مسألة التبرك وتكفير المسلمين عند أصحاب الفكر السلفى

بقلم : د . أحمد نبوى
أستاذ الحديث المساعد بجامعة الأزهر

المقال الخامس من سلسلة : نقض الفكر السلفى

التبرك بالصالحين:

ومن نماذج هذا الأصل(إدخال الفروع في الأصول) الذي انبنى عليه بروز فكر التكفير؛ مسألة (التبرك بالصالحين وآثارهم أحياء وأمواتا) وهي مسألةً فقهية فرعية ومشروعة باتفاق جماهير العلماء سلفا وخلفا، إلا أن هذا لم يعجب تيارات السلفية المعاصرة فحرموه وبدعوا فاعله وحكموا عليه بالشرك حتى قال صالح بن فوزان: “من البدع المحدثة التبرك بالمخلوقين، وهو لون من ألوان الوثنية… فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص -أحياءً وأمواتًا- لا يجوز؛ لأنه إما شرك، إن اعتقد أنَّ ذلك الشيء يمنحُ البركة، أو وسيلة إلى الشرك إن اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله”. عقيدة التوحيد” ص234

نقض هذا لأصل:
لنقض هذا الوهم وليس الأصل سأورد عددا (قليلا جدا) من نصوص كبار الحفاظ والمحدثين في مشروعية التبرك بالصالحين:

1– إمام المذهب، وعالم قريش، وناصر السنة، الإمام الشافعي قال: «إني لأتبرك بأبي حنيفة، وإذا عَرَضَت لي حاجةٌ صليت ركعتين وجئت إلى قبره، وسألتُ الله تعالى الحاجة عنده فما تبعُد عني حتى تُقضى». تاريخ بغداد ( 1 / 123 ) .

2- الإمام ابن عبد البر، حافظ المغرب في زمانه، قال:«وفي هذا الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم». التمهيد (13/ 67).

وقال عن قبر سيدنا أبي أيوب الأنصاري الموجود عند سور القسطنطينية: «وقبر أبي أيوب قرب سورها معلوم إلى اليوم مُعظَّم يستسقون به فيسقون» الاستيعاب (2/ 426).

3- الإمام الحافظ المؤرخ الأديب، الأمير أبو نصر ابن ماكولا، قال عن قبر «أبي علي بن بيَّان الزاهد»: «قبره يتبرك به، قد زرته» الإكمال (1/267).

4- الإمام الحافظ القاضي عياض المالكي، عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته، قال: «فيه التبرك بالفضلاء، ومشاهد الأنبياء وأهل الخير ومواطنهم، ومواضع صلاتهم» إكمال المعلم (2/ 631).

5- الإمام شيخ الإسلام، محيي الدين النووي قال في شرحه لصحيح مسلم: «وفيه التبرك بالصالحين وآثارهم، والصلاة في المواضع التي صلَّوا بها، وطلب التبريك منهم»(5/ 161).
وقال أيضا: «وفي هذا الحديث دليل على استحباب التبرك بآثار الصالحين وثيابهم» (14/ 44)

6- الإمام الحافظ الحجة المؤرخ شمس الدين الذهبي، قال في ترجمة السيدة نفيسة بنت الحسن: «كانت من الصالحات العوابد، والدعاء مستجاب عند قبرها، بل وعند قبور الأنبياء والصالحين…». (10/ 107)
وقال: «وعن إبراهيم الحربي، قال: قبر معروف أي الكَرْخي التِّرياق المجرَّب، يريد إجابة دعاء المضطر عنده؛ لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء». (9/ 343)

7- الإمام الحافظ الفقيه، سراج الدين ابن الملقن ، قال في شرحه لصحيح البخاري، المسمى بالتوضيح: «وفيه: أنه ينبغي التبرك بثياب الصالحين، ويتوسل بها إلى الله تعالى في الحياة والممات» (27/ 641).

وقال: «ولم يزل الناس يتبركون بمواضع الصالحين وأهل الفضل» (6/ 23).

8- الإمام الحافظ، ابن حجر العسقلاني، قاضي القضاة، وشيخ الإسلام، وأمير المؤمنين في الحديث، نص على جواز التبرك بالصالحين في مواضع كثيرة من كتابه فتح الباري – الذي هو أعظم شروح كتب السنة على الإطلاق – منها:
قوله: «حديث عتبان مالك… فهو حجة في التبرك بآثار الصالحين» (1/ 569).
قوله: «وفيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور؛ طمعا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم، وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير». (3/304)
وقوله: «وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء» (6/600).

9– الإمام المحدث الحجة، شهاب الدين القسطلاني، صاحب الشرح الفريد الماتع لصحيح البخاري المسمى: إرشاد الساري قال: «أما مَن اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه، لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه، فلا يدخل في الوعيد المذكور». (1/ 430).

10- الحافظ الكبير ابن حِبان البُستي (ت354) عَنْوَن في صحيحه بقوله (2/ 317): «ذكر ما يستحب للمرء التبرك بالصالحين وأشباههم».

وقال في كتابه «الثقات» (8/457): «وَما حلّت بِي شدَّة فِي وَقت مقَامي بطوس، فزرت قبر عَلي بن موسَى الرِّضا صلوَات الله على جده وَعَلِيه، ودعوت الله إِزالَتها عَني، إلا استجيب لي وزالت عَنى تِلك الشدَّةُ، وَهَذَا شَيء جربته مرَارًا فَوَجَدته كَذَلِك، أماتنا الله على محبَّة المصطفى وَأهل بَيته صلى الله وسلم عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِين».

فهل كان كبار علماء الإسلام يفعلون أفعالًا شركية؟؟!!!

#نقض_أصول_الفكر_السلفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *