خطبة بعنوان «الحال أبلغ من المقال» لفضيلة الشيخ احمد عزت

إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة غرة شعبان لعام ١٤٤٦هـ. الموافق ٣١ من يناير لعام ٢٠٢٥

الموضوع

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد

إن أغلب الذين اعتنقوا الإسلام في السنوات الأخيرة في البلاد الأجنبية، يشيرون إلى حقيقة ملموسة وفي غاية الأهمية وذلك عندما يسألون عن سبب تحوّلهم إلى هذا الدين الحنيف.

فقد اتّفق العديد منهم على إنهم احتكّوا أو شاهدوا أو عاشروا شخصًا أو مجموعة من المسلمين فتأثروا بأخلاقهم وما يحملون من مثل وقيم وخصال حميدة غير متوفّرة عند باقي الديانات.

وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن السلوك العملي والفعل الخارجي له الفضل الأكبر على اقتناع الآخرين بالمبادئ وجذبهم إليها..

فالنظريات والمبادئ على صحتها وتكامليتها قد لا تحفز الآخرين للأخذ بها ما لم تكن مصحوبة بواقع عملي ملموس يعطي صورة نقية عنها، فالقول لن يجدي حتى يتصل بالفعل، والشرف عند الله سبحانه بحسن الأعمال لا بحسن الأقوال، وإيقاع العمل أقوى وأشد تأثيراً على قلوب الآخرين.

ولعلّ ما نطق به المستبصرون أو أولئك الذين زينوا أعناقهم بوسام الإسلام يستحقّ منا التوقّف طويلاً عند هذه المسألة ومراجعة أوضاعنا بدقّة، فكلّ حركة نقوم بها وكل ممارسة نجريها هناك من يراقبها ويترصّدها بعناية فائقة، إنْ كانت حسنة جلبت الحسنات وأدخلت الآلاف في دين الإسلام، وإنْ كانت سيئة جرّت وراءها الخسائر والسيئات، ونفّرت نفوس العديد من طلاب الحقيقة..

وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «زيادة الفعل على القول أحسن فضيلة ونقص الفعل عن القول أقبح رذيلة» و«لسان الحال أصدق من لسان المقال».

توضح هذه القاعدة أن الفعل والقدوة المشاهدة أبلغ في التأثير من أسلوب القول المجرد.

كما تؤكد أهمية القدوة وأثرها الفاعل في النفوس، وأن الأسلوب العملي أرسخ للفهم والتعليم والإيضاح.

كما تفيد أهمية العناية بالقدوة في التربية والتوجيه وإصلاح السلوك، لأن القدوة آمرة بلا أمر، وموضحة بلا إلزام، وداعية للصواب بلا نداء، ومبينة بلا قلم ولا قرطاس.

ولا يعني ذلك ضعف جانب النصح والإرشاد، ولكن إذا انضم إليه الفعل كان أبلغ من القول المجرد.

والنبي ﷺ كان يدع إلى الله بسلوكه وحسن خلقه، فقد كان ﷺ

أشد الناس تواضعا وأبعدهم عن الكبر،

وكان يزور المساكين ويجيب دعوة العبد ويسير مع الأمة التي كانت تأخذ بيده فيسير معها حيث أرادت

* كان ﷺ يجلس مع أصحابه كأحدهم حيث ينتهي به المجلس

* وكان ﷺ يخصف نعله، ويخيط ثوبه، وكان في مهنة أهله

#وكان حليمًا على الجهلاء ذوي الفظاظة في السلوك، والخشونة في المعاملة والغلظة في الخطاب، فلقد جاء إليه أعرابى يطلب منه – كما في حديث أبي هريرة: أنَّ أعرابيًّا جاء إلى رسولِ اللهِ يستعينُه في شيءٍ قال عكرمةُ أراه في دمٍ فأعطاه رسولُ اللهِ ﷺ شيئًا ثُمَّ قال أحسَنْتُ إليك قال الأعرابيُّ لا ولا أجمَلْتَ فغضِب بعضُ المسلمينَ وهمُّوا أن يقوموا إليه فأشار النَّبيُّ ﷺ إليهم أن كُفُّوا فلمّا قام النَّبيُّ ﷺ وبلَغ إلى منزلِه دعا الأعرابيَّ إلى البيتِ فقال له إنَّك جِئْتَنا فسأَلْتَنا فأعطَيْناك فقُلْتَ ما قُلْتَ فزاده رسولُ اللهِ ﷺ شيئًا فقال أحسَنْتُ إليك فقال الأعرابيُّ نَعَمْ فجزاك اللهُ من أهلٍ وعشيرٍ خيرًا فقال له النَّبيُّ ﷺ إنَّك كُنْتَ جِئْتَنا فأعطَيْناك فقُلْتَ ما قُلْتَ وفي نفسِ أصحابي عليك من ذلك شيءٌ فإذا جِئْتَ فقُلْ بينَ أيديهم ما قُلْتَ بين يدي حتّى يذهَبَ عن صدورِهم قال فلمّا جاء الأعرابيُّ قال رسولُ اللهِ ﷺ إنَّ صاحبَكم كان جاءنا فسأَلَنا فأعطَيْناه فقال ما قال وإنّا قد دعَوْناه فأعطَيْناه فزعَم أنَّه قد رضي أكذاك قال الأعرابيُّ نَعَمْ فجزاك اللهُ من أهلٍ وعشيرٍ خيرًا قال أبو هريرةَ فقال النَّبيُّ ﷺ إنَّ مَثَلي ومَثَلَ هذا الأعرابيِّ كمَثَلِ رجلٍ كانت له ناقةٌ فشرَدَت عليه فاتَّبَعها النّاسُ فلم يزيدوها إلّا نفورًا فقال صاحبُ النّاقةِ خلُّوا بيني وبينَ ناقتي فأنا أرفَقُ بها وأعلَمُ بها فتوجَّه إليها صاحبُ النّاقةِ فأخَذ لها من قشامِ الأرضِ ودعاها حتّى جاءَت واستجابَت وشدَّ عليها رَحْلَها واستوى عليها ولو أنِّي أطَعْتُكم حيثُ قال ما قال دخَل النّارَ”

عن عبدالله بن سلام : إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى لمَّا أراد هُدى زيدِ بنِ سَعْنةَ قال زيدُ بنُ سَعْنةَ: إنَّه لم يبقَ مِن علاماتِ النُّبوَّةِ شيءٌ إلَّا وقد عرَفْتُها في وجهِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ نظَرْتُ إليه إلَّا أثنين لم أخبُرْهما منه: يسبِقُ حِلْمُه جهلَه ولا يزيدُه شدَّةُ الجهلِ عليه إلَّا حِلمًا فكُنْتُ أتلطَّفُ له لِأنْ أُخالِطَه فأعرِفَ حِلْمَه وجهلَه قال: فخرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الحُجُراتِ ومعه عليُّ بنُ أبي طالبٍ فأتاه رجلٌ على راحلتِه كالبدويِّ فقال: يا رسولَ اللهِ قريةُ بني فلانٍ قد أسلَموا ودخَلوا في الإسلامِ كُنْتُ أخبرته أنَّهم إنْ أسلَموا أتاهم الرِّزقُ رغدًا وقد أصابهم شدَّةٌ وقحطٌ مِن الغيثِ وأنا أخشى يا رسولَ اللهِ أنْ يخرُجوا مِن الإسلامِ طمَعًا كما دخَلوا فيه طمَعًا فإنْ رأَيْتَ أنْ تُرسِلَ إليهم مَن يُغيثُهم به فعَلْتَ قال: فنظَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى رجلٍ إلى جانبِه أراه عمرَ فقال: ما بقي منه شيءٌ يا رسولَ اللهِ قال زيدُ بنُ سَعْنةَ: فدنَوْتُ إليه فقُلْتُ له: يا محمَّدُ هل لك أنْ تبيعَني تمرًا معلومًا مِن حائطِ بني فلانٍ إلى أجلِ كذا وكذا ؟ فقال: ( لا يا يهوديُّ ولكنْ أبيعُك تمرًا معلومًا إلى أجلِ كذا وكذا ولا أُسمِّي حائطَ بن فلانٍ ) قُلْتُ: نَعم فبايَعني صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأطلَقْتُ هِمياني فأعطَيْتُه ثمانينَ مثقالًا مِن ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجلِ كذا وكذا قال: فأعطاها الرَّجلَ وقال: ( اعجَلْ عليهم وأغِثْهم بها ) قال زيدُ بنُ سَعْنةَ: فلمَّا كان قبْلَ محلِّ الأجلِ بيومينِ أو ثلاثةٍ خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جِنازةِ رجلٍ مِن الأنصارِ ومعه أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ ونفرٌ مِن أصحابِه فلمَّا صلَّى على الجِنازةِ دنا مِن جدارٍ فجلَس إليه فأخَذْتُ بمجامعِ قميصِه ونظَرْتُ إليه بوجهٍ غليظٍ ثمَّ قُلْتُ: ألا تقضيني يا محمَّدُ حقِّي ؟ فواللهِ ما علِمْتُكم بني عبدِ المطَّلبِ – بمُطلٍ ولقد كان لي بمُخالَطتِكم عِلمٌ قال: ونظَرْتُ إلى عمرَ بنِ الخطَّابِ وعيناه تدورانِ في وجهِه كالفلَكِ المستديرِ ثمَّ رماني ببصرِه وقال: أيْ عدوَّ اللهِ أتقولُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أسمَعُ وتفعَلُ به ما أرى ؟

فوالَّذي بعَثه بالحقِّ لولا ما أُحاذِرُ فَوْتَه لضرَبْتُ بسيفي هذا عنقَك ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينظُرُ إلى عمرَ في سكونٍ وتُؤدةٍ ثمَّ قال: ( إنَّا كنَّا أحوجَ إلى غيرِ هذا منك يا عمرُ أنْ تأمُرَني بحُسنِ الأداءِ وتأمُرَه بحُسنِ التِّباعةِ اذهَبْ به يا عمرُ فاقضِه حقَّه وزِدْه عشرينَ صاعًا مِن غير مكانَ ما رُعْتَه ) قال زيدٌ: فذهَب بي عمرُ فقضاني حقِّي وزادني عشرينَ صاعًا مِن تمرٍ فقُلْتُ: ما هذه الزِّيادةُ ؟ قال: أمَرني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ أزيدَك مكانَ ما رُعْتُك فقُلْتُ: أتعرِفُني يا عمرُ ؟ قال: لا، فمَن أنتَ ؟ قُلْتُ: أنا زيدُ بنُ سَعْنةَ قال: الحبرُ ؟ قُلْتُ: نَعم، الحبرُ، قال: فما دعاك أنْ تقولَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قُلْتَ وتفعَلَ به ما فعَلْتَ فقُلْتُ: يا عمرُ كلُّ علاماتِ النُّبوَّةِ قد عرَفْتُها في وجهِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ نظَرْتُ إليه إلَّا اثنتينِ لم أختبِرْهما منه: يسبِقُ حِلْمُه جهلَه ولا يزيدُه شدَّةُ الجهلِ عليه إلَّا حِلْمًا فقد اختبَرْتُهما فأُشهِدُك يا عمرُ أنِّي قد رضيتُ باللهِ ربًّا وبالإسلامِ دينًا وبمحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نبيًّا وأُشهِدُك أنَّ شَطْرَ مالي – فإنِّي أكثرُها مالًا – صدقةٌ على أمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال عمرُ أو على بعضِهم فإنَّك لا تسَعُهم كلَّهم قُلْتُ: أو على بعضِهم فرجَع عمرُ وزيدٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال زيدٌ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فآمَن به وصدَّقه وشهِد مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مشاهدَ كثيرةً ثمَّ توفِّي في غزوةِ تبوكَ مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ ) رحِم اللهُ زيدًا قال: فسمِعْتُ الوليدَ يقولُ: حدَّثني بهذا كلِّه محمَّدُ بنُ حمزةَ عن أبيه عن جدِّه عن عبدِ اللهِ بنِ سلَامٍ.

وكان النبى ﷺ شديد الحياء، فقد كان إذا سلّم على أحد لا ينزع يده حتى يكون -الرجل-هو الذي ينزعها

عن سهل بن سعد الساعدي: جاءَتِ امْرَأَةٌ إلى النبيِّ ﷺ ببُرْدَةٍ، فَقالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أتَدْرُونَ ما البُرْدَةُ؟ فَقالَ القَوْمُ: هي الشَّمْلَةُ، فَقالَ سَهْلٌ: هي شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيها حاشِيَتُها، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أكْسُوكَ هذِه، فأخَذَها النبيُّ ﷺ مُحْتاجًا إلَيْها فَلَبِسَها، فَرَآها عليه رَجُلٌ مِنَ الصَّحابَةِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما أحْسَنَ هذِه، فاكْسُنِيها، فَقالَ: نَعَمْ فَلَمّا قامَ النبيُّ ﷺ لامَهُ أصْحابُهُ، قالوا: ما أحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النبيَّ ﷺ أخَذَها مُحْتاجًا إلَيْها، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إيّاها، وقدْ عَرَفْتَ أنَّه لا يُسْأَلُ شيئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَها حِينَ لَبِسَها النبيُّ ﷺ، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيها.

البخاري

لقد كان ﷺ أشد الناس حياء وأكثرهم عن العورات إغضاءً, قال أبو سعيد: “كان رسول الله ﷺ أشد حياء من العذراء فى خدرها، وكان لا يشافه أحدا بما يكره”

روى أبو داوود عن عائشة رضى الله عنها قالت: “كان النبى ﷺ إذا بلغه عن أحدٍ ما يكره لم يقل ما بال فلان يفعل كذا ولكن يقول: “ما بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا . ينهى عنه ولا يسمى فاعله، وإذا كره شيئًا ذكره بطريق الإشارة. فقد كان يقول: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء -وهم فى الصلاة -لينتهن عن ذلك أو ليذهبن الله بأبصارهم.

ما بال الرجل أستعمله على العمل مما ولّانى الله فيقول هذا لكم وهذا أُهْدى لى أفلا جلس فى بيت أبيه أو أمه ينظر تأتيه هديته -إن كان صادقا

وإذا رأى شيئاً يكرهه يشير إلى صاحبه يغيره فقد دخل عليه رجلٌ ثائر الشعر واللحية، فأشار عليه ﷺ فرجع الرجل وأحسن من هيئته فقال النبى ﷺ : “أليس هذا خيرٌ من أن يأتى أحدكم ثائر الشعر والرأس كأنه شيطان.

وروى عن أنسٍ أنه دخل عليه رجلٌ به أثر صُفره فلم يقل له شيئًا، وكان لا يشافه أحدًا بما يكره، فلما خرج قال: لو قلتم له يغسل هذا.

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.

أيها الإخوة المؤمنين

لقد كان ﷺ لا يُوازى ولا يُبارى فى هذه الأخلاق الكريمة، من الجود والكرم والسخاء، فما سئل عن شئٍ فقال لا. ما قال قطٍ لا إلا فى تشهده لو لا تشهده لكانت لاؤه نعم

وقال ابن عباس: “كان رسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة “النسائي صحيح

وعن أنسٍ أن رجلاً سأل النبى ﷺ فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وقال ” أسلموا فإن محمداً يعطى عطاء من لا يخشى فاقة

ولما كان خروج رسول الله ﷺ إلى حنين واحتاج إلى الدروع والسلاح، وكان صفوان بن أمية من تجار السلاح المعروفين في مكة

ومع ذلك لم يأخذ رسول الله ﷺ السلاح منه عنوةً، إنما استقرضه بالثمن! ولم يستغل ضعفه وقِلَّةَ أعوانه، وإسلام مكة كلها تقريبًا إلا هو،

وخرج صفوان مع المسلمين إلى حنين ليرعى أسلحته، وانكسر المسلمون في أول الأمر، ثم أُتبع الانكسار بانتصار مهيب، وجمع المسلمون غنائم لم يسمع بها العرب قبل ذلك، وقام رسول الله ﷺ بما لم يقم به قائد في تاريخ البشرية؛ إذ وقف يقسِّم الغنائم بكاملها -على كثرتها- على الجنود دون أن يحتفظ لنفسه بشيء!

وكان ﷺ يُعطي المؤلفة قلوبهم من المسلمين مائةً مائةً من الإبل والشياه، وقسّم الغنائم ،

 

وكان عدد الإبل أربعة وعشرون ألفًا والغنم أكثر من أربعين ألفًا وأربعة آلاف أوقية من الفضة فقسمها بين الفاتحين وصرف منها للمؤلفة قلوبهم والذين حقّقوا من الثروة ما أذهل عقولهم ، حتى تنازل السادة عن كبريائهم وعِزَّتهم، وذهبوا يطلبون العطاء المرة تلو المرة! والرسول ﷺ لا يردُّ سائلاً، ولا يمنع طالبًا، ومنهم أبو سفيان فقد أعطاه النبى ﷺ تأليفًا لقلبه أربعين أوقية من الفضة، ومائة من الإبل ولم يكتف بذلك بل طلب لابنه يزيد فأعطاه فقال: وابنى معاوية فأعطاه ﷺ، وكذلك أعطى حكيم بن حزام والنضر بن الحارث والعباس بن مرداس، وأعطى عمه العباس ما لم يستطع حمله.

ومن بعيد يقف صفوان بن أمية متحسِّرًا وهو يشاهد توزيع الغنائم، فهو ما زال من المشركين، وليس له إلا إيجار السلاح ولكنْ حَدَثَ في لحظةٍ ما أذهل صفوان، وأذهل المشاهدين للموقف والسامعين عنه، وسيظلُّ مذهلاً للناس إلى يوم القيامة، قد نادى رسولُ الله ﷺ صفوانَ بن أمية، وأعطاه مائة من الإبل، كما أعطى الزعماء المسلمين من أهل مكة!!

أيتوقع إنسان -أيًّا كان كرمه أو سخاؤه- أن يحدث منه مثل هذا؟! ولم تكن ذلك نهاية الموقف

لقد وجد رسول الله ﷺ أن صفوان ما زال واقفًا، ينظر إلى شِعْبٍ من شِعاب حُنين، قد مُلِئ إبلاً وغنمًا، وقد بَدَتْ عليه علامات الانبهار والتعجُّب من كثرة الأنعام، فقال له ﷺ في رِقَّة: «أَبَا وَهْبٍ، يُعْجِبُكَ هَذَا الشِّعْبُ؟» قال صفوان في صراحة شديدة: نَعَمْ

إنه لا يستطيع أن يترفع وينكر .. إن المنظر باهر حقًّا!

قال الرسول ﷺ في بساطة وكأنه يتنازل عن جمل أو جملين: «هُوَ لَكَ وَمَا فِيه»!

أذهلت المفاجأة صفوان، ووضحت أمام عينيه الحقيقة التى ظلت غائبة عنه سنين طويلة ، ولم يجد صفوان بن أمية نفسه إلا قائلاً : أشهد ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي ، أشهد أنه لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبده ورسوله !!

وأسلم صفوان رضى الله عنه في مكانه !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *