قصص عن مكارم الأخلاق أخلاق الرجل وأخلاق خدمه قال عبد الله بن طاهر : كنا عند الخليفة المأمون يوما ، فنادى بالخادم يا غلام ، فلم يجبه أحد ، ثم نادى ثانيا ، وصاح يا غلام ، فدخل غلام تركي وهو يقول : ما ينبغي للغلام أن يأكل ولا يشرب..كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام إلى كم يا غلام …
فنكس المأمون رأسه طويلا ، فما شككت أنه سيأمرني بضرب عنقه ، ثم نظر إلي فقال : يا عبد الله إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه ، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه ، وإنا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لنحسن أخلاق خدمنا . أحمد بن أبي داود والمعتصم
مرض أحمد بن أبي داود ، فعاده المعتصم ، وقال : نذرت إن عافاك الله تعالى أن أتصدق بعشرة آلاف دينار ، فقال أحمد : يا أمير المؤمنين ، فاجعلها في أهل الحرمين ، فقد لقوا من غلاء الأسعار شدة ، فقال : نويت أن أتصدق بها على من هاهنا ، وأطلق لأهل الحرمين مثلها .
فقال أحمد : متع الله الإسلام وأهله بك يا أمير المؤمنين ، فإنك كما قال النميري لأبيك الرشيد رحمة الله تعالى عليه : إن المكارم والمعروف أودية * أحلّك الله منها حيث تجتمع من لم يكن بأمين الله معتصما * فليس بالصلوات الخمس ينتفع
من خدعنا في الله انخدعنا له كان بن عمر – رضي الله عنه – إذارأى أحدا من عبيده يحسن صلاته يعتقه ، فعرفوا ذلك من خُلقه ، فكانوا يحسنون الصلاة مراءاة له ، فكان يعتقهم ، فقيل له : إنهم يخدعونك ! . فقال : من خدعنا في الله انخدعنا له .
أكرم الناس خدما دخل الرشيد يوما على الكسائي وهو لا يراه ، وكان الكسائي معلما لولديه الأمين والمأمون ، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجة يريدها ، فنهض الأميران بعجلة ووضعا النعل بين رجلي الكسائي . بعد وقت جلس الرشيد مجلسه وقال : – يا كسائي أي الناس أكرم خدما ؟ – قال الكسائي : أمير المؤمنين أعزه الله . – قال الرشيد – بحسن نية وتوقير – : بل الكسائي ؛ يخدمه الأمين والمأمون . وحدثهم بما رأى . العفو الكريم
حكي عن جعفر الصادق عليه السلام أن غلاما له وقف يصب الماء بين يديه ، فوقع إلابريق من يد الغلام في الطست ، فطار الرشاش في وجهه . فنظر جعفر عليه السلام إليه نظرة مغضب ، فقال : – يا مولاي والكاظمين الغيظ . – قال : قد كظمت غيظي . قال : والعافين عن الناس . قال : قد عفوت عنك قال : والله يحب المحسنين . قال : اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى . نحن لا نحب الانتصار لأنفسنا قيل : إن الأحنف بن قيس سبه رجل وهو يماشيه في الطريق . فلما قرب من المنزل وقف وقال له : يا هذا إن كان بقي معك شيء فقله ههنا ، فإني أخاف أن يسمعك فتيان الحي فيؤذوك ، ونحن لا نحب الانتصار لأنفسنا . قال الشاعر : وإذا بغى باغٍ عليك بجهله * فاقتلهُ بالمعروف لا بالمنكر ثمن الجوار
باع أبو الجهم العدوي داره ، وكان في جوار سعيد بن العاص ، بمائة ألفِ درهم . فلما أحضرها المشتري قال له : هذا ثمن الدار ، فأعطني ثمن الجوار ، قال : أي جوار ؟ قال : جوار سعيد بن العاص ، قال : وهل اشترى أحد جوارا قط ؟
قال : رد علي دراي ، وخذ مالك . لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني ، وإن رآني رحب بي ، وإن غبت عنه حفظني ، وإن شهدت عنده قربني ، وإن سألته قضى حاجتي ، وإن لم أسأله بدأني ، وإن نابتني نائبة فرج عني…
فبلغ ذلك سعيدا فبعث إليه مائة ألف درهم ، وقال : هذا ثمن دارك ، ودارك لك .
قصه——- روى البخاري ومسلم رضوان الله ورحمته عليهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل يقال له: ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربط الصحابة ثمامة بن أثال في سارية -أي: في عمود من أعمدة المسجد النبوي- فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجد ثمامة مربوطاً في سارية من سواري المسجد فعرفه -لأن ثمامة كان سيداً في قومه- فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ماذا عندك يا ثمامة ؟ قال: عندي خير يا محمد! إن تقتل تقل ذا دم! -يعني: إن قتلتني قتلت رجلاً له مكانته في قبيلته، ولن تفرط قبيلتي في دمي وفي الأخذ بثأري -إن تقتل تقتل ذا دم وإن تُنْعِم تنعم على شاكر- يعني: فإن أطلقتني سأعترف لك بهذا الجميل وسأشكره لك ما حييت- وإن كنت تريد مالاً فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثاني دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال له: ماذا عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فتركه صاحب الخلق الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي اليوم الثالث دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فأقبل على ثمامة فقال: ماذا عندك يا ثمامة قال: عندي ما قلت لك يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط من المال ما شئت، فقال المصطفى: أطلقوا ثمامة .. أطلقوا ثمامة لا نريد فدية ولا مالاً، بل ولا نلزمه بالإسلام، ولا نكرهه على الإيمان أطلقوا ثمامة فانطلق ثمامة . بعد أن فكوا قيده وانطلق إلى أقرب نخل إلى جوار المسجد النبوي فاغتسل، ثم عاد مرة أخرى إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله). أخي الحبيب! تدبر معي قول ثمامة : يا رسول الله! والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فأصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، والله ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينُك أحبَّ الدين كله إلي، والله ما كان على الأرض بلدٌ أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إلي! ثم قال: يا رسول! الله لقد أخذتني خيلك وأنا أريد العمرة، وقد كانوا يعتمرون ويحجون إلى البيت وهم على الكفر والشرك. كان أحدهم يلبي فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، فإذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلمات يقول: قط قط. يعني: قد اكتفيتم قفوا عند هذا القدر ولا تزيدوا، ثم يزيدون قائلين لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك! ولو تدبر أحدهم في الإضافة بتعقل لوجد أن هذا الإله المعبود من دون الله لا يملك لنفسه شيئاً. ولو تدبر أحدهم بتعقل لعلم أن هذه الآلهة لا تضر ولا تنفع، ورحم الله من رأى يوماً على صنمه بولاً فنظر حواليه فوجد ثعلباً يلعب بالقرب من معبوده، فعلم أن الذي فعل هذه الفعلة الشنعاء هو هذا الثعلب، فنظر إلى إلهه والنجاسة تنساح عليه، وتفكر وتدبر في الأمر وقال بعقل راجح راشد: رب يبول الثُعلبان أو الثَعلبان -واللغتان صحيحتان كما قال ابن منظور في لسان العرب- ربٌ يبول الثُعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب فلو كان رباً كان يمنع نفسه فلا خير في رب نأته المطالب برئت من الأصنام في الأرض كلها وآمنت بالله الذي هو غالب يقول ثمامة : (لقد أخذتني خيلك يا رسول الله! وأنا أريد العمرة فماذا ترى أن أصنع؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر). قال الحافظ ابن حجر : فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: بالجنة أو بخيري الدنيا والآخرة، أو بمحو سيئاته. يا له من فضل (وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمر، فأقبل ثمامة إلى مكة ملبياً، فكان ثمامة هو أول من جهر بالتلبية في مكة، فأخذته قريش وقالوا: من هذا الذي اجترأ علينا -أي: جهر بالتلبية بين أظهرنا- من هذا الذي يردد الكلمات التي يعلمها محمد -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه؟! فأخذوه وضربوه ضرباً شديداً حتى قال قائلهم: دعوه إنه فلان فأنتم تحتاجون الميرة من اليمامة فجلس ثمامة وهو يقول: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله) هذا لفظ مسلم والحديث في الصحيحين. وفي رواية ابن إسحاق بسند صحيح: (لما جهر ثمامة بالتلبية وأقبل عليه المشركون فضربوه، وقال أبو سفيان : ألا تعرفون الرجل؟ إنه ثمامة سيد أهل اليمامة، دعوه فأنتم تحتاجون إلى الحنطة -أي: القمح- والميرة من اليمامة، فلما جلس ثمامة قال: والله لا تصل إليكم بعد اليوم حبة حنطة إلا أن يأذن فيها رسول الله). أقول: من أول لحظة دخل فيها ثمامة الإسلام جعل ووضع كل طاقاته ووجاهته ومكانته وقدراته وإمكانياته في خدمة الدين، عرف الإسلام فوضع كل ما يملك من قدرات وطاقات في خدمة دينه الذي اعتنقه، وأنار الله قلبه به، وبالفعل أدى العمرة.
قصة أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أعرابياً قام في طائفة المسجد النبوي – يعني: في جانب من جوانب المسجد النبوي- يتبول في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه! فقام الصحابة وقالوا: مه مه! ماذا تصنع أيها الأعرابي الجلف؟! لم تجد مكاناً لتتبول فيه إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب الخلق يقول: لا تزرموه) (لا تزرموه) يعني: لا تقطعوا عليه بوله، وأكمل الأعرابي تبوله تماماً بطمأنينة كاملة وكأنه في خلاء بيت: (ثم نادى عليه رسول الله وقال له: إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا، وإنما جُعلت للصلاة ولذكر الله ولقراءة القرآن، يا فلان! ائتني بدلو من الماء، فأفاضوا عليه دلواً من الماء فطهر المكان) قصه رفقه في تعليم المخطئين صلى الله عليه وسلم
وروى مسلم في صحيحه من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (دخلت الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله. يقول معاوية : فرماني القوم بأبصارهم، -يعني: نظروا إليه- فقلت: وا ثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! يقول: فضربوا بأيديهم على أفخاذهم يصمتونني فسكت، فلما قضى النبي صلاته بأبي هو وأمي والله لم أر معلماً قبله ولا بعده أحسن منه، والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني إنما قال لي: إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتهليل وقراءة القرآن). وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].