ردُّ الشر واستنكار المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصول الدين

بقلم الدكتور : مصطفى حسن الأقفهصى ( أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية )

 

ردُّ الشر واستنكار المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصول الدين:

الإسلام يفرض علينا ألا نُحابيَ فيه أحدًا ، ولو كان ذا قُربى ، وألَّا نسكت عن استشراء الشر واستنكار المنكر مع أُخوةٍ من حقهم علينا ديانة ألا ندع القذى في أعينهم، فقد جاء الإسلام ليؤكد على أننا لن نرضى عن النصح بديلًا…

فمهمة علماء هذه الأمة التي ورثوها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هي البيان والبلاغ الصحيح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن الضالين» اهـ

وقال الإمام النووي: «إذا ذَكرَ مُصنفُ كتابٍ شخصًا بعينه في كتابه قائلًا: قال فلان كذا مريدًا تنقيصه والشناعةَ عليه فهو حرامٌ، فإنْ أرادَ بيانَ غَلَطِهِ لِئَلَّا يُقلَّدَ، أو بيانَ ضعفه في العلم لِئَلَّا يُغترَّ به ويُقبل قوله، فهذا ليس غيبة، بل نصيحةٌ واجبةٌ يُثاب عليها إذا أراد ذلك» اهـ.

وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: «فأما أهل البدع والضلالة، ومن تشبه بالعلماء وليس منهم، فيجوز بيان جهلهم، وإظهار عيوبهم؛ تحذيرًا من الاقتداء بهم» اهـ.

فلا بد من بيان الأمور وتوضيحها ، وتحديد المفاهيم وتحقيقها ، وهذا الدور من العبء بمكان ، ولا يقوم به إلَّا ذوو الشأن، والأزهر هو الذي يستطيع أن يحدد المفاهيم في أذهان الناس على النحو الذي أنزل الله القرآن وأصلح أمر الأولين عليه.

وذلك بما حباه الله تعالى من المكانة الوارفة في قلوب المسلمين في شتى البقاع، وبما ورثه علماؤه من مواريث النبوة التي يخرجون بها للناس، يشاركونهم في حياتهم، ويوجهونهم في عباداتهم ومعاملاتهم.

يقول فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق: «وعلماء الأزهر يمارسون نشاطهم في المعاهد الدينية، والمدارس العامة، وفي ساحة القضاء، والمساجد، والقوات المسلحة، والجمعيات، وسائر الميادين المتاحة، راصدين كل فكرٍ جديدٍ ليزنوه بميزان الشريعة التي وسعت كل شيء، مؤيدين ومشجعين ما كان منه صوابًا، ومُحذِّرين ما كان من خطأ.. ».

فانظر إلى أي مدى تكون مهمة علماء الأزهر الأجلاء تجاه الدين والدنيا!!
وإلى أي سبيلٍ يستطيعون به الحفاظ على الثوابت الشرعية والمصالح المرعية!!

فهم السراة الذين لولاهم لفسدت الأرض وضلَّ ناسها بسيادة جُهَّالها، وعلى حد قول الشاعر:

لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ
لَهُم وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا

وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ عَمَدٌ
وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ

فَإِن تَجَمَّعَ أَوتادٌ وَأَعمِدَةٌ
لِمَعشَرٍ بَلغوا الأَمرَ الَّذي كادوا.

اترك تعليقاً