إعداد : الأستاذة سيدة حسن
ما خفق قلب محب ولا حن إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا وكان عليه أن يحب ذريته الطاهرة فهم القبس النورانى الذى إمتد من حضرته ليكون نبراسا مضيئا للمؤمنين فهم المصابيح التى تنير الدرب للسائرين إلى الله وهم الحصن الحصين لمن أراد ملجأ ، وهم الركن الشديد لمن أراد سنداً وعونا ، وهم الباب الذى يولج من خلاله إلى الولاية والعرفان.
معشر القارئين إن أهل بيت النبوة قد حاذوا شرفا وقدرا عليا لا يضاهيه شرف فلكل واحد منهم قصة يؤخذ منها منهاج لو طبقنا ذرة منه لكفينا ولشفينا ، وفى هذا المقال سنتحدث عن الجوهرة المكنونة والدرة المصونة عقيلة بنو هاشم السيدة زينب بنت الإمام على وفاطمة الزهراء وأخت الحسنين الشريفين الحسن والحسين أحفاد سيد الكونين والثقلين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
ولادتها ونشأتها :
السيدة العظيمة ، هي ثالث ريحانة للمصطفى تفوح في بيت علي وأول حفيدة للنبي أنجبتها السيدة الزهراء أشرقت أنوارها لتضيئ بيت النبوة في السنة الخامسة من الهجرة .
وقد حاذت هذه الوليدة الطاهرة المطهرة بفضل لا يضاهيها فيه أحد فإن من سماها هو رب العزة سبحانه وتعالى: فقد روى فى الحديث الشريف عن أنس بن مالك رضي الله عنه لما ولدت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام المولودة الطاهرة جاءت القابلة بها الى أبيها سيدنا الإمام على بن أبى طالب وقالت له سمِّ هذه المولودة فقال لها ما كنت أسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر، ولما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم احضروا له المولودة المباركة عليها السلام فسأل عن اسمها فقال الامام على ما كنت لأسبقك يارسول الله صلى الله عليه وسلم فسمها انت يارسول الله »صلى الله عليه وسلم« فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت أسبق ربى جل وعلا، فهبط أمين الوحى سيدنا جبرائىل عليه السلام، وقال يارسول الله، السلام يقرئك السلام ويقول لك ” سم هذه المولودة زينب “
وإسم “زينب” هو اسم عربي أصيل ويعني “الشجرة الطيبة” أو “الرائحة العطرة .
وقد لقبت سيدتنا زينب أيضا بلقب الطاهرة، الذي أطلق عليها يوم خطبها زوجها من أبيها فاستحى أن يذكر اسمها أمامه فقال جئتك خاطبا الطاهرة.
كما لقبت بأم اليتامى والعواجز ويرجع ذلك إلى أيام إقامتها بالمدينة حيث توافد عليها الآلاف من الناس فطلبت أن تعطى الأولوية لليتامى والعواجز وكانت تستقبلهم وتؤويهم وتساعدهم.
نشأت في أحضان النبوة وترعرعت في حجر الإمامة ونهلت من معين الوحي وتغذّت من علوم وآداب أصحاب الكساء وقد إحتلت مكانة عليا لدى جدها الحبيب المصطفى وكذلك أبيها الإمام على فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب أحفاده وذريته الطاهرة ودائماً كان يداعبهم
فتراه مرة دخل الرسول صلى الله عليه وسلمبيت السيدة فاطمة الزهراء وزوجها على بن أبى طالب فقال الامام الحسن احملنى ياجدى فرفعه على كتفه الأيمن فقال الامام الحسين وانا ياجدى فحمله على كتفه الايسر، فجاءت السيدة زينب وكان عمرها يربو على الثلاث سنوات فشدت ثوب المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلم ما تريد فقام برفع عمامته الشريفة من على رأسه وحمل السيدة زينب ووضعها على رأسه الشريف فاستحقت ان كون تاجاً على رأس سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروى عنهاان سيدتنا زينب عليها السلام سألت أباها سيدنا الامام على بن أبى طالب قائلة اتحبنا يا أبتاه فأجاب قائلاً وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادى فقالت عليها السلام: يا أبتاه ان الحب لله تعالى والشفقة لنا
وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة قبر جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معها أبوها الإمام أمير المؤمنين وأخواها الحسنان، الحسن (عليه السلام) عن يمينها والحسين (عليه السلام) عن شمالها، ويبادر الإمام أمير المؤمنين إلى إخماد ضوء القناديل التي على المرقد المعظّم، فسأله الإمام الحسن عن ذلك، فقال له: «أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك الحوراء».
ارتقت شخصية السيدة العظيمة زينب على الأقوال وفاقت عن إدراك العقول بصبرها وشجاعتها وصلابتها فهي حفيدة سيد الخلق وابنة علي سيد البلغاء وابنة سيدة النساء وورثت منها صفات المجد والعظمة وقد قال لها الإمام زين العابدين عليه السلام: (ياعمة، أنت بحمد الله عالمةٌ غيرُ معلّمة، فهمةٌ غير مفهَّمة)
الزواج والأبناء :
تزوجت السيدة زينب من ابن عمها عبد الله بن جعفر الطيار، وهو من أعلام بني هاشم. رُزقت منه بأبناء وبنات، ومن أشهر أبنائها:
علي بن عبد الله بن جعفر ، عون ، محمد ،عباس ، أ م كلثوم
كانت السيدة زينب تعيش في كنف زوجها عبد الله بن جعفر في المدينة، وهو رجل موسر غني، وباذل كريم لكن حياة الراحة والرفاهيه والخدم والمال والثروة، لم تتمكن من قلب السيدة زينب، فتخلّت عن كلّ تلك الأجواء المريحة، واختارت السفر مع أخيها الحسين، حيث المصاعب والمشاق، والآلام المتوقعة، لم يكن قلب زينب متعلقاً بشيء من متاع الدنيا، بل كانت نفسها منشدّة إلى آفاق السّموّ والرفعة.
ورُوي عن الإمام زين العابدين أنّه قال عنها: (أنّها ما ادّخرت شيئاً من يومها لغدها أبداً.. )
عبادتها :
كانت تقضي عامّة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن، فكانت السيدة زينب من عابدات نساء المسلمين ولقبت بعابدة آل محمد فلم تترك نافلة من النوافل الیومیة إلّا أتت بهاحتي إنها صلّت النوافل في أقسى ليلة وأمرّها، وهي ليلة الحادي عشر من محرم. وقالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام وأمّا عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها، تستغيث إلى ربها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنة
ولا تأخذك الدهشة إذا قلت إنّ صلاة السيدة زينب في هذه الليله كانت شكراً لله على ما أنعم، وأنّها كانت تنظر إلى تلك الأحداث على أنّها نعمة خصّ الله بها أهل بيت النبوة، من دون الناس أجمعين، وأنّه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله وعند الناس
حادثة عاشوراء:
شهدت يوم عاشوراء، وعاشته بكل تفاصيله الدامية، والذي فقدت فيه أخوتها وولديها وبني عمومتها وأهل بيتها، فلم تزعزعها كل هذه النكبات، ووقفت بكل قوة وهي تجمع حولها النساء والأطفال وهم يبكون ويتصارخون وقد أصبحوا الآن ثكالى وأرامل ويتامى اما هي : فقد كان وجهها يفيض بالطمأنينة واليقين رغم الحزن الشديد وكأنها لم تر كل هذه الفواجع !!
وكان لها الدور البارز في نجاة الإمام علي زين العابدين وتخليصه من الموت المحدق به في أكثر من مرة
كما وقفت بتلك الشجاعة والصلابة أمام الطاغية ابن زياد ولم تمنعها شدة الحزن من التصدّي له والوقوف بوجهه، فعندما يسألها ابن زياد:
كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟؟
تجيبه بكل شجاعة ما رأيت إلا جميلاً .
فكد كيدك. واسع سعيك وناصب جُهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تُميت وحينا ولا
فالحمد لله رب العالمين. الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة، ولآخرنا بالشهادة والرحمة كما أن هنالك مواقف كثيرة ودروس من الصعب حصرها في هذه المقالة ولعل أبرزها أن دور المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل في كثير من المواقف في تحمل الصبر والحفاظ على الحجاب في أحلك الظروف وعدم الضعف والمحافظة على الصلاة الواجبة والمستحبة في أصعب الأوقات وشكر الله والثناء له عند الشدائد وأن عفة المرأة لا تعني الانكفاء والانطواء والأحجام عن تحمل المسؤولية
قدومها إلى مصر :
وصلت السيدة زينب بنت علي إلي مصر في شعبان عام 61 هجرية ، و خرج لاستقبالها جموع المسلمين و علي رأسهم والي مصر الأموي مسلمة بن مخلد الأنصاري فقد أحب المصريين أهل البيت حبا صادقا وتعلقوا بهم تعلقا كبيرا بغير إفراط أو مغالاة وقد أقامت السيدة زينب في بيت الوالي حتي وافتها المنية بعد عام واحد من قدومها إلي مصر يوم 14 رجب 62 هجرية ، و دفنت في بيت الوالي، الذي تحول إلي ضريح لها بعد ذلك
دعائها لأهل مصر:
لما رأت السيدة زينب هذا الاستقبال الهائل والحفاوة من جموع المصريين دعت لأهل مصر قائلة: «يا أهل مصر: نصرتمونا نصركم الله وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، جعل الله لكم من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا» ولا تزال هذه الدعوة هى التى بفضلها يحفظ الله مصر ويخرجها من الشدائد والفتن ويؤلف بين أهلها .
إقامة إحتفال بمولدها كل عام:
يحتفل السادة الصوفية في كل عام بمولد السيدة زينب وتعم البهجة فى جميع أرجاء المحروسة حيث يتجمع الأحباب فى محيط ساحتها للإحتفال وإقامة الندوات وحلقات الذكر وإطعام الطعام والذهاب إلى ضريحها الشريف لقراءة الفاتحة والتهنئة لحضرتها فهى الأم الحنونة لكل العائذين ببابها .