لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ


بقلم الدكتور : أحمد بدوي مازن مدرس الحديث الشريف
وعلومه بجامعة الأزهر الشريف

في ظل ما نُعانيه من ضغوط الحياة، وتشتت الأهواء، وانشغال القلب بمتع الدنيا وشهواتها، نشعر بأننا في بعد عن الله عز وجل، وأن قلوبنا تتراكم عليها حجب كثيرة من الغفلة، فلا نشعر بحلاوة العبادة، ولذة المناجاة والدعاء، ونفقد الكثير مما كنا عليه قبل ذلك من روحانيات الذكر والقرآن.

ومن أقوى العوامل التي تزيل غفلة القلب، وحجاب الروح هي مجالسة الصالحين والذاكرين من عباد الله، فإن مجالستهم ورؤيتهم تنتشلنا من أوحال الشهوات، وتأخذ بأيدينا من ملذات الدنيا إلى سعة رحمة الله عز وجل، ولذا قال الله تعالى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده :
“وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً “

لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ لله عز وجل ملائكة يطوفون ويمشون بين الناس يبحثون عن مجالس ذكر الله عز وجل ويحفون الذاكرين بأجنحتهم للسماء الدنيا، ثم يسألهم الله عز وجل وهو أعلم عن أحوال هؤلاء الذاكرين، ثم يُشهدهم الله تعالى أنه جل جلاله قد غفر لهم.

ليس هذا وحسب بل إنَّ من عظيم فضل الله تعالى أنَّ مَنْ يُخالط الصالحين يُكرم بهم، فيغفر الله تعالى لمن خالط الذاكرين والصالحين، وتعمه رحمة الله عز وجل وإن لم يكن ذاكرًا لله معهم، وإن لم يكن على قدمهم من الصلاح والتقوى، لكنه محب لهم، فتتنزل الرحمات عليه، ويتبع ذلك زوال غفلة القلب، وشعور الروح بلذة الأنس بالله تعالى، في الحديث الصحيح
” فَيَقُولُ- الله عز وجل-: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ” قَالَ: ” يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ  “

وصحبة الصالحين تزجر القلب عن الوقوع في المعصية، قال الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه” أَحْيُوا الْطاعات بِمُجَالَسَةِ مَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ”، وفي الموطأ
” أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ أَوْصَى ابْنَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ جَالِسْ الْعُلَمَاءَ وَزَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْك فَإِنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْقُلُوبَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ السَّمَاءِ “

إنَّ النبى حذرنا من مصاحبة أصدقاء السوء؛ فإنهم يفسدون الأخلاق ويصرفون المؤمنين عن طاعة الله . عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الخُدْرِى عَنِ النَّبِى قَالَ:  ” لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ “.

وإنما حذر من صحبة من ليس بتقى وزجر عن مخالطته ومؤاكلته لأن المشاركة فى الطعام توقع الألفة والمودة فى القلوب، يقول لا تؤالف مَنْ ليس مِن أهل التقوى والورع ولا تتخذه جليسًا تطاعمه وتصاحبه.
ومصاحبة كامل الإيمان أولى، لأن الطباع يقتبس بعضها من بعض، ومن ثَمَّ قيل: صُحبة الأخيار تُورث الخير، وصُحبة الأشرار تُورث الشر .

فصحبة الأخيار تُورث الْفَلاح والنجاح وَمُجَرَّد النّظر الى أهل الصّلاح يُورث صلاحًا.وعَنْ مُجَاهِدٍ رحمه الله: قَالَ “مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ إِلا مُثِّلَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ” أي الذين كان يجلس معهم في الحياة الدنيا من الأصحاب فيذكرونه بما كانوا يفعلونه في الدنيا ومن المعلوم أن صحبة الصالحين والأولياء المقربين فيها سعادة للإنسان, وهناءة له وأمن له.

ولقد ذكر القرآن الكريم بعض نماذج الأولياء الصالحين, وهم أهل الكهف, وكيف أن الكلب لما صحبهم ذكر في القرآن لصحبته الصالحين, حيث قال الله تعالي:
” سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ”

فيلاحظ أن الكلب ذكر في القرآن لأنه صحب أهل التقوي والإيمان من أولياء الله الصالحين, أي أن صحبة الصالحين, والأولياء المقربين تعلي شأن من يصحبهم, فإذا كان الكلب سعد بصحبة الصالحين, فما بالنا حين يصحب الإنسان المؤمن أولياء الله تعالي وكما قيل: إن صحبة الكرام ترفع المقام.

وقال القائل:

قيل: تشقى بحبِّ آل النبي 
قلتُ: هذا كلامُ غاوٍ شقي

فاز كلبٌ بحبِّ أصحاب كهف 
كيف أشقى بحبِّ آل النبيِّ

وصل الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *