تأتِ نتيجة مراجعات فكرية داخلية، بل جاءت بفعل الضغوط السياسية والعسكرية التي فرضتها البيئة الجديدة التي عملت فيها هذه الفصائل.

ازدواجية النظام السوري في التعامل مع التيارات الإسلامية

لم يكن النظام السوري، منذ نشأته، مهتمًا بأي تيار إسلامي ما لم يكن يشكل تهديدًا لسلطته. فكان يسمح لبعض الجماعات الإسلامية التي تدور في فلكه بالعمل ضمن نطاق محدود، بينما يضرب بقوة أي جماعة تحمل مشروعًا سياسيًا إسلاميًا حقيقيًا. ومن هذا المنطلق، تساهل مع التيار الوهابي المدخلي، لأنه تيار معروف بولائه للأنظمة وعدم خروجه عليها، بينما لم يسمح لأي تيار إسلامي آخر بالعمل، سواء كان من الوهابية الجهادية أو حتى من التيارات الأشعرية المنظمة، كالإخوان المسلمين أو الأحباش، رغم أن الأحباش كانوا موالين له بشكل كامل.

لم يكن النظام يحارب الوهابية لمجرد أنها وهابية، كما لم يكن يحارب الأشاعرة لمجرد أنهم أشاعرة، بل كان يحارب كل من يشكل تهديدًا لحكمه، سواء كان وهابيًا أو أشعريًا أو صوفيًا أو غير ذلك. فالنظام البعثي بطبيعته لا يكنّ عداءً لتيار بعينه، بل يكنّ عداءً لكل ما يمثل الإسلام نفسه. وهذا ما يفسر سياسته القمعية تجاه المساجد والعلماء، وفرضه الرقابة المشددة على الأئمة والخطباء، بل ووصوله إلى درجة منع الصلاة في المراكز العامة، وإجبار الأئمة على تقديم تقارير أمنية عن مرتادي المساجد.

الخلاصة: الثورة ليست حكرًا على أحد

إن محاولة تصوير الوهابيين على أنهم القوة الوحيدة التي قاتلت النظام وحررت سورية هي محاولة غير دقيقة، وتتجاهل الأدوار التي لعبتها بقية التيارات الإسلامية وغير الإسلامية في الثورة. فالثورة لم تبدأ بالوهابيين، ولم تقتصر عليهم، ولم يكن اقتتالهم الداخلي سببًا في انتصارها، بل كان أحد الأسباب الرئيسية في تأخير النصر.

كما أن إعادة قراءة الثورة بعين الإنصاف تقتضي الاعتراف بأن سورية ليست ساحة لصراع عقدي بين الوهابية والأشعرية، بل هي ساحة معركة بين شعب مسلم ثائر، ونظام استبدادي باطني يسعى للقضاء على أي مشروع إسلامي حقيقي، بغض النظر عن انتمائه المذهبي.

واليوم، بعد أكثر من عقد على انطلاق الثورة، أصبح من الضروري تجاوز الخطابات الإقصائية التي تحاول نسب الثورة لفصيل دون آخر، والنظر إليها على أنها ثورة جميع السوريين، بكل أطيافهم، بعيدًا عن محاولات التوظيف السياسي والمذهبي الضيق.

تعليق واحد

  1. السلام عليكم – تأكيدا على كلام الأستاذ الباحث هنا – لما كانت الفصائل الوهابية المتشددة تلتأم فيما بينها في كثير من مناطق سوريا بالبداية ومثالنا هنا عن منطقة دوما -لمعرفتي الدقيقة به حيث جلست مع أ.ْع.ك وهو إبن أخو شريكي وأخذت منه تفاصيل مغادرته لدوما وترك الفصائل كلها وهجرته لتركيا لثلاث سنوات ومنها لألمانيا متكلفا أموالا طائلة وهو ذلك المهندس التقني المتخصص بالإتصالات والذي قدم خدمات جليلة للفرق التي كان عندها – قابلته بتركيا فقال لي بالحرف الواحد ما مضمونه: بدأت تظهر بعض النعرات بين الفرق المتآخية فهذا يصف الفرقة المحسوبة على السعودية بأنها وهابية مكفرة وذاك يرمي شقيق النضال بالكفر لأنه لا يلتزم معايير تصنيف المجاهدين والجميع كان أشد البعد عن الجهاد الحقيقي الموصوف بالقرآن : (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) يقول فازدادت حدة التوتر بينهم فكانوا يرون انفسهم أصحاب فضل على الناس ومثاله : يقول جمع الناس العوام بأحد سنوات حصار دوما الخانق أموالا لعمل ذبائح وقد إقترب عيد الأضحى فكان الناس يرسلون لهم ما بين مال ومابين أضاحي ويدفعون لضابط من القصر الجمهوري مستنفع رشاوى كبيرة للسماح بإدخالها ولما تجمع عندنا ٢٠٠ أضحية – جاء المجاهدون بكامل عدتهم وعتادهم وتحدثوا للمجموعة التي ستشرف على ذبح الأضاحي فسألوا المجموعة عن العدد المخصص مجاهدين فقال إن شاء الله يصلكم حصتكم ، فألح المقاتل على ذكر العدد له فقال المسؤول الناس هنا لم تأكل لحما منذ ٦ أشهر فأصر على سوق مجموعة من الأغنام وقرروا أن يذبحوا كل الخراف ثم يعود سيادة المجاهد لأخذ الذبائح وأمره بألا يوزع لأحد حتى يعودوا – يقسم الزجل المهندس بأن المجاهدين المجتهدين الأبطال أخذوا ١٨٠ ذبيحة بحجة العدد المهول لديهم وقال المهندس إن أحد أبناء المجاهدين (بدو ينضرب على قامتو يتجوز) وأخدوا كميات وخزنوا لأن عندهم موتورات كهرباء وقد يرموا الفائض بالقمامة – أنتهى – قام فصيل جند الشام وفصيل فتح الإسلام بالإنفصال عن بعهم وقتلوا من بعضهم ١١٥٠ شخص بأسبوع بعدما كانوا يتقاسمون لقمة العيش – ترك المهنس الفرقتين والتزم بيته بدوما فهو دمشقي وتزوج من أهل دوما وأزعجه الفصيلين بعض الشيء ليعود لهذا أو لذاك – قال لهم والله ما تركت أهلي وخلاني وحياتي من أجل هذا ثم دفع ٣٠٠٠ ودولار لضابط علوي من مصياف نقله لضيعته ثم لجسر الشغور ثم استلمه بعض الأصحاب وسهلوا له دخول تركيا – والزجل حي يرزق – الشاهد – موضوع الخلافات هذه ما حصلت بين أي من الفصائل إلا الوهابية وذلك لخلافهم العقدي الذي يضعونه على الطاولة في كل مناحي حياتهم ويكفرون الطرف الآخر ويتهمونه بإخلاصه حتى لو استشهد ضاحكا – واليوم أرادوا أن يلبسوا ثوبا فضفاضا عليهم ونسوا أن وثيقة ال ١٠٠ عالم الذين وقعوا على الوثيقة للمجرم الهارب ممن كانوا مازالوا بسوريا هم كلهم من الأشاعرة ومنهم الشيخ العلامة الفقيه الحنفي محمد وهبي الغاوجي والشيخ المربي محمد سعيد الكحيل والشيخ العلامة سارية الرفاعي وكلهم صاروا في ديار الحق – فكفى وهما وكفى تبجحا وكفى فتنة –

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *