سيدي علي البيومي رضى الله عنه

بقلم د : سيد مندور ( كاتب وداعيه إسلامى )

هو الإمام، الولي، الصالح، المعتقد المجذوب، العالم العامل، القطب الشريف، مولانا وسيدنا علي بن حجازي بن محمد البيومي الحسني الإدريسي الشاذلي الخلوتي الدمرداشي رضى الله عنه.

ولد رضى الله عنه سنة 1108 هـ ، وحفظَ القرآن، وطلب العلم من الأشياخ، وتلقَّى الطريقة الخلوتية والأحمدية والشاذلية، وحصل له جذب، ومالت إليه القلوب، وصار للناس فيه اعتقاد عظيم، وانجذبت إليه الأرواح، ومشى كثير من الخلق على طريقته، وصار له مريدون وأتباع.

وكان رضى الله عنه يسكن حى الحسينية، ويعقد حلق الذكر في مسجد الظاهر خارج الحسينية، وكان يقيم به راتبا أسبوعيا كل يوم ثلاثاء هو وجماعته .

وكان رضى الله عنه ذا واردات، وفيوضات، وأحوال غريبة، وألف كتبًا عديدة، منها شرح «الحكم العطائية»، و«الإنسان الكامل» للجيلي، وله شرح على «الجامع الصغير»، وشرح على «الصلاة النورانية»، وشرح على «الصيغة المطلسمة»، وشرح على «الأربعين النووية».

وكلامه عال في التصوف، وإذا تكلم أفصح في البيان، وأتى بما يبهر الأعيان، وكان رضى الله عنه يلبس قميصًا أبيض، وطاقية بيضاء، ويعتم عليها بشملةٍ حمراء، لا يزيد على ذلك شيئًا، لا شتاءأ ولا صيفًا.

وكان رضى الله عنه ، لا يخرج من بيته إلا مرة في كل أسبوع ، لزيارة المشهد الحسيني، وكان إذا خرج في ذلك اليوم، يركب بغلة، وأتباعه بين يديه وخلفه وأمامه، رافعين حوله الأعلام والبيارق ، ويذكرون الله تعالى بطريقة تلين لها القلوب، حتى إذا وصل إلى المشهد الحسيني كثر انضمام الناس إليه ، وتزاحمهم عليه ، ثم يدخل هو وجماعته في هذا الموكب الحافل، ويعقد حلق الذكر من الصباح إلى ضحوة النهار الكبرى في صحن المسجد، وكان لهذا اليوم الذي يخرج فيه دويٌّ، وكانت الناس تنتظره بفارغ الصبر.

وكان رضى الله عنه في أثناء ذهابه وإيابه، تلحقه الناس من العوام، والعصاة، والمحجوبين فيتوبوا على يديه، ويوصلهم من ساعتهم بحبل الله المتين وسلوك الصراط المستقيم .

وقامت عليه العلماء، وأنكروا على ما يحصل من التلوث في جامع الامام الحسين رضى الله عنه من أقدام جماعته؛ إذ كانوا يأتون حفاة، ويرفعون أصواتهم بشدة، وقدَّموا شكواهم إلى الباشا، وإلى أرباب الدولة، فأنبرى من بينهم الشيخ عبد الله الشبراوي رضى الله عنه ، وكان شديد الحب للمجاذيب، وتكلم مع الباشا، والأمراء، وقال لهم: إنَّ هذا الرجل من العلماء ومن الأولياء، فلا ينبغي التعرض له. فعملوا له مجلس من كبار العلماء بالأزهر، وأحضروه فيه للسؤال، فأخذ سيدي عليٌّ البيومى يقرأ لهم في «الأربعين النووية» ويشرحها لهم، ويقرر من كلام سيد البشر، ويأتي بالدليل والبرهان، وجواز الذكر في المساجد ، ورفع الصوت به ، وغير ذلك حتى أبهر عقولهم، ولم يكن يعلم رضى الله عنه ما أضمروا عليه له، فأذعنوا له، وسكتوا، ورجعوا عما هم عليه، وأقروا بأنه من الأولياء الكاملين، وأقروه على ما هو عليه، ولما رأى الباشا ذلك اعتقده، وأجلَّه، وعظمه، وقبَّلَ يديه، وأمر ببناء مسجدٍ له، وضريح ومقصورة، فشرعوا في بنائه في موضع منزله الذي كان يسكنه .

وكان رضى الله عنه صاحب أنوار باهرة، وأسرار ظاهرة، وخصه الله بالقبول بين الخاص والعام، وصار إذا دخل خلوته تحضر عنده الأولياء، وكان يحضر بخلوته سيدي أحمد البدوي رضى الله عنه ، وهو الذي ألبسه الزي الأحمر مرة في بركة الحاج، ومرة عنده بالمقام.

ومن كراماته رضى الله عنه : أنه كان يتوب العصاة، وقطاع الطرق، ويصيروا من خواص أصحابه.

توفي رضى الله عنه ونفعنا به سنة 1183هـ ، وخرجوا بجنازته من داره، وصلُّوا عليه بالأزهر، ورجعوا به إلى المسجد، فدفنوه في مقامه الذي أُعدَّ له، وهو مقام تلوح عليه الأنوار.

وكان يوم وفاته يومًا لم يُر مثله قطُّ ، واجتمعت حول نعشه جميع الطرق الصوفية ورفعوا الاعلام والبيارق ، وأعلنوا بالذكر، وكان يومًا مشهودا .

رضي الله عنه وأرضاه…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *