بقلم : الداعية الأزهري ومعلم القرآن الكريم الشيخ أحمد صقر
إن كثيرا من الناس يقول لا اله الا الله لكنه لا يستشعر معها الجمال والرضا لانها لا تلامس روحه ولا يُفتح لها قلبه ، فكأنها شفرة غريبة لا يتعرف عليها قلب ذاكرها حتى يعرف معناها ومقتضاها ، ويتدرب على الاستفادة منها ، فيكون عالما بها .
وأقل العلم بها ان يعرف انه لا غير الله ربا متكفل بكل جوانب الحياة ولا غير الله إلـٰها يُعبد ، فيبدأ على الفور بتخلية القلب عن كل ما سوى الله تعالى ، من محبوبات ومعتقدات فاسدة ، وكل معبود غير الله ، فيُخلِّيهِ تماما حتى يعود على فطرته التي خلقه الله تعالى عليها ، فطرة سوية نقية ، تدله على الله تعالى وتَكْفُر بكل من سواه ، ولا يقبل غيره حتى لو لم يَحِن التعرف المعرفي بالله الحق ، فهو لا يقبل غيره .
فالقلب النقي بفطرته يعرف الله حتى ولو لم يجد من يدله على الله تعالى باكتساب العلم والمعرفه ولم تصله الدعوة فهو لا يقبل غير الله تماما كقلب ابراهيم عليه السلام قلبٌ بفطرته ، لكنه لم يقبل الشمس ولا القمر ولا غيره اربابا من دون الله تعالى ، وحين دله الله تعالى على عليه تعرف قلبه على شفرة الكلمة الطيبة كلمة التوحيد لا اله الا الله ، فقبلها قلبه ففتح لها مغاليقه ، واستقرت بداخله ، وتربعت على عرش قلبه فاذعن بها واحتكم اليها ، وانشرح صدره واستقامت جوارحه ، وهنا رضيت روحه ، فكان راضيا مرضيا فتقبل جميع الأوامر والنواهي الالهية دون السؤال عن علة الأمر او النهي حتى لو كان ذلك الأمر ان يذبح ابنه الذي جاء بعد الشيب والانتظار الطويل ، فَهَمَّ بذبح فلذة كبده ليتحقق فيه قوله تعالى {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}84 الصافات
ليستحق بهذا ان يكون خليل الرحمن كان ذلك بعد ان تخلى القلب عن كل ما سوى الله تعالى ، ثم تحلى بعد التخلية بوجود الله تعالى ، بالمعرفة والعلم ، معرفة الله تعالى من خلال الكون المنشور الدال على وجوده وقدرته وإرادته فرأى وحدة الخلق وانسجامه ليدل على وحدة الخالق وعظمته ، وبالعلم الذي أوحاه الله تعالى اليه بطريق أمين الملائكة جبريل عليه السلام ، فعلمه بالوحي حقيقة الله تعالى الخالق القادر المنزه عن مشابهة الخلائق ، فبالقلب ذو الفطرة السليمة والعلم الصحيح اصبح القلب سليما بيقين صادق وايمان كامل ، يتغير له ويختلف ناموس الكون ونظامه ، فيستغني عن كل الاسباب راجيا تدخل قدرة الاله دون سبب ، فكأنما يقول للسبب ان كان منك العون فلا ، ولكن ان كان العون من الله فهو عالم بحالي وغني عن سؤالي ، حسبي الله ونعم الوكيل
وهنا ينصاع نظام الكون لسلامة ابراهيم عليه السلام ويتغير قانونه عندما يتدخل الأمر من السماء ، {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ}69 الانبياء فتحرق النار كل ما يقترب منها ، حتى القيود التي يقيد بها نبي الله صاحب القلب السليم تحترق ، لكنها لا تلمس ولو شعرة واحدة من جسده الطاهر الشريف .
ومن هنا كانت ايات القران الكريم تسرد لنا قصص الانبياء والرسل ليتعلم كل ذو قلب سليم من جد الانبياء ، ومن سير الرسل ومواقفهم ويتعظ بها وبمسالكهم ، فيُخلّي صاحب القران قلبه عن كل ما سوى الله قدوة بهم ، ثم يحلّيه بالله وحده فعندما يسمع او يذكر بلا اله الا الله ويتحرك بها لسانه ، يفتح له القلب شفراتها ويقبلها ويتاثر لها ، فتنصاع الجوارح وفق مراد الله تعالى ، فيحيى صاحب الكلمة حياة الطيبين بالرضا وجميل حقيقة السعادة .
قال تعالى { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ}سورة محمد 19.