قصة موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع الخضر (ج2 )
11 ديسمبر، 2024
بستان الصالحين

بقلم الشيخ / أحمد عزت
ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان.
وفي رواية: حتى إذا لقيا غلمانًا يلعبون، فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي فقتله، وفي رواية: فأخذ الخضر برأسه فأضجعه، فذبحه بالسكين، فاقتلعه بيده فقتله، وفي رواية: فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا، فأضجعه فذبحه بالسكين، فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، فقال موسى: “أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا”، قتلت نفسًا من غير أن تقتل بغير حق، قال: “قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا”.
قال: وهذه أشد من الأولى بزيادة لك، في الثانية
ولكن القول الآخر صحيح الذي هو أن القتل أشد من خرق السفينة، تنبه موسى لخطئه، “قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي”.
وحسن الإعتذار والأدب إذا أخلّ التلميذ بشيء فعليه أن يعتذر (وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا).
فكانت هذه من موسى عمدًا، ما كانت نسيانًا رأى منكرًا، واحد يأخذ طفل ما له ذنب، ويذبحه، ويقلع رأسه “قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا”، وصلت معي للآخر،
“فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا”.
وفي رواية: حتى إذا أتيا أهل قرية لئامًا فطافا في المجالس أو في المجلس فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما. كانوا لئام لا يعطون الضيف حقه، “فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ”، يعني: يكاد أن يسقط، يقول الراوي: “مائل” قال الخضر بيده هكذا، قال سعيد ابن جبير -الراوي- “بيده هكذا ورفع يده، فاستقام” جدار مائل، يريد أن ينقض، فرفع يده فاستقام، قال له موسى: قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا، لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . “قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ”، وكانت الثالثة شرطًا شرطه موسى، “إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي”.
فتحقق الشرط لأنه سأله لماذا لم تتخذ عليه أجرًا؟، فتحقق الشرط، فقال له الخضر: “هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا” ، قال رسول الله ﷺ: “رحمة الله علينا وعلى موسى لو لا أنه عجل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة” [رواه مسلم: ٢٣٨٠].
والذمامة بمعجمة في البداية هي الحياء والإشفاق من الذنب، وبالمبهمة هي قبح الخلق، يعني: قبح الخلقة، والذمامة وهي الإحياء والإشفاق من الذنب، يعني: موسى أخذته من صاحبه ذمامة يعني ما يستطيع أن يكمل معه أكثر من كذا، بلغ الحد، فيقول -ﷺ-: “يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى كان يقص علينا من أخبارهما”.
وقال رسول الله -ﷺ-: كانت الأولى من موسى نسيانًا، ولما ركبوا السفينة جاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر، وهذا المثال لتقريب الأذهان ليس للمعنى الحقيقي به.
يعني: ليس أن علم موسى والخضر بالنسبة لعلم الله كقطرة في البحر، هو أقل من قطرة في البحر لا شيء لكن لتقريب الأذهان، أو مثل ما أخذ هذا العصفور من البحر،
“أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا”، فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها، يعني: إذا شاهد العيب الذي فيها فيترك السفينة، فإذا جاوزها أصلحوها، فانتفعوا بها، وفي رواية: فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزوها، فأصلحوها بالخشبة،
وأما الغلام، فإنه طبع يوم طبع كافرًا، يعني: أساس الغلام لما طبع طبع كافرًا، لما ولد طبع الله عليه أنه كافر، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك -يعني: كبر- أرهقهما “طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا”. وفي رواية: كان أبواه مؤمنين، وكان كافرًا، “فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا”، يحملهما حبه على أن يطاوعاه على دينه، “وَأَقْرَبَ رُحْمًا”، يعني: أرحم بهما من الأول الذي قتله الخضر، وفي رواية: “أنهما أبدلا جارية يعني: كان العوض عن هذا الغلام المقتول جارية مباركة ولدت لهما، ذكر في بعض الآثار: أنه ولد منها أنبياء قادوا بني إسرائيل”
لماذا خلق الله الشر والفقر والمعاناة والحروب والأمراض؟ لماذا يموت الأطفال؟ كيف يعمل القدر؟
كان لقاء موسى عليه السلام مع العبد الصالح لقاءًا استثنائيًا؛ لأنه يجيب على أصعب هذا السؤال الذي يدور في النفس البشرية منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
البعض يذهب إلى أن العبد الصالح لم يكن إلا تجسيدًا للقدر المتكلم لعله يرشدنا.
أهم مواصفات القدر المتكلم أنه رحيم عليم أي أن الرحمة سبقت العلم.
فقال النبي البشر موسى: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾
يرد القدر المتكلم (الخضر): ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ فهم أقدار الله فوق امكانيات العقل البشري ولن تصبر على التناقضات التي تراها
يرد موسى بكل فضول البشر: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾
هنا تبدأ أهم رحلة توضح لنا كيف يعمل القدر؟
يركبا في قارب المساكين فيخرق الخضر القارب تخيل المعاناة الرهيبة التي حدثت للمساكين في القارب المثقوب … معاناة، ألم، رعب، خوف، تضرع .. جعل موسى البشري يقول: ﴿قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْرًا﴾
عتاب للقدر كما نفعل نحن تمامًا ..
أخلقتني بلا ذرية كي تشمت بي الناس؟
أفصلتني من عملي كي أصبح فقيرًا؟
أزحتني عن الحكم ليشمت بي الأراذل؟
يا رب لماذا كل هذه السنوات في السجن؟
يا رب أنستحق هذه المهانة؟ ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾
ألم أقل لك أنك أقل من أن تفهم الأقدار ثم يمضيا بعد تعهد جديد من موسى بالصبر.
ويواصل الدكتور الصلابي قائلًا: يمضي الرجلان، ويقوم الخضر الذي وصفه ربنا بالرحمة قبل العلم بقتل الغلام. ويمضي فيزداد غضب موسى عليه السلام النبي الذي يأتيه الوحي ويعاتب بلهجة أشد: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ تحول من إمرًا إلى نكرًا
والكلام صادر عن نبي أوحي إليه لكنه بشر مثلنا ويعيش نفس حيرتنا يؤكد له الخضر مرة أخرى: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾
ثم يمضيا بعد تعهد أخير من موسى كليم الله بأن يصمت ولا يسأل، فيذهبان إلى القرية فيبني الخضر الجدار ليحمي كنز اليتامى. وهنا ينفجر موسى فيجيبه من سخره ربه ليحكي لنا قبل موسى حكمة القدر﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾
هنا تتجلى الحكمة الإلهية والتي لن تفهم بعضها حتى يوم القيامة الشر نسبي، ومفهومنا كبشر عن الشر قاصر؛ لأننا لا نرى الصور الكاملة.
القدر أنواع ثلاث:
– شرًا تراه فتحسبه شرًا فيكشفه الله لك أنه كان خيرًا؛ فما بدا شرًا لأصحاب القارب اتضح أنه خير لهم وهذا هوالنوع الأول وهذا نراه كثيرًا في حياتنا اليومية وعندنا جميعًا عشرات الأمثلة عليه.
الثاني: ومثل قتل الغلام شرًا تراه فتحسبه شرًا لكنه في الحقيقة خير لكن لن يكشفه الله لك طوال حياتك فتعيش عمرك وأنت تحسبه شرًا. هل عرفت أم الغلام حقيقة ما حدث؟ هل أخبرها الخضر؟
الجواب: لا بالتأكيد قلبها انفطر وأمضت الليالي الطويلة حزنًا على هذا الغلام الذي ربته سنينا في حجرها ليأتي رجل غريب يقتله ويمضي وبالتأكيد هي لم تستطع أبدًا أن تعرف أن الطفل الثاني كان تعويضًا عن الأول وأن الأول كان سيكون سيئًا ﴿فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ فهنا نحن أمام شر مستطير حدث للأم، ولم تستطع تفسيره أبدًا ولن تفهم أم الغلام أبدًا حقيقة ما حدث إلى يوم القيامة.
نحن الذين نمر على المشهد مرور الكرام لأننا نعرف فقط لماذا فعل الخضر ذلك؟ أما هي فلم ولن تعرف
النوع الثالث من القدر: وهو الأهم هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري لطف الله الخفي.
الخير الذي يسوقه لك الله ولم تراه ولن تراه ولن تعلمه. هل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم؟ لا
هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه؟ لا
هل شاهدوا لطف الله الخفي.
الجواب: قطعا لا
هل فهم موسى السر من بناء الجدار؟ لا
فلنعد سويًا إلى كلمة الخضر (القدر المتكلم) الأولى: ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾
لن تستطيع أيها الإنسان أن تفهم أقدار الله. الصورة أكبر من عقلك.
ويختتم الدكتور الصلابي قائلًا: استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمهما .. ثق في ربك فإن قدرك كله خير. وقل في نفسك: أنا لا أفهم أقدار الله، لكنني متسق مع ذاتي ومتصالح مع حقيقة أنني لا أفهمها، لكنني موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا. إذا وصلت لهذه المرحلة ستصل إلى أعلى مراحل الإيمان وهي الطمأنينة الي لا يهتز فيها الإنسان لأي قدر من أقدر الله بدت خيراً أم شرًا ويحمد الله في كل حال.
نعود الآن للدروس والفوائد والعبر التي نستنبطها من قصة الخضر عليه السلام مع موسى: