نظرات حول التصوف
7 يناير، 2025
منهج الصوفية

بقلم الشيخ : السيد شعبان متولى
الداعية بالأوقاف
لكل شيء من مكونات الإنسان الخمسة غذاًء معيننًا يتغذى به، فالجسم غذائه الطعام والشراب، والعقل غذائه التفكير والمنطق، والقلب غذائه لينُ المشرب والصفاء والنقاء، والنفس غذائها الترويض والقيادة في طريق الله، أما الروح وهي أشرف ما في الإنسان فبدونها عدمًا بغير وجود، تستمد غذائها من مصدر عُلوي إلهي حكيم لا تستمد من غيره، فلابد أن تكون موصولة ومتصلة بالله سبحانه وتعالي، وهذا الاتصال لا يأتي إلا من طريق العبادة والطاعة، فربما يظن ظان أو يعتقد معتقد أن العبادة تكون طقوس مبهمة يؤديها الإنسان كواجب يومي أو كعادة تعود عليها، ولكن العبادة المنظور إليها بتلك النظرة العقيمة لا تجني ثمارًا ولا تحقق أملًا ولا مقصدًا، وتظل الروح حبيسة في تلك الجسد فتحجب عنها أنوار الله.
فجاء التصوف كغذاء روحي هدفه أن يحرر الروح ويخرجها من عالم الشهادة إلي عالم الغيب لترتقي وتسموا ويتجلى الله تعالي عليها بأنواره وأسراره الكامنة في ذلك الكون ، فيدور مضمون ذلك العلم حول التزكية والسلوك في طريق الله وعبادة الله تعالي علي بصيرة ونور وعلم، وعرّفه الإمام الرائد محمد زكى إبراهيم بأنه: “التخلي عن كل خُلق دنيء، والتحلي بكل خُلق سُنِّى”
وقال الشيخ أحمد زرُّوق: ” للتصوف نحو ألفى تعريف، مرجعها كلها لصدق التوجه إلى الله، وإنما هي وجوه فيه “
فالوجوه في التصوف تختلف باختلاف الطُرق والمشارب لكن مردها في النهاية إلي أصل وأساس واحد وهو الوصول إلى الله تعالي، أصل التصوف مقام الإحسان الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بأن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ” ، لأنّ معاني صدق التوجه لهذا الأصل راجعة وعليه دائرة، إذ لفظه دال على طلب المراقبة الملزومة به فكان الحض عليها حضا على عينه، كما دار الفقه على مقام الإسلام والأصول على مقام الإيمان.
والذي أسس الطريقة هو الوحي السماوي، وكان التصوف في القرون الأولي معروفًا ومعلومًا بكنهه وماهيته، حتي جاء الأكابر والعلماء فوضعوا وخصصوا له مصطلحات كباقي العلوم من أمثال الإمام ” الجنيد البغدادي ” سيد الطائفة، والإمام ” القشيري ” في كتابة ” الرسالة القشيرية.
فهؤلاء علماء الصوفية ملأوا الارض علمًا، أمثال: معروف الكرخي، والحسن البصري، ومالك، وذي النون المصري، وسهل التستري، وابو سليمان الداراني، وابو طالب المكي، والحكيم الترمذي، وابو عبد الله الدينوري، وابو حامد الغزالي، وعبد القادر الجيلاني، واحمد الرفاعي، والعز بن عبدالسلام، وابن عطاء الله السكندري، واحمد البدوي، والبوصيري، وتقي الدين السبكي، وتاج الدين السبكي، وزكريا الانصاري، ومحمد الجزولي، وغيرهم الكثير الكثير .
وقد تبني الأزهر الشريف تلك المشرب، وظل الأزهر الشريف هو محضن التصوف في العالم الإسلامي، ومثَّل التصوف ركناً أساسياً في توجهات وسلوكيات وانتماء الذين تولوا مشيخة الأزهر وأعلام الأزهر وهيئاته العلمية المختلفة، وقد استقر اختيار الأزهر على اعتماد المذاهب الأربعة في الفقه، والأشاعرة في العقيدة، والتصوف في السلوك.
وحافظ الأزهر على التراث الإسلامي الصوفي والاهتداء بقيمه وسلوكياته الرفيعة المستمدة من القرآن والسنة، أمثال الأئمة: الدمنهوري، والشرقاوي والجيزاوى وعبدالحليم محمود والظواهري والمطيعى ومخلوف ومصطفى عبدالرازق والمراغي وصادق العرجانى والغمارى والخضر حسين ومحمد الغزالي وصالح الجعفري والخطيب إلى عدد لا حصر له من الأحياء.
فربما رأينا من ينكرون علي أهل التصوف بفعل البعض من الأفعال المخالفة؛ فقد قال الإمام الأكبر “عبدالحليم محمود” إن بعض أدعياء الصوفية شوهوا صورة التصوف، وأدخلوا فيه ما ليس منه، مما يخالف أسس التصوف وقواعده، وتحولوا به عن هدفه الحقيقي، فغالوا في الحديث عن الكرامات، وجنحوا به إلى الشعوذة والمظاهر البعيدة عن روح الإسلام الصحيحة، ولذلك فمن يريد التصوف الحقيقي عليه أن يبحث عن التصوف في أهله.
والحاصل أن التصوف هو روح الإسلام، سواء يسمى التصوف أو التزكية أو تربية النفس، وأن التصوف هو الحصن الواقي من التطرف وجماعاته ويمثل ركناً من منهج الأزهر، والقضاء عليه دعوة صريحة لخدمة التطرف، إلا أن شطحات بعض المنتسبين للتصوف تمثل إساءة للتصوف كله، ولذلك نأمل منع كل ما من شأنه أن يكدر التصوف ويشوه صورته من (المتمصوفة).