الحال أبلغ من المقال
30 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ : محمد ابو السعود
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
التعبير بالحال قد يكون أكثر صدقًا من التعبير بالمقال
ولذا فقد عبر أهل البيان عن باب الحال فقالوا:
وصف هيئة الفاعل والمفعول، والحال هو وصف هيئة الفاعل من حسن أو قبيح، فهموا من ذلك إشارة: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ}
، فعمدوا إلى أنفسهم، فأبرزوها في أحسن الهيئة، وجعلوها في أجمل الصفات. ثم إنهم نكروها كي لا تعرف، وأبهموا كي لا تشتهر وتوصف، أحوالهم أبدا في إصلاحها منتصبة، ومعارفهم أبدا بستر النكرة محتجبة، قال الله تبارك وتعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}
وعلى هذا فالدعوة بالحال هي التعبير عن قدرة الله بالشكل والهيئة، وما يستفيده الإنسان من غيره (أي: كل ما سوى الإنسان من حيوان وطير وحشرات وجن وغير ذلك)، فيفهم منه حالا يفيده في حياته.
ولذا قال جعفر الصادق عليه السلام لأصحابه:
(كونوا دعاةً وأنتم صامتون، قالوا: وكيف ندعو ونحن صامتون؟ قال: ادعوا الناس بأخلاقكم وأقوالكم وأعمالكم قبل أن تدعوهم بتذكيركم)
الدعوة إلى الله لها أحوال ومقالات، والحال أبلغ من المقال، وعلى الداعية أن يكون حاله وعمله أدل على الدعوة من كلامه وخطبه، ولذا قيل:
«عَمَلُ رَجُلٌ فِي أَلْفِ رَجُلٍ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِ أَلْفِ رَجُلٍ فِي رَجُلٍ، وَأَمَّا مَنْ وَعَظَ وَاتَّعَظَ فَمَحَلُّهُ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ
رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ مَاتَ وَكَانَ وَاعِظًا زَاهِدًا فَرُؤِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي وَأَوَّلُ مَا سَأَلَنِي مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ فَقَالَا: مَنْ رَبُّكَ؟ فَقُلْتُ: أَمَا تَسْتَحِيَانِ مِنْ شَيْخٍ دَعَا الناس إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا سَنَةً فَتَقُولَانِ له من ربك؟
وقيل للشبلي عن النَّزْعِ: “قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ” فَقَالَ:
إِنَّ بَيْتًا أَنْتَ سَاكِنُهُ … غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى السرج»
بمعنى أنه يجب على الداعية أن يعبر بلسان المقال عن لسان الحال، فالقاصر الفهم يقف على الظاهر ويعتقده نطقاً والبصير بالحقائق يدرك السر فيه
وهذا كقول القائل قال الجدار للوتد: لم تشقني ؟
قال : سل من يدقني فلم يتركني ورائي الحجر الذي ورائي
فهذا تعبير عن لسان الحال بلسان المقال
ومن هذا قوله تعالى :”ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين”، فالبليد يفتقر في فهمه إلى أن يقدر لهما حياة وعقلاً وفهماً للخطاب وخطاباً هو صوت وحرف تسمعه السماء والأرض فتجيبان بحرف وصوت وتقولان أتينا طائعين،
والبصير يعلم أن ذلك لسان الحال وأنه إنباء عن كونهما مسخرتين بالضرورة ومضطرتين إلى التسخير
ومن هذا قوله تعالى:” وإن من شيء إلا يسبح بحمده” فالبليد يفتقر فيه إلى أن يقدر للجمادات حياة وعقلاً ونطقاً بصوت وحرف حتى يقول سبحان الله ليتحقق تسبيحه