كيف تتغلب على هموم الحياة (1)
25 يناير، 2025
منبر الدعاة

بقلم الدكتـور : رجب عبد اللطيف محمد
استشاري دولي في التنمية البشرية والإرشاد الأسري والتربوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين ، مجيب دعوة المضطرين ، وكاشف هم المهمومين ، ورافع البلاء عن المبتلين ، فهو سبحانه ارحم الراحمين ، أحمدك ربى حق حمدك ، وأشكرك ربي على عظيم نعمك ، وأصلى واسلم على إمام الصابرين ، وسيد العابدين ، وإمام المرسلين ، الذي علم الصحابة معنى الصبر وبشرهم على جزاء صبرهم بعظيم الأجر ، ربا الصحابة على علو الهمة ، صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة .
فما أكثر المهمومين ، وما أكثر المبتلين ، لذلك جئتك أخي القاري الكريم بالأدوية الحسان التي بها بمشئية الله تعالى تتغلب على الهموم والأحزان ، من كتاب ربي رب العالمين ، ومن سنة سيدي سيد المرسلين محمد بن عبد الله الصادق الأمين ، ففي كتاب الله الشفاء ، وفى سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أعظم الدواء ، سائلاً المولى – عز وجل – أن ينفع بهذه المقالات كل حزين ، وأن تكون سبباً لكشف الهم ، والرضا بقضاء أحكم الحاكمين .
الدواء الأول : الإيمان بالله والعمل االصالح
قال تعالى في كتابه الكريم (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (النحل :97) .
من أمن بالله وعرف حقيقة دنياه ، وسلم لربه فيما قدره وقضاه ، فإنه يصبر على الضراء ويشكر على السراء ويطيع ربه في حالتي الشدة والرخاء ، ويذكره في جميع الآناء ، لعلمه أن الله تعالى مع عبده ما ذكره وأنه عند ظنه به ، وأنه يبتلي العبد بالخير وضده ، ليختبر صبره ، ويستخلص إيمانه ، ويظهر توكله على ربه وحسن ظنه ، وليجزي مثوبته ويُعلى درجته ويظهر للناس في الدنيا والآخرة أن هذا العبد أهل لكرامته ، وصالح لمجاورته في جنته ، فكم من محنة في طياتها منح ورحمات ، وكم من مكروه يحل بالعبد ينال به رفيع الدرجات وجليل الكرامات ، وصدق من قال في كتابه الكريم (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ) (الأنعام (83) .
فالإيمان بالله عز وجل يجعل علقم الصبر حلو المذاق ، وشدة البلاء لين ورخاء ، فهذا عروة بن الزبير رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة مثوانا ومثواه يقول عنه أهل السير : إن عرووة بن الزبير أُصيب بمرض عُضال في رجله فأراد الأطباء قطع رجله من الفخذ حيث لا يوجد بنج ولا وسائل حديثة للقطع ، ولكن بمنشار ينشر الساق كما تنشر الشجرة ، فقالوا لعروة بن الزبير عندما أرادوا أن يقطعوا ساقه : ” نسقيك خمراً ، لأنه لا يُسكن عقلك إلا الخمر ؟ ” .
قال : ” سبحان الله ، أفقد عقلي بعد رزقني الله عقلاً ! كلا وألف كلا ، ولكن إذا دخلت في الصلاة فاقطعوا رجلي ، فإني لن أشعر إن شاء الله “.
فتوضأ ودخل في الصلاة وناجى الله ، فبدءوا في قطع رجله ، ففقد وعيه ، ومكث ساعات على وجهه مغمى عليه ثم أفاق بعد ذلك ، فجاءه رجل بعدما أفاق وقال له : أحسن الله عزاءك في ابنك ، رفسته دابة للوليد ابن عبد الملك فمات .
فقال كلمات تكتب بماء الذهب على صفحات من لولوء قال : ” اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقد أعطيت ، وإن كنت ابتليت فطالما عافبت ، أعطيتني أربعة أبناء وأخذت أبناً واحداً ، وأعطيتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً فلك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضا ، ثم قال :
لعمرك ما مدت كفي لريبة ** ولا حملتـني نحو فاحشة رجلي
ولا دلني فكري ولا نظري لها **ولا قادني سمعي عليها ولا عقلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة من الله** إلا وقد أصابت فتى قبلي
فهذا هو حال المومنين ، صابرين دائماً لربهم شاكرين ، فإذا صح الإيمان ووقر في القلب فاض على الحياة ، فإذا مشى المؤمن على الأرض مشى سوياً ، وإذا سار سار تقياً ، ريحانه طيبة الشذى وشامة ساطعة الضياء .
وأما حال ضعفاء الإيمان بعد نزول البلاء فهم في أسوأ حال ، ضيق في الصدر ، وضعف في الصبر .
يقول بن الجوزي في أحد الحمقى : كان لهذا الأحمق حمار ، مرض الحمار فنذر الرجل لله عز وجل إن شُفي حماره أن يصوم سبعة أيام ، فشفى الله عز وجل الحمار ، والشافي هو الله سبحانه وتعالى ، فلما شفى الله الحمار صام الرجل سبعة أيام ، فلما أنتهى من الصيام مات الحمار !
فقال : والله لأحتسبنها من رمضان !!
فهذا حال ضعفاء الإيمان لا يصبرون على الضراء ، ولا يشكرون في السراء .
أما المؤمنون فهم دائماً في خيروعلى خير كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحدث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ” عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خير له وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له “
فمن ذاق حلاوة الإيمان طاب عيشه وعرف طريقه ، ومن عرف طريقه سار على بصيرة ، ومن سار على بصيرة نال الرضا وبلغ المنى.
وصدق من قال :
لعمرك ما الرزية فقد مالٍ ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد دين يموت بموته بشر كثير