بقلم الدكتور : الفاتح محمد
هناك فترة تاريخية طويلة بين وفاة ابن تيمية ثم تلميذه المباشر ابن القيم فى القرن الثامن الهجرى وبين قيام الدعوة الوهابية فى نجد فى القرن الثانى عشر الهجرى.. أربعة قرون كاملة.
هنا تظهر مشكلة مزمنة لدى التيارات السلفية جميعا مع التراث بشكل عام لفقر التراث السلفى من العلماء الذين يمثلون السلفية النموذجية؛ لذلك تجد السلفيين يكادون يقدسون شخص ابن تيمية ويجعلونه المتحدث الرسمى باسم السلف والإسلام ويجعلون أقواله ميزانا يحكمون به على سابقيه ولاحقيه؛ فبقدر ما يقترب العالم من ابن تيمية فإنه يقترب من السلف والدين الصحيح!! وبقدر ما يخالف ابن تيمية فهو يكون منغمسا فى البدعة ثم الشرك!!
السلفية النموذجية التى يدعون إليها من الممكن أن تلخص فى مبادئ عامة؛ أولها : الموقف من مسائل القبور والأموات وما عدوه من نواقض التوحيد.
ثانيها : الموقف من الصفات الإلهية؛ لذلك هم يعدون الوقوع فى التأويل بدعة وضلالة وربما كفرا، وكذلك تفويض معانى الصفات هم يعدونه شرًّا من التأويل بل يقولون فيه إن التفويض شر مقالات أهل البدع.
ثالث المبادئ : النهج الفقهى الرافض للتمذهب بدعوى الأخذ من الأدلة مباشرةً أو الاحتكام لأقوال السلف والترجيح المطلق!! ثم فى الاختيارات الفقهية من موقفهم من البدعة مثلا؛ إذ يتوسعون فى هذا الباب كثيرًا.
المشكلة أن هذه المبادئ لا تكاد تجتمع فى عالم واحد؛ فمن يوافقونه فى باب الأسماء والصفات يخالفهم فى مسائل القبور؛ فهو مرتكب للشرك من هذه الجهة!
ومن يوافقونه فى باب البدع -كالشاطبى- يخالفهم فى باب الأسماء والصفات لأنه أشعرى!
ومن يقتربون منه فى باب التفقه كابن حزم فهو يخالفهم جدًّا فى باب الصفات؛ فهو عندهم معطل!
إذن لا يكاد يخلو عالم -فى نظرهم- من الوقوع فى الضلال أو الشرك. نرجع بقى للفترة الزمنية بين ابن تيمية وابن عبد الوهاب، نحن نقول لهم: سمُّوا لنا علماءكم فى تلك الفترة!
أبرزوا لنا فقط المجددين الذين جاءوا على رؤوس القرون الأربعة من الذين لم يتلبسوا بالبدع والشركيات… وأنتم تعرفون حديث النبى صلى الله عليه وسلم: “إن الله يبعث على لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمرَ دينها”.
نسألهم لا من باب التحدى والاستعلاء -بل من باب الدعوة لإعمال عقولهم وترك السير وراء ما تم تسويقه بفعل الإعلام والمال- أبرزوا لنا علماءكم الذين نقلوا هذا العلم وحملوا هذا الدين خلال تلك الفترة، ولم يكونوا مبتدعة ولا مشركين.
والمشكلة ذاتها تواجه هؤلاء فى القرون السابقة لابن تيمية؛ فلا تكاد تجد عالما واحدا مستقيما على طريقتهم هذه التى انتهجوها ونسبوها إلى السلف؛ فترى عامة العلماء كانوا متمذهبين بأحد المذاهب الأربعة، وكثير منهم قال أو فعل أو نقل بدون تحفظ مسائل يعدها شيوخكم من الشركيات كالتبرك بالقبور والاستغاثة.. أو كان صوفيًّا، أو كان أشعريًّا أو ماتريديًّا أو مفوضًا…إلخ، أو تلبس بكل هذه الأمور جميعا!
أين السلفيون؟
أو قل أين سلفكم؟
أين المجددون الذين كانوا على نهج السلف؟!
سألت هذه الأسئلة لبعض التكفيريين منهم ففوجئت بإجابات عجيبة؛ فأحدهم يسمى لى علماء أشاعرة، أو يسمى علماء يظنهم سلفية لمجرد أنه قد كان لهم موقف عدائى من التأويل! وإن كان هذا العالِم مفوضًا.
هل الأمة ظلت قرونا طويلة فى جهل تام، وعلماؤها كانوا يقعون فى البدعة والشرك تقليدا للبيئة المحيطة؟ حتى جاء ابن تيمية فى القرن الثامن فأيقظ الأمة، ثم ظلت الأمة فى رقاد عميق مرة ثانية لمدة أربعمائة سنة حتى جاءت الدعوة الوهابية فأيقظتها فى القرن الثانى عشر، ثم دخلت الأمة فى رقدة ثالثة مع هزيمة الوهابية حتى ظهرت الصحوة السلفية فى القرن الأخير!!
هل كل هؤلاء العلماء والعوام والمدارس العلمية تواطأت وتواترت على الشرك والبدع والجهل، وفيهم رؤوس العلماء والأعلام الذين ضلوا جميعا ولم يعرفوا التوحيد الذى عرفه بعض المعاصرين فى زمن كلنا نشهد فيه ضعف الأمة فى العلم وفى القوة؟!
تفكر أخى الكريم وتأمل، واسأل نفسك: هل هذا حال خير أمة أخرجت للناس؛ أكثرهم لم يفطنوا إلى التوحيد والسنة؟؟!